المحتويات
يُتم مبكر وفترة شباب مضطربة
هو أحمد بن محمد بن عبد الله، سليل الزاوية الريسونية، ولد حوالي سنة 1284ه/1868م، والتحق مبكرا بالمدارس القرآنية والدينية، وانكب على طلب العلم والمعرفة لأنه سليل أسرة شريفة معروفة بالعلم والعلماء. وبسبب وفاة والده المبكرة توقف عن الدراسة، واضطر إلى الانحراف عن نهجه وامتهن في فترة شبابه أعمال قطع الطريق والقتل، خصوصا عندما تعرض بيته للنهب وقتلت أمه من طرف عصابة من العصابات المسلحة، خصوصا وأن المنطقة عرفت خلال نهاية القرن التاسع عشر ظهور عصابات أقامت تشكيلات إرهابية كانت تمارس اللصوصية والابتزاز والنهب والسلب وقطع الطرقات. وقد تمكن الشاب أحمد الريسوني من العثور على المعتدين، واسترجع منهم متاعه بدون أداء أية فدية. وقد أكسبه هذا العمل البطولي شهرة وتقديرا كبيرين بين القبائل، فأصبح مقصد الناس لأخذ الثأر من العصابات المسلحة، وقد تمكن بالفعل من قطع دابر اللصوصية في قبيلة أنجرة، التي عينه السلطان الحسن الأول عاملا عليها[1].
وبسبب أعماله تلك، ألقي عليه القبض عليه وزج به في السجن. حيث أنه لما استفحلت أعماله، تكاثرت الشكايات الواردة على السلطان بصدده، فأمر السلطان عامله على طنجة عبد الرحمان بن عبد الصادق بالقبض عليه، وبعث به إلى الصويرة، حيث قضى هناك في السجن زهاء ست سنوات. وبعد وفاة الوزير القوي أحمد بن موسى المعروف بباحماد، ونظرا لشفاعة الشرفاء الريسونيين المتكررة وكذا لنائب السلطان بطنجة محمد الطريس، تم إطلاق سراحه سنة 1317ه/1900م.
الشريف أحمد الريسوني والمخزن المركزي
بعد سنتين من الهدوء رجع مرة أخرى إلى نشاطه القديم، وهذه المرة بإتقان أكثر وجرأة أكبر. وبسبب خطورة أعماله، أرسل السلطان مولاي عبد العزيز سنة 1321/1903 حركة عسكرية ضده، لكنها لم تتمكن من القضاء عليه، بل استطاع الريسوني فرض تراجع المحلة المخزنية بعد القبض على الصحفي الإنجليزي ولتر هاريس مراسل جريدة التايمز الذي أراد أن يلعب دور الوسيط بين الطرفين. كما أنه تمكن من فرض نفسه عاملا على بعض القبائل في منطقة جبالة كنتيجة للشروط التي فرضها لإطلاق سراح رهينتيه الأمريكي إيفان بريديكاريس والإنجليزي كارمويل فارلي سنة 1904. ولم تمنع وظيفته كعامل مخزني السلطان من إرسال محلة أخرى ضده سنة 1325ه/1907م، وذلك بسبب عدم انضباطه، والضغوطات الأجنبية الناتجة عن ذلك، ولم تتمكن تلك المحلة السلطانية من القضاء عليه، بل تمكن مرة أخرى من اختطاف الوسيط الانجليزي المعروف بالكولونيل ماكلين، وهو الاختطاف الذي تزامن مع عزل المولى عبد العزيز وبيعة المولى عبد الحفيظ، فانحاز الريسوني إلى جانب هذا الأخير. ومكافأة له على ذلك، عينه مولاي عبد الحفيظ قائدا على القبائل الجبلية والهبطية، بالإضافة إلى باشوية القصر الكبير وقبيلتي الخلوط وأهل سريف[2]. وخلال هذه الفترة تخلى عن أعماله السابقة إلى حين دخول الحماية الإسبانية للمنطقة. ونظرا لسطوته وقوة نفوذه بين قبائل المنطقة، تمكن من وضع حد للانقسامات القبلية التي كانت تستنزف طاقات المنطقة، فأصبح يحكم المنطقة كما لو كان ملكا؛ له رجاله ومحلته ومزارعوه.
العلاقة مع الاحتلال الإسباني
عندما وثق من عدم قدرة المولى عبد الحفيظ على الحفاظ على وحدة البلاد، ووضع حد لاستغلالها من طرف الأجانب، وهو ما تبين في سقوط فاس في يد الفرنسيين، قرر أن يضع ثقته في الإسبان، وذلك بقصد الوقاية من التهديد الفرنسي، ومساعدته في توطيد سلطته في المنطقة. وقد كانت رؤيته للعلاقة مع الإسبان محكومة بقناعته بإمكانية الجمع بين المقاومة السياسية والعسكرية، فبالإضافة إلى ربطه علاقات مع الإسبان فقد وضع خطة لإستنزافهم[3].
وبناء على رؤيته لتلك العلاقة، فقد مرت علاقة الريسوني مع سلطات الإحتلال الإسباني بتقلبات عدة، تراوحت بين المهادنة والتفاوض تارة، وبين بالصراع والمناوشة تارة أخرى. فبسبب خلافه مع الجنرال الإسباني سلفيستر الذي كان قائدا عاما لقوات العرائش، والذي أفرغ سجون الريسوني في أصيلة، واستيلائه على أملاكه واعتقال أعوانه ووضع عائلته تحت الإقامة الإجبارية، التحق مولاي أحمد الريسوني بصفوف المقاومة الجبلية ليصبح زعيما لها، وكان ذلك في أواسط 1331م/1913ه، خصوصا بعد إطلاق سراح عائلته، ليستمر في مناوشته للإسبان حتى سنة 1333ه/1915م، ليتم عقد هدنة بينه وبين الإسبان في مايو من سنة 1916م، الأمر الذي أتاح له بعض الإمتيازات؛ حيث تم تعيينه عاملا باسم المخزن على القبائل التي كان يراقبها والخاضعة له.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، عادت إسبانيا إلى نهج القوة، حيث أخضعت عدد من المناطق الجبلية بما فيها مركز تازروت بقبيلة بني عروس التي كانت مقرا للشريف الريسوني[4]. وبعد هزيمتها في معركة أنوال أما المقاومة الريفية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، اضطرت إسبانيا إلى مراجعة خططها، حيث راهنت مرة أخرى على الهدنة في الناحية الغربية من منطقة نفوذها للتفرغ للمنطقة الريفية المشتعلة. وبدوره فإن الريسوني لم يقدم على أي عمل حربي تجاه الإسبان ابتداء من سنة 1340ه/1922م.
معارك الشريف أحمد الريسوني ضد الإسبان
بسبب تحرشات الإسبان ومضايقته وعائلته في أصيلة قرر أحمد الريسوني مغادرة مدينة أصيلا نهائيا في 30 نونبر 1912 ليستقر في مدينة طنجة في انتظار إطلاق سراح عائلته من طرف الإسبان. وفي 9يناير 1913 توجه لإلى منطقة الزينات بقيبلة الفحص، ومنها وجع عدة رسائل إلى رؤساء القبائل يحثهم فيها على الإستعداد للحرب ضد إسبانيا. وبعد احتلال مدينة تطوان في 19 فبراير 1913 بدأت المقاومة تتصاعد، خصوصا بعد حصول الريسوني عائلته، حيث عمل على تنظيم المقاومة، كما انتخبته القبائل في كقائد للمقاومة ضد الإسبان في افجتماع الذي عقدته في زاوية سيدي يسف التليدي بقبيلة الأخماس وذلك يوم 7 مايو 1913، الأمر الذي سرع في خطوات تنظيم المقاومة[5]. وابتداء من يونيو من سنة 1913 بدأت المقاومة في تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الإسبان، كان أهمها استيلاء المقاومين في ساحل الريف على زورق مسلح، فقتل 16 من طاقمه وجرح 17 وتم أسر 11 عنصر. وأيضا هجوم المقاومين على كدية فريشات بقبيلة الخلوط وسوق اثنين بقبيلة الغريبة، وهو الهجوم الذي انتهى بمجزرة في صفوف الإسبان. كما شنت المقاومة غارتها على مدن تطوان وأصيلا والقصر الكبير، فطعت المواصلات بين سبتة وتطوان المحتلتين، كما تمكن الريسوني من الإستيلاء على فندق العين الجديدة[6].
وفي 15 يوليوز 1913 انهزم الجيش الإسباني بقيادة سلفستري أما مقاومة الشريف أحمد الريسوني في معركة بوعودة. كما اضطر سلفستري إلى خوض 11 معركة بين أكتوبر 1913 ومايو 1914، الأمر الذي كلفه خسائر فادحة العدة والعتاد[7]. ورغم محاولات الشريف أحمد الريسوني اسئناف هجماته العسكري ضد الإسبان بعد الهدنة التي وقعها مع الإسبان في مايو 1916، فإنه لم يتمكن من وقف الزحف الإسباني الذي استولى على مدينة شفشاون في أكتوبر 1920، واحتلال قبائل بني يسف وبني شكار، فوقع بذلك الإتصال بالجيوش الفرنسية بالجنوب.
وهكذا فلم تكد تنتهي سنة 1920 حتى انتهت حركة المقاومة التي كان يقوده الشريف أحمد الريسوني، كما أن الانحياز التدريجي للقبائل الجبلية لحركة محمد بن عبد الكريم الخطابي، وتوسع هذه الأخيرة داخل منطقة جبالة، جعل حركة أحمد الريسوني شبه معزولة، الشيء الذي سهل القضاء عليها من طرف حركة محمد بن عبد الكريم سنة 1343/1925، فتم نقل أحمد الريسوني إلى مركز تامسنت بالمنطقة الريفية، حيث توفي هناك في 9 رمضان 1343/ 3 أبريل 1925[8].
المراجع
[1] عياش جرمان، أصول حرب الريف، ترجمة محمد الأمين البزاز وعبد العزيز التمسماني خلوق، الشركة المغربية المتحدة، الرباط، 1992، ص 262.[2] - ابن عزوز حكيم محمد، الشريف الريسوني والمقاومة في شمال المغرب، الجزء 1، 1981، ص 21.[3] مرتين ميكيل، الإستعمار الإسباني في المغرب (1860-1956)، ترجمة عبد العزيز الوديي، منشورات التل، الرباط، ط1، 1988، ص 55.
[4] معلمة المغرب، مهدرها أحمد، مادة الريسوني أحمد، الجزء 13، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 2001، ص 4522.
[5] ابن عزوز حكيم محمد، مرجع سابق، ص 91-92.
[6] مرتين ميكيل، مرجع سابق، ص 46.
[7] ابن عزوز حكيم محمد، مرجع سابق، ص 121.
[8] معلمة المغرب، نفسه.