ماذا تعني كلمة إفران

إن أول ما يلفت انتباه الباحث حول إسم وتاريخ مدينة إفران المغربية هو التغييرات التي لحقت شكل كتابة اسم هذه المدينة عبر الأزمنة، وهو ما يظهر في مختلف الكتابات التي أوردت إسم المدينة. فبالإضافة إلى إسمها الأصلي: أورتي، الذي يعني الحديقة في اللغة الأمازيغية[1]، فنجد إفران تكتب تارة على شكل “إيفران” أو “يفران”، وتارة أخرى على شكل “يفرن” أو “إفران”. وقد استقر  شكل إسم المدينة على كلمة “إفران” سنة 1993، على إثر صدور مرسوم وزاري مغربي بتاريخ 25 غشت 1993[2]. و كلمة “إفران” كلمة أمازيغية، وهي جمع للكلمة الأمازيغية “إفري”، والتي تعني المغارة أو الكهف. وبفضل مناخها الجبلي الشبيه بمناخ المناطق الجبلية الأوروبية، وموقعها وسط غابات الأطلس المتوسط المغربي، وكذا مميزات عمارتها فقد دأب الناس على وصفها بسويسرا الصغيرة أو سويسرا المغرب. ويشار أيضا إلى أن هناك منطقة أخرى يطلق تسمى إفران الأطلس الصغير، وهي جماعة قروية بمنطقة الأطلس الصغير المغربي، تابعة إداريا لإقليم كلميم (جهمة كلميم واد نون).

الموقع الجغرافي والخصائص الطبيعية

وفق التقسيم الجهوي الحالي (الذي يعود لسنة 2015) تنتمي مدينة إفران إلى جهة فاس- مكناس، وتقع المدينة على ارتفاع 1713متر على مستوى سطح البحر، وفوق هضبة كلسية، وفي موقع جغرافي في الأطلس المتوسط الغربي، مما سمح لها أن تنفتح على كبريات المدن المغربية، خصوصا مدن فاس ومكناس ومراكش وطنجة. كما يتميز موقع إفران بسيادة مناخ جبلي ووجود غابات الأرز والبلوط، وكذا عيون المياه والضايات، كضاية عوة وضاية أحشلاف، وضاية أفنورير وغيرها. وقد أهل هذا الموقع الجغرافي والطبوغرافي إفران أن تتميز بموضع طبيعي فريد، يتميز  بكثافة الغطاء الغابوي (غابات السنديان والأرز)، بحيث تطل عليها من الجنوب غابة البحر، وشمالا تحدها غابة زروقة، وغابة أوندلين شرقا. كما تحظى مدينة إفران بوفرة المياه العذبة، فوادي إفران (يسمى أيضا تيزكي) يخترق المدينة في اتجاه زاوية إفران في الشمال الغربي للمدينة، وبغزارة تدفق عيونها المتنوعة؛ كعين لا ليجو، وعين زروقة، ويبقى أشهرها على اللإطلاق عين فيتال (سميت كذلك لما لمياهها من تقارب مع مياه فيتال (Vittel) الفرنسية.

وبفضل هذا الموضع الطبيعي والجغرافي للمدينة يتميز مناخ إفران بطابعه الجبلي الرطب الشبيه بمناخ عدد من المناطق الجبلية الأوربية، وبفصول متباينة. ففصل الخريف هو بداية التغيير الفصلي، حيث تتراجع درجة الحرارة بصفة ملحوظة وتنزل الأمطار الأولى وترمي الأشجار النفضية بأوراقها بعد أن تتلون بين الأصفر والأحمر والبني. ومع حلول فصل الشتاء تتخلص تلك الأشجار كلية من أوراقها، ويحل البرد القارس، وتنزل درجة الحرارة إلى أقل من الصفر، ويكثر تساقط الثلوج والصقيع والجليد. وابتداء من فصل الربيع حتى نهاية فصل الصيف، يتلطف الجو وتكون درجة الحرارة معتدلة[3]. أما التساقطات في المنطقة فتتميز بغزارتها، بحيث يصل معدلها 1200 ملم في السنوات العادية، وتنزل معظم التساقطات على شكل أمطار، وفي الفترة الممتدة بين نونبر ومارس على شكل ثلوج تكسو المنطقة وتلقي عليها مسحة جمالية من وشاح أبيض يزيد منظر مدينة إفران جمالا وسحرا، يغري السياح من كل حدب وصوب لزيارتها والتمتع بمناطرها الشتوية الجميلة واقتناص الفرصة لممارسة التزحلق على الجليد.

تاريخ مدينة إفران

لم يكن الموضع الذي بنيت عليه مدينة إفران أرضا خلاء بل عرف على بعد ثلاثة كيلومترات شمالا وجود زاوية إفران، تدعى كذلك زاوية سيدي عبد السلام باسم الوالي الصالح الشريف الذي استوطنها من عهد قديم. وقد وقع اختيار  المستعمر الفرنسي على موضع مدينة إفران بحكم ما حبا الله هذه المنطقة من جمال الطبيعة وسحرها، وما لها من أوجه التشابه والتقارب بأوساط طبيعية جبلية أوربية، وفرنسية على وجه الخصوص، تذكر المعمرين بديارهم في بلدانهم الأصلية. وقد حفز ذلك سلطات الحماية على الاعتناء بها منذ أن بسطت نفوذها على تلك المنطقة. حيث وقفت على أهمية هذه المؤهلات الطبيعية النادرة، وصلاحيتها للتوظيف إستراتيجيا في دعم النظام الاستعماري وتثبيت وجودها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بالمغرب، وهو الأمر الذي يتعلق بخلق ظروف استقرار المهاجرين الأوربيين به، وتوفرهم على كل ظروف العيش القار والمريح، وتنعم إفران ونواحيها بكل ظروف الاستمتاع بالهواء النقي واستكشاف ألوان الطبيعة عبر الفصول والتزحلق على الثلج والقنص الغابوي والصيد في مياه العيون والبحيرات.

ومن أجل هذه الاعتبارات قررت سلطات الحماية تأسيس مركز اصطياف متميز في المنطقة أطلق عليه إسم إفران، ومن أجل إعطاء الحدث وزنه الكامل حضرت مراسيم تدشينه وانطلاقه زوجة المقيم العام انذاك لوسيان سان Lucien Saint في شهر يوليوز 1929. ومن أجل إيجاد فضاء إصطيافي ومدينة على الطراز الأوروبي؛ هندسة ومن جانب تنظيم المجال، ومدينة قادرة على أن توفر لهم الراحة، أولت لها سلطات الحماية الفرنسية أهمية ورعاية خاصة. فعملت على تسخير كل الوسائل والشروط المادية والمعنوية الضرورية لإنجاز وإنجاح المشروع. ففي سنة 1932 تم تحديد الدائرة الحضرية للمدينة، وانكبت على تحديد المبادئ التعميرية الأساسية والتوجيهات المجالية  والعمرانية الكبرى، وفي سنة 1933 شهدت المدينة وضع أول تصميم تهيئة، وتبعه ثان سنة 1947 لتغطية الحاجيات في التنظيم المجالي الحضري الذي بات يتسع سنة بعد أخرى مع تزايد عدد المقيمين الذين ارتفع عددهم من سنة 1932 إلى سنة 1952 من 184 قاطنا إلى 694 قاطنا، هذا بالإضافة إلى تزايد أعداد الزوار والمصطافين[4].

النموذج الحضري والهندسي لمدينة إفران

لقد احترم في التنظيم الحضري للمدينة مبدأ الحفاظ على الخضرة وروعة الموضع الطبيعي، واعتبارا لذلك فقد تأسست النواة الأولى للمدينة على الضفة اليسرى لوادي تيزكي الذي منع البناء على هوامشه (تم تشييد القصر الملكي على الضفة اليمنى للوادي والذي دشنه الملك محمد الخامس 1941)، وخصصت مجالات واسعة للحدائق والمتنزهات التي زينت بأشجار الأرز والقسطل والصفصاف الأبيض والزيزفون والصنوبر  والتنوب والزهور كحديقة ساحة الأسد المشهورة، والتي تحمل اسم مجسم النحت الشهير والمعروف أكثر باسم: أســـــد إفران، الذي نحته الفنان هنري جون مورو على حجر الكرانيت سنة 1930. مقاسه أكثر من متر ونصف (m1.50) في العرض، وسبعة (7) أمتار في الطول، وحديقة الأكمة (La butte)، وحديقة المرجة الطبيعية (La prairie). كما خصصت أماكن للفيلات والمنشئات الإدارية والتجارية والسياحية والرياضية والثقافية، وكذا ساحات عمومية. وتتخلل كل ذلك أروقة واسعة ومرصفة تحفها أشجار مختلفة، طبقت في تخطيطه وإعداده أحدث قواعد التعمير العصري الأوربي الخاص بالمناطق الجبلية، وهو ما ظهر أيضا في شكل البنايات التي اتخذت أشكالا غريبة عن العمارة المغربية، بحيث كانت تلك البنايات ذات طابق أو طابقين، معظمها من الفيلات المشيدة بحجارة الكلس التي تزخر بها المنطقة، تطل على الخارج بنوافذ وشرفات تزين الواجهات في تناسق وانسجام. السقوف متعارضة الميل ومغطاة بالقرميد الأحمر، ويوحي شكلها المثلثي الحاد بالطابع الجبلي للبنايات التي تبدو ملائمة مع خصوصية مناخ إفران المعروف بأمطاره العزيرة وفترات ثلجية متكررة[5]. وقد أطلق عليها المستعمر  الفرنسي على إفران عدة تسميات من وحيي التراب الفرنسي: شامونيكس المغرب (Chamonex)، الصافوا العليا (Haute savoie)، “سويسرا الصغيرة”، قطعة من ربوع فرنسا (Petit cour de France)، وكلها تسميات غربت إفران عن أهاليها من بني مطير  وغيرهم، وأفقدتها هويتها الأمازيغية الأصلية.[6] وإمعانا في تكريس هذا التغريب تجاهلت السلطات الإستعمارية المغاربة وهمشت وجودهم، رغم أنهم يمثلون القسم الأوفر من ساكنتها، كما لم يكن لهم الحق في الاستفادة من المنشآت الحضرية الكبرى التي ساهم الكثير منهم في بنائها وإنجازها كعمال ومستخدمين وحتى كسجناء، فلجأ معظمهم إلى الاستقرار بالسكن الهش المكون من البراريك بحي تيمدقين في غياب أدنى التجهيزات التحتية أو الاجتماعية وحتى الدينية؛ إذ لم يبن في إفران أول مسجد إلا غداة الإستقلال.[7]

لقد شكلت مدينة إفران مفخرة المستعمر، حيث أنها أصبحت متنزها رائعا رفيع المستوى يقصده معمرون وزوار متميزون يتوافدون عليه برا وجوا (بعد بناء المطار) من كبار أطر الحماية وموظفين سامين ودبلوماسيين وغيرهم.

إفران في فترة الإستقلال

في فترة الاستقلال، بدأ عهد جديد، كان عنوانه الأساسي نزوح وهجرة المعمرين الأجانب من المدينة، وحلول المغاربة محلهم، خصوصا في الأحياء التي كانت محرمة عليهم في السابق. كما أصبحت هذه المدينة تحظى برعاية الملك الراحل الحسن الثاني، الذي حرص على تتبع شؤونها بشكل شخصي ومباشر؛ فكان يقيم بها كثيرا ويقيم فيها اللقاءات الوطنية والدولية. وقد تمت ترقية مكانتها إدارية بعد جعلها عاصمة الإقليم في شتنبر 1979. وقد نتج عن هذا الاهتمام توسع المدينة من ناحية الساكنة، حيث تزايدت ساكنتها بشكل لافت، من 3260 نسمة سنة 1960 إلى 13380 سنة 2014[8] (ساكنة المركز الحضري لمدينة إفران فقط). كما غادرتها الأغلبية الساحقة من الساكنة الأجنبية، ليبقى حال تلك الساكنة على ما هو عليه إلى أن تم بناء جامعة الأخوين بالمدينة، التي تم تأسيسها على إثر القرار الملكي بتاريخ 20 شتنبر 1993، وسميت بالأخوين نسبة إلى منجزها الملك الحسن الثاني والملك فهد بن عبد العزيز، وتم تدشينها يوم 4 غشت 1994، وهي أول جامعة يحضنها الأطلس المتوسط، إثر ذلك ارتفعت الساكنة الأجنبية هناك بشكل ملحوظ، بحيث فتحت الجامعة أبوبها أمام الطلبة الأجانب. كما تعززت البنية التحتية للمدينة وخاصة منها السياحية؛ من فنادق ومطاعم، الأمر الذي عزز من الجاذبية السياحية للمدينة، خاصة في فصل الشتاء الذي يشهد توافد أعداد مهمة من الباحثين عن متعة التزحلق في محطتي ميشليفن وهبري الواقعتين على بعد 16 كلم في إتجاه الجنوب الشرقي، وكذا للاستمتاع بمناظر  الثلوج التي تكسو المدينة، وغابات الأرز التي تحيط بالمدينة.

إفران الوجهة السياحية المميزة

لقد أهلت العوامل الطبيعية والجغرافية مدينة إفران المغربية أن تصبح جوهرة الأطلس المتوسط في المجال السياحي خصوصا لعشاق الأجواء الهادئة والسياحة الجبلية والسياحة الشتوية، وللباحثين عن الهواء النقي والصحي. والزائر لمدينة إفران لا يمكن لعينه أن تخطئ المؤهلات الجمالية الفاتنة للمدينة، والتي تجعل السائح يقف مشدوها أمام جمال المدينة ومحيطها، وتجعله يقرر كل مرة ودون تردد أن يزورها. ويمكن للسائح الذي اختار وقرر أن يزور إفران أن يطمئن أن اختياره سيقوده إلى مدينة ونواحيها توفر اختيارات سياحية متنوعة نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

  • المنتزه الوطني لإفران:

يقع في الجزء الأوسط من جبال الأطلس المتوسط، وقد أنشئ المتنزه سنة 2004، باعتباره من الفضاءات المحمية، على مساحة تقارب 54 ألف هكتار، ليتم تمديده سنة 2008 لتبلغ مساحته حولي 125 ألف هكتار. ويتميز بغناه الطبيعي والبيولوجي لما يختزنه من غطاء نباتي وغابوي متنوع قوامه شجرة الأرز (49 ألف هكتار) أشجار البلوط الأخضر (44 ألف هكتار) والصنوبر البحري (3500 ألف هكتار) والعرعار الجبلي (1900 ألف هكتار) والسنديان والزان (2900 ألف هكتار) وغيرها. كما يحتضن المتنزه أنواع متعددة من الطيور والحيوانات وخاصة القرد المكاك البربري (زعطوط بالأمازيغية)، بحيث يحتوي المتنزه على حوالي نصف الأعداد المتبقية من هذا الحيوان المهدد بالانقراض. كما يعد المتنزه خزانا مائيا كبيرا في المغرب يحتضن خزانات مائية مهمة كضاية عوة وبحيرة أكلمام أفنورير، كما يزود عددا من الأنهار الكبيرة كأم الربيع وسبو.

  • أسد إفران: 

تمثال لأسد الأطلس يتوسط وسط المدينة برفعة، ويعتبر واحدا من رموز المدينة وأحد أكثر الأماكن جذبا للسياح من مختلف أنحاء المغرب والعالم، ومن أكثر المعالم السياحية تصويرا في المنطقة بأكملها.  وقد نحته الفنان هنري جون مورو على حجر الكرانيت سنة 1930. يبلغ مقاسه أكثر من متر ونصف (m1.50) في العرض، وسبعة (7) أمتار في الطول.

  • محطة التزحلق بميشليفن:

تقد على بعد 17 كيلومتر من مدينة إفران، وعلى ارتفاع 2000 متر على سطح البحر. وهي من أهم محطات التزلج على الجليد في المغرب، ويقصدها عشاق رياضة التزلج من كل بقاع المغرب والمعمور.

  • عين فيتال:

يبعد عن مدينة إفران ب 3 كيلومترات فقط في اتجاه زاوية سيدي عبد السلام. وتعتبر مكانا مثاليا للنزهات مع العائلة أو الأصدقاء وخصوصا في فصل الربيع. تجذب هذه العين آلاف الأشخاص من جميع أنحاء المغرب ومن العالم. على طول بضع مئات من الأمتار من النهر، تنتشر غابة من القيقب والحور حيث يمكن القيام برحلات على ظهور الخيل خصوصا في فصل الصيف.

بالإضافة إلى هذه المواقع السياحية، فإن الزائر يكون أمام فرصة التعرف على كثير من العادات والتقاليد الأمازيغية التي تزخر بها المنطقة خصوصا في مجال الصناعة التقليدية وفي ميدان الطبخ والفنون.

المراجع
[1] http://www.region-fes-meknes.ma/provinces/%D8%A5%D9%81%D8%B1%D8%A7%D9%86/
[2] البلغيتي العلوي عائشة، معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة وللنشر، الجزء 2، الطبعة الثانية، 2014، نشر دار الأمان، الرباط، ص 7673.
[3] البلغيتي العلوي عائشة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7674.
[4] البلغيتي العلوي عائشة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7674.
[5] البلغيتي العلوي عائشة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7675.
[6] - البلغيتي العلوي عائشة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7675.
[7] - البلغيتي العلوي عائشة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7676.
[8] - الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014: http://rgphentableaux.hcp.ma/Default1/.