
المحتويات
توطئة
يتوزع البوح في كتاب “مستشارو الملك” للدكتور محمد شقير على ثلاثة فصول، اختار لها الكاتب عناوين دقيقة تلامس الأبعاد التاريخية والسياسية لمنصب المستشار الملكي، حيث افتُتح الكتاب بمقدمة عامة مؤطرة للموضوع من جوانب عدة، ليتأرجح البحث بين فصول ثلاثة.
مضامين الكتاب
-
الفصل الأول: المستشار كامتداد للذات الملكية:
توجه الكاتب في عمق هذا الفصل إلى التمييز بين مفهومي الملك والقصر وحمولتهما المؤسساتية والرمزية، مفصحا عن علاقة تتأرجح بينهما؛ فالقصر أوسع من الملك لكونه يتسم بالديمومة، ويهم ليس شخص الملك فقط، بل أيضا حياة البلاط، والعائلة الملكية، والمستشارين، وكل ما يحيط بدائرة الملك، بينما يعبر الحديث عن الملك عن شخصه بذاته. لكن تجربة الملك الراحل الحسن الثاني في الحكم قد غيرت هاذين المفهومين ليعبر القصر عن الملك والعكس صحيح. كما التف الدكتور محمد شقير في هذا الفصل حول بعض المهام المنوطة بالمستشار الملكي كتلاوة الرسائل الملكية، والتي تحظى بقدسية ومكانة رفيعة في جدول أعمال القصر الملكي، فضلا عن نقل التعازي نيابة عن جلالة الملك، فالبروتوكول الملكي يمنع على الملوك العلويين حضور الجنازات وحضورهم الشخصي لتقديم التعازي، علاوة على دور محوري تعكسه الأدوار التي تقوم بها بعض اللجان والجمعيات الملكية، حيث يتولى المستشار الملكي ترؤس هذه الأخيرة والإشراف على تقديم التقارير الدورية للملك، كما كان في حالة السيدة زليخة نصري رحمها الله. وأخيرا يبقى على عاتق المستشار الملكي تسويق وتلميع الصورة الملكية عن طريق الإعلام.
-
الفصل الثاني: المستشار كتجسيد للسلطة الملكية:
ففي هذا الفصل تم إبراز العلاقة التي تربط الملك بمستشاريه، حيث تكون هذه العلاقة ذات طابع شخصي وليس تنظيمي. وهذه العلاقة هي التي تحدد مدى قرب المستشار من الدائرة الملكية كما في حالة المستشار الملكي “فؤاد عالي الهمة” صديق الملك محمد السادس، أو ابتعاده عنها، كما حدث للمستشار الملكي “السيد عبد الهادي بوطالب” في لحظة غضبة الملك الراحل الحسن الثاني.
-
الفصل الثالث: المستشار كتنفيذ للإرادة الملكية:
هذا الفصل الذي حضي بنفس طويل في الكتاب، حيث طُرحت فيه قضايا وأفكار وحالات، تتلاعب بذهنية القارئ وتتطلب تحليل ما بين سطور الأستاذ محمد شقير. ففي نظام حكم يسود فيه الملك ويحكم، يصبح المستشار الملكي آلية لإصدار القرارات والتوجيهات الملكية، ما يطرح أحيانا صداما بينها وبين النخب السياسية في الحكومة والبرلمان، في ظل غياب أي نص دستوري أو قانوني يحدد اختصاصات المستشار الملكي.
يمكننا الانطلاق من أسئلة محورية طرحها الكاتب بعناية، وهي ترجمة لإشكالية هذا الكتاب: أين تبدأ حدود عمل وتحركات المستشار الملكي وأين تنتهي؟ وهل المستشار رجل يعمل تحت جناح الملك أم أنه فاعل سياسي؟ وهل يعتبر مستشارو الملك منافسين لجهاز الحكومة؟.
حاول الورع عبد الهادي بوطالب، وعلبة أسرار الملك الراحل الحسن الثاني، تعريف المستشار الملكي في لقاء تلفزي على قناة مغربية، مجيبا حينما سُئل عن هذا المنصب السامي، قائلا: “لا يعني المستشار الملكي أن الملك في حاجة إلى أن يستفسر المستشار في كل ما يتخذه من قرارات وتدابير، وأن يطلب منه أن يقول رأيه في الشاذة والفاذة، أو أن يعمل برأيه في كل شيء. المستشار وظيفة لها معنى لغوي وآخر اصطلاحي فهو يعني رجل دولة تتوفر فيه كفاءات وتكون خلفه تجارب واسعة ويستعمله الملك حين يشاء في المهمة التي يراها بتقديره الخاص… نحن المستشارين لا نمارس الحكم، لأننا لا نمتلك سلطة القرار التي يملكها الوزراء الذي يمضون على القرارات أو بالعطف على المراسيم.”
إذن، ما هي شروط انتقاء المستشار الملكي من بين كل النخب السياسية والتكنوقراطية في المغرب؟
يمكن استنباط فكرة جوهرية من كتاب الدكتور محمد شقير، وهي أن المستشار الملكي أكثر حظوة ومكانة من الوزير، بل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك، لا يمكن للوزير اتخاذ قرار أو التوقيع على وثيقة دون الحصول على الضوء الأخضر من دائرة الملك، والتي نجد في مقدمتها المستشار الملكي. فهل ذهب صاحب الكتاب إلى اعتبار أن المغرب تحكمه حكومة الظل من المستشارين بدل المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك؟ فالمستشار الملكي يعتبر قبل كل شيء ممثلا للملك، فحتى بعدما تم خلق منصب الناطق الرسمي باسم القصر، بقيت كل الرسائل الملكية تُتلى من طرف مسشاري الملك وتحظى بالمكانة والقدسية الملائمتين لشخص الملك. لهذا يتم اختيار جل مستشاري الملك من بين الكفاءات التي تتمتع بتجربة كبيرة في دواليب الدولة والتعامل مع ملفاتها. ويظهر ذلك بوضوح من خلال المعايير التي يتم التركيز عليها في عملية انتقاء هؤلاء المستشارين، حيث يتم انتقاء المستشار نظرا للخبرة التي يكون قد راكمها نتيجة لتجربة سياسية أو حزبية (أحمد بنسودة وعبد الهادي بوطالب) أو لتجربة تكنوقراطية (مزيان بلفقيه، محمد القباج، احمد الميداوي) أو لتجربة أكاديمية (عباس الجيراري، محمد معتصم). يبدو من خلال عرض هذه الشخصيات اللامعة والفاعلة في تاريخ المغرب، والتي تعمقت في الوظائف المخزنية، أن مهمة اختيار المستشار الملكي لا تتم اعتباطيا أو بمحض الصدفة، بل هي عملية معقدة ومركبة، يمتزج فيها التكوين الأكاديمي والسياسي لهذه النخب، بالولاء التام للمؤسسة الملكية، والمقصود بالولاء؛ هو التخلي عن الانتماءات الحزبية والسياسية، كما هو الحال بالنسبة لأحمد بنسودة، عبد الهادي بوطالب. ففي هذا الصدد قال الملك الحسن الثاني: “أنا لا أختار مستشارا لي إلا إذا تقلب في وظائف وزارية كبرى ونجح فيها، وإلا من يتوفر على التكوين السياسي لرجل الدولة…”
لا يمكن أن نكتفي بالحديث عن المستشار الملكي دون الحديث عن المؤسسة الملكية، وتقاليدها، وعراقتها، وأصولها المخزنية المتجذرة في التاريخ. فالملك الذي يعتبر المحور الرئيسي في النظام، يرث حكمه وفق مقتضيات عرفية ودستورية ومراسيمية خاصة، الشيء الذي يجعل من الملك يمركز كل السلطات بيده، فهو يسود ويحكم، ويتدخل في كل المجالات. ففي عهد الملك محمد السادس بعد اعتلائه لعرش المملكة سنة 1999م، احتفظ بجميع مستشاري والده كمحمد مزيان بلفقيه، ومحمد معتصم، وعباس الجيراري، فضلا عن زليخة نصري، وأندري أزولاي، وهنا يمكن اعتبار المستشار الملكي مؤسسة مستمرة حتى بعد وفاة الملك! كما أنه وجه رياح المؤسسة الملكية لتبحر صوب اليابسة الهادئة، ولا يمكن أن تهدأ رياح الملكية إلا بعد الاهتمام بالوضع الاجتماعي، والتقرب من شعبه الوفي إلى درجة مكنته من حمل لقب “ملك الفقراء” وكي يحافظ الملك على هذه الصورة، فقد أُسندت للمسشارة السابقة السيدة زليخة نصري رحمها الله مهمة تولي كل المشاريع الاجتماعية والخيرية، كإعادة ترميم دور الطلبة والطالبات، وتقديم المساعدات الرمضانية، ومساعدة ضحايا الزلازل والكوارث الطبيعية، إضافة إلى مساندة شرائح واسعة من ذوي الاحتياجات الخاصة. فضلا عن إطلاق جملة من البرامج الوطنية؛ كخلق مؤسسة محمد الخامس للتضامن 1999، ومؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية بقطاع التعليم 2000، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2005. أما في قاطرة أخرى مرتبطة بممارسة السلطة التنفيذية، فقد جاء دستور 2011م ليمنح للملك سلطة تعيين رئيس الحكومة انطلاقا من الحزب السياسي التي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، فضلا عن تعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيس الحكومة، مع توسيع صلاحيات هذا الأخير. وبهذا تعتبر توجيهات الملك المنارة التي توجه الحكومة في اتخاذ قرارتها. وفي ظل هذه السلطات يقوم مستشارو الملك بوضع الملامح الرئيسية للحكومة، والحسم في بروفايل الشخصيات المقترحة للتعيين الملكي. إذن لا تقتصر مهام المستشار الملكي على تهييئ الملفات والإشراف عليها بل يتجاوز ذلك إلى تحديد لوائح التعيينات الوزارية، بالإضافة إلى ذلك؛ يمكن للمستشار أن يساهم في تدبيج بعض المكاتبات الملكية كوثيقة البيعة، ومشاريع الدساتير الملكية، والرسائل التي يوجهها الملك إلى مختلف الملتقيات والمنتديات والمناظرات التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة، والظهائر الملكية، إلى جانب الخط التي تحدد وتوجه السياسات العامة للبلد.
على سبيل الختام
في ختام هذه الإضاءات التي قمنا بتقاسمها، يمكن أن نشير إلى بعض المفاهيم التي تكررت كثيرا في الكتاب مكونة لبنة متماسكة في هذا النص؛ كالملك، القصر، الدستور، المستشار الملكي، الإعلام، الصحافة، الأحزاب السياسية، الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الحكومة والبرلمان…وفي محاولة لتركيب هذه البنية المفاهيمية، يمكن القول أنه؛ “في ظل وضع سياسي واقتصادي واجتماعي متقلب، يبقى الملك الفاعل المركزي الذي تتحرك من حوله المؤسسات، حيث يُصاغ الدستور وفق منطق يحافظ على الهيمنة الملكية، بينما يظل المستشار صلة الوصل الخفية بين القصر والحكومة، في وقت تحاول فيه هذه الأخيرة والبرلمان الظهور كمؤسسات فاعلة، وسط صحافةٍ التي تبحث عن هوامش الحرية، وإعلامٍ يروج لخطابٍ رسمي، وأحزاب سياسية ومعارضة تكافح من أجل البقاء في مشهدٍ محتكرٍ من طرف السلطة.