في نشأة الإذاعة وأهميتها الإعلامية

استمدَّت الإذاعة أهميتها من كونها “وسيلة اتصال جماهرية؛ تتمتَّع بالقدرة على التغطية الجغرافية الواسعة للإرسال الإذاعي، وتتخطى حاجز الفقر والأمية، حيث لا تَشترط مستوى تعليميا مُعينا فيمن يتابعها. وتعود قصة اختراع جهاز الراديو عندما تمكن المخترع الايطالي (ماركوني) مِن ابتكار جهاز لاسلكي في 1895، استطاع أن يَنقل به الرسائل عبر الهواء عن طريق نبضات كهرومغناطيسية، فاعتُبِرَت هذه الخطوة ثورة جديدة في مجال الاتصال، لكن تأخَّرَ انتشاره بسبب احتكاره مِن طرف وزارات الدِّفاع والشُّرطة، الذين وظفوه لدواع أمنية قَبل أن تَعتمد عليه الصحافة لاحقا”.[1]

وبدأ استخدام الإذاعة اللاسلكية للأغراض الشعبية خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وقد أدى ذلكَ “إلى تحسين  مُعِدَّات الأجهزة،  وكان العسكريون في طليعة العمل الإذاعي بَعد عودتهم إلى الحياة المدنية”.[2]

وبالنِّسبة للوطن العربي؛ يرى باحثونَ أنَّ الإذاعة الصَّوتية كانت الحاجة إليها مُلِحَّة نتيجة للتطورات المجتمعية، وخاصة مع بُروز حركات التحرر الوطني، فمِصر عَرفتْ الإذاعة المسموعة في منتصف العشرينيات بإنشاء “الإذاعة الأهلية” سنة 1925، وبَعد اكتشاف البترول سَعت معظم الدول الغربية لخطب ودّ الدول العربية، فازداد البث باللغة العربية وأصبحت “هيئة الإذاعة البريطانية” BBC وMONTECARLO وصوت أمريكا مِن المحطات الرئيسية الموجَّهَة للمستمع العربي.[3]

الإذاعة المغربية.. البدايات والإضافات

كان تدشين أول مركز إرسال إذاعي بالمغرب في فبراير1928 بمدينة الرباط، انطَلق بِقُوّة بثّ 2 كيلواط. وكان تدشينا تقنيا محضا قبل انطلاق إرسال البرامج في 5 أبريل 1928. وهذه الطاقة كانت متواضعة جدا “مقارنة بما آلَت إليه التَّجهيزات التقنية في الفترات اللاَّحقة، وقد اتَّبَعَ هذا التدشين سلسلة مِن التنظيمات التشريعية، حتى صدور ظهير شريف مؤرَّخ في 5 يوليوز 1928 يَسمح بإذاعة الإشهار التِّجاري وتنظيمه على أمواج راديو المغرب”.[4]

وقد كان المغرب من البلدان التي بادرت مبكرا إلى وضع التنظيمات القانونية التي جَعَلَت المواصلات السِّلكية واللاسلكية حِكْرًا في يدِ الدَّولة، وصَدَر في هذا الشَّأن ظهير مَلَكِي بتاريخ 25 نوفمبر 1924، ينصُّ على احتكار مختلف وسائل الاتصالات، كما يَشْمَل مختلِف العقوبات على مَن يَعتدي أو يتعدّى هذا الاحتكار. وبِناء على هذا التَّنظيم التشريعي المبكر؛ فإنَّ الإذاعة عندما ظَهرت بالمغرب وَجدت لها إطارًا جاهزا ممثَّلًا في إدارة المكتب الشريف للبريد والبرق والهاتف، وهي التي تَوَلَّت إقامة أوَّل كيان للإذاعة في البلاد، أطلق عليه اسم “راديو المغرب”[5].

في سنة 1932 تمت الزِّيادة في قوة الدافعة فأصبحت 5 كيلواط، وفي أكتوبر 1935 تَمَّت إقامة أوَّل جهاز مُرْسِلٍ هام بمركز تمارة، بَلغت قوته 20 كيلواط، بينما محطَّة الإنتاج والبث كانت بمقر إدارة المكتب الشَّريف للبريد والبرق والهاتف، و”ظَلَّ التناوب على هذا الجهاز مستمِرا لمدة 15 سنةً بين البرامج العربية ولهجة تشلحيت والبرامج باللغة الفرنسية”.[6] وقد كانت فضاءاته جِدّ متواضِعة لا ترقى إلى مفهوم “ستوديو”؛ بل عبارة عن قاعات تقليدية، فكانت جودة البث رديئة والصَّوت متقطِّع.

مَع تزايُد الاهتمام بالبرامج مِن لدن الجمهور والمستمِعين؛ كان لابدّ مِن التنظيم القانوني العام لشؤون البرامج، فَتَمَّ إحداث مجلس للإذاعة بالمغرب يوم 15 دجنبر 1937 متألِّفٍ من: مُـمَثِّل مُعَيَّن مِن طرف كل واحدة من الهيئات الثلاث لمجلس الحكومة، وخمسة أعضاء مغاربة معيَّنين بقرار، ويُختار كل واحد منهم من بين أعضاء الأقسام المغربية للغرف الاستشارية، ونادي الرَّاديو بالمغرب وأصدقاء الموسيقى، وعضو من الدِّيوان المدني، إضافة إلى أعْضاء آخرين.[7]

أمّا عن بناية دار الإذاعة؛ فقد “عَرفت ضعفا شديدا في التجهيزات الإذاعية، مما أدَّى إلى التعجيل بإنشاء دار الإذاعة  بزنقة “البريهي”، وكانت هذه البناية أوَّل الأمر مقتَصِرة على البث الصَّوتي، وأُضيفَ فيما بعد مقر التلفزيون، وتم افتتاحها سنة 1955”.[8]

أمَّا التَّشكيل الذبذبي التَّردُّدي “ف.م” (اختصار لــ”فركنسيموديوليشن)، فقد بَدأ العمل به في الدار البيضاء سنة 1959، وتميَّز بجودة الوضوح السَّمعي لاسيما داخل الوسط الحضري الآهل بالسُّكان”. [9]

تطوّرات مرحلة الخمسينات

خلال الحرب العالمية الثانية عرف القطاع الإذاعي طفرة هامة، خاصّة بَعْدَ انْعقاد مؤتمر “كوبنهاجن” سنة 1948 لتوزيع أطوال الموجات، وحصل المغرب على نصيب مهم منها. وفي سنة 1949 تَمَّ تَدشين جهازين مُرْسِلَين من طراز حديث، كانت قوة كل واحد منهما 20 كيلواط، واحد منهما لنقل البرامج باللغة العربية واللهجات المحلية، والثاني لبرامج اللغة الفرنسية، وحِصَّة قصيرة لنشرة إخبارية باللغة الإسبانية، ما شَجَّع على نشأة الفرق الموسيقية والمسرحية، فازداد عدد المذيعين والتقنيين والصحافيين والفنانين الذي انتسبوا للإذاعة المغربية. “ولم تَكُن هذه القفزة النوعية تكفي لتغطية التراب الوطني وإبلاغ صوت الرباط إلى مختلف أنحاء البلاد، خصوصا المناطق الشرقية والجنوبية، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء مركز “سَبع عيون” بناحية مكناس سنة 1952 وسط احتفال شعبي ضَخم”[10] بذلك.

بادر المغرب للالتحاق بركب التقدُّم اللاسلكي، فَسَجَّل دخولَه الدولي للإذاعات سنة 1957 حينما انخرطت “الإذاعة المغربية” في “الاتحاد الأوربي للإذاعة” الذي سبَق وأنْ أُنْشِئَ سَنة 1950. وقد كان للمغرب نشاط في هذا الاتحاد، وبِخاصة في فترة تولِّي الدكتور المهدي المنجرة منصب المدير العام للإذاعة والتلفزة المغربية[11]، والذي أثَّر في مسار هذا الاتحاد ومصيره.

عِندما استَقَلَّ المغرب وَجد على أرضه أكثر مِن محطة إذاعية: إذاعة طنجة الدَّولية – إذاعة إفريقيا المغرب – إذاعة باناميريكان – إذاعة دَرْسَة في تطوان.[12] ولاحِقاً؛ “تم تعميم احتكار الدولة المغربية في مجال البريد والبرق والهاتف، واحتكار المواصلات السِّلكية واللاسلكية ومنها الرَّاديوفونية، فتمّ شراء بعض هذه المحطات أو حَلُّها، وما إنْ دَخَلت سَنة 1960 حتى كانت “الإذاعة الوطنية المغربية” صاحبة السيادة الإذاعية على طول البلاد وعرضها، بعد أنْ اشْتَرَتْ تجهيزات إذاعة دَرسة بتطوان، وانتقال إذاعة طنجة إلى السِّيادة المغربية”.[13]

المراجع
[1] راغب نبيل، العمل الصحفي؛ المقروء والمسموع والمرئي، الشركة المصرية العالمية للنشر- لونمجان، ومكتبة بيروت – ناشرون، ط1، 1999، المكتبة العامة والمحفوظات –تطوان، تحت رقم: ت.ع 070.4 ر.غ، تاريخ الورود 2017م، ص 342.
[2] مكاوي حسن عماد، الإذاعة في القرن الواحد والعشرين، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الثانية 2016، ص 25.
[3] (صابات) خليل: "وسائل الاتصال؛ نشأتها وتطورها"، الطبعة 6 القاهرة، المكتبة الأنجلو – مصرية، ص 478.
[4] شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، ط1، 1999، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 44.
[5] شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، مرجع سابق، ص43.
[6] شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، مرجع سابق، ص 45.
[7] شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، مرجع سابق، ص 46.
[8] شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، مرجع سابق، ص 65.
[9] شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، مرجع سابق، ص 61.
[10] شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، مرجع سابق، ص 52.
[11] مجلة: "الإذاعة والتلفزة المغربية"، العدد الأول، يوليوز 1958، نسخة ورقية، أرشيف الخزانة العامة والـمحفوظات بتطوان.
[12] " شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، مرجع سابق، ص: 87.
[13] " شقرون عبد الله، الإذاعة والتلفزة المغربية؛ وقائع وذكريات، مرجع سابق، ص: 90.