مقدمة

محمد ابن أبي بكر زنيبر؛ مؤرخ وأديب ومحقق ومترجم، وواحد من أعلام الفكر والثقافة البارزين في مغرب القرن العشرين. ومن رجالات التعليم والبحث العلمي والدرس الجامعي الذين ساهموا بإخلاص في تكوين أجيال من الطلبة والباحثين المغاربة، وخاصة في الدرس التاريخي. وقد كان محمد زنيبر من المثقفين القلائل الذين تملكوا تكوينا وثقافة مزودجة متينة بالرغم من تكوينه في المدارس والجامعات الفرنسية. ورغم أن هوى محمد زنيبر كان هو الفلسفة فقد تميزت اهتماماته العلمية والمعرفية بالتنوع، وهو ما انعكس في كتاباته وتآليفه حيث تنوعت بين الكتابة السياسية والتاريخية والفلسفة وكذا الأدب والفن والتحقيق والترجمة، حيث كان بحق من رواد التأليف الموسوعي والمَعْلمي بتعبير زميله المؤرخ محمد حجي[1]. كما كان “متذوقا للفن والموسيقى، باحثا فيها، مرح الروح، ملما بالتراث الشعبي المغرب وأمثاله وحكاياته، مع نبل الأخلاق وحسن المعاملة”[2].

النسب والنشأة والتكوين العلمي

ينحدر محمد بن أبي بكر من أسرة زنيبر المشهورة في مدينة سلا. وتعود أصول هذه الأسرة إلى مدينة غرناطة بالأندلس، وفي القرن السادس عشر الميلادي/العشر الهجري نزحوا إلى بلاد غمارة في شمال المغرب حيث استقروا واندمجوا لذلك كانوا يوصفون أحيانا بالغماريين. ومن غمارة نزحوا إلى مدينة سلا حيث توسعت أسرتهم وتفرعت بشكل كبير. وقد لعبوا أدورا مهمة وطلائعية في المجتمع السلاوي؛ فكان منهم المناضلون، والفقهاء والمفتون والولاة والقضاة والنظار والمحتسبون والعدول والأمناء والتجار والفلاحون والمالكون العقاريون[3].

ولد محمد زنيبر بمدينة سلا في 03 غشت 1923م/1341هـ. وتلقى تعليمه الإبتدائي بمدرسة أبناء الأعيان بنفس المدينة، وذلك قبل أن يتابع دراسته الثانوية بثانوية كوروالفرنسية بالرباط، ومنها حصل على شهادة الباكالوريا عام 1946. وبفضلمنحة من السلطان محمد الخامس تمكن من السفر ضمن بعثة طلابية من اثنا عشر طالبا إلى مدينة باريس الفرنسية لمتابعة الدراسة الجامعية بجامعة السوربون. وقد حصل خلال دراسته الجامعية على ثلاث إجازات؛ في الفلسفة والأدب والتاريخ عام 1950. كما تقدم للتبريز في اللغة العربية، فنال شهادتها ضمن ثلة قليلة من المغاربة.[4]

الوظائف والمسؤوليات

بعد تخرجه من جامعة السوربون عاد محمد زنيبر مباشرة إلى المغرب، وبدأ مساره المهني بمدينة القنيطرة في سلك التدريس، قبل أن ينتقل إلى مدينة الرباط كمدرس بثانوية مولاي يوسف. أما بعد الإستقلال فقد تقلد عدة مناصب ووظائف إدارية، خاصة في ديوان الملك محمد الخامس، وبوزارة الخارجية والتعاون التي كان يرأس بها قسم أفريقيا، وهو المنصب الذي اضطر إلى تركه عام 1961 بسبب بعض مواقفه، فتفرغ للتدريس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط والتي ظل من روادها إلى حين وفاته. ورغم أن محمد زنيبر كان يرغب بتدريس الفلسفة يوم التحاقه بالجامعة فإن ظروفا حالت بين وبين تحقيق رغبته، فاختار تدريس التاريخ. وفي سنة 1967 حصل على دبلوم الدراسات العليا في موضوع: “تحقيق جزء من الذخيرة لابن بسام الشنتريتي”.[5]

ومن المساهمات البارزة لمحمد زنيبر في فترة السبعينات من القرن الماضي مساهمته في تأليف عدد من المقررات الدراسية لمادة التاريخ بعد أن كانت المقررات السابقة إما فرنسية أو مشرقية. كما كانت له إسهامات أدبية في القصة والرواية والمسرح، بل وفازت روايته “الهواء الجديد” سنة 1972 بجائزة المغرب للكتاب وكذا نصه المسرحي “عروس أغمات” سنة 1991[6]. ونال عام 1972 وسام العرش من درجة فارس، ثم وسام العرش من درجة ضابط في عام 1992.

وشارك أيضا محمد زنيبر في تأسيس عدد من الهيئات والجمعيات الوطنية كاتحاد كتاب المغرب الذي انتخب عضوا في مكتبه المركزي سنة 1970، وساهم في تأسيس الجمعية المغربية للبحث التاريخي، والجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، وظل إلى آخر أيامه حياته عضوا في لجنتيهما العلميتين اللتين كانتا تسهران على إصدار مجلة “الكتاب المغربي” و”معلمة المغرب”. وساهم أيضا في الإشراف على تحرير مجلة “الثقافة المغربية”. كما كان من المساهمين بفعالية بتعريب شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وهي الشعبة التي تٍرأسها لعدة مرات، وشاك في تأسيس سلك المكونين وتحمل به مهمة مدير التكوين، بالإضافة إلى إشرافه على مجموعة هامة من الرسائل الجامعية في التاريخ.[7]

مساره النضالي

لقد شب محمد بن أبي بكر زنيبر داخل أسرته على المواقف المناهضة للإستعمار بالمغرب، فقد كان والده من الوطنيين الذين كانت لهم مواقف سياسية معارضة للسياسة الإستعمارية بالبلد. فانخرط محمد بسهولة وبتلقائية منذ سن مبكرة في نفس المسار النضالي لوالده، فاعتقل يوم 30 يناير 1944 رفقة والده وأخيه الطاهر على إثر المظاهرات التي تفجرت بمدينة سلا والتي سقط فيها عدد من الشهداء على إثر تقديم عريضة المطالبة بالإستقلال. وقد احتجز رفقة عدد من الوطنيين المغاربة في معسكر كارنيي بمدينة الرابط (معسكر مولاي إسماعل فيما بعد) حيث مورست عليهم كل أصناف التعذيب والإهانة، وذلك قبل نقلهم إلى سجن لعلو، الذي انكب فيه محمد زنيبر على تعليم المعتقلين وتثقيفهم. وخلال فترة إقامته بباريس تولى مهمة مراسل جريدة العلم. وفي نهاية الخمسينات انضم إلى حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية وفيما بعد الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتحمل المسؤولية الانتدابية في المجلس الحضري لمدينة سلا بعد انتخابات 1983.[8]

آثاره العلمية والفكرية

تنوعت كتابات محمد زنيبر واهتماماته العلمية، فقد بدأ بالكتابات السياسية في أواخر الأربعينيات ثم انتقل إلى الكتابة في مواضيع تحليلية وفلسفية، كما اهتم بالأدب ومتابعة القضايا الفكرية والقومية، كما انشغل بالكتابة التاريخية. وقد ترك تراثا غنيا يتجاوز 300 عنوان. وبالنظر إلى غزارة من أنتجه فإننا سنكتفي بإيراد لائحة  الكتب المنشورة، أما لائحة المقالات والدراسات والمشاركات في عدد من المجلات والندوات  والأحاديث الإذاعية سواء داخل المغرب وخارجه فيمكن للقارئ العودة إليها في مصادرها[9]:

  • فرانز فانون أو معركة الشعوب المتخلفة، بالاشتراك مع محمد برادة ومولود معمري، 1962.
  • الهواء الجديد (مجموعة قصصية)، 1972.
  • الإسلام منذ الانطلاقة الأولى إلى نهاية الدولة الأموية (وثائق ونصوص 1)، 1973، (باللغتين العربية والفرنسية).
  • الشابل (مسرحية)، 1975.
  • العالم الإسلامي في العصر العباسي: عصر الخلفاء الكبار (وثائق ونصوص 2)، 1985، (باللغتين العربية والفرنسية).
  • البيان المغرب في تاريخ الأندلس والمغرب لابن عذاري المراكشي (القسم الثالث الخاص بالموحدين)، تحقيق بالاشتراك، 1985.
  • خطوات في التيه (مجموعة قصصية)، 1986.
  • إفريقيا لمارمول كاربخال، ترجمة بالإشتراك، 1989.
  • صفحات من الوطنية المغربية: من الثورة الريفية إلى الحركة الوطنية، 1990.
  • عروس أغمات (مسرحية) 1991.
  • تحفة الفضلاء ببعض فضائل العلماء لأحمد بابا التنبكتي، (ترجمة إلى الفرنسية)، 1992.
  • بين صوتين (رواية)، 1994.

وفاته

توفي محمد زنيبر – رحمه الله- بمدينة قصر النبيرة الجبلية بنواحي مدينة مالقة الإسبانية، حيث تواجد هناك بمناسبة عيد المولد النبوي بدعوة من الجمعية الإسلامية الأندلسية، وكان ذلك ليلة السبت 05 جمادى الثانية عام 1414هـ/20نونبر 1993، ونقل المغرب فووري الثرى بمقبرة زاوية سيدي علي بن حسون بمسقط رأسه مدينة سلا.

المراجع
[1] محمد حجي، مساهمات الأستاذ محمد زنيبر في التاليف الموسوعي، مجلة آفاق، العدد 56ن 01 يناير 1995، ص 27-29.
[2] المغراوي محمد، معلمة المغرب، ج 14، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2001، ص 4728.
[3]  بوشعراء مصطفى، معلمة المغرب، ج 14، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2001، ص 4723.
[4] المغراوي محمد، معلمة المغرب، ج 14، مرجع سابق، ص 4728.
[5] المغراوي محمد، معلمة المغرب، ج 14، مرجع سابق، 4728.
[6] المغراوي محمد، معلمة المغرب، ج 14، مرجع سابق، 4728.
[7] المغراوي محمد، معلمة المغرب، ج 14، مرجع سابق، 4728-4729.
[8] المغراوي محمد، معلمة المغرب، ج 14، مرجع سابق، ص 4729.
[9] أنظر: ببليوغرافا الراحل محمد زنيبر بقلمه، إعداد محمد المغراوي، ضمن "التاريخ وأدب النوازل"، منشورات كلية الآداب بالرابط، ط1، 1995، ص 13-32.