المحتويات
مقدمة
اَمْحمد بن علي بن إبراهيم أكبيل أوْزال (الهوزالي) من علماء منطقة سوس المشهورين، ومن علماء مغرب القرن الثاني عشر الهجري (ق18م) خصوصا في مجال ترجمة بعض المؤلفات الفقهية إلى اللغة الأمازيغية، وخاصة عمله في ترجمة مختصر خليل إلى اللغة الأمازيغية (تعبير تشلحيت بسوس). وقد عاصر الفقيه محمد بن علي الهوزالي فترة نشوء الدولة العلوية، أي عهد السلطان المولى إسماعيل وأبنائه، وخاصة المولى عبد الله بن إسماعيل في القرن الثامن عشر الميلادي. يشار إلى أن هناك شخصية علمية وأدبية أخرى تحمل نفس الإسم، أي أبو عبد الله محمد بن علي الهوزالي، وهو شاعر الدولة السعدية على عهد السلطان السعدي القوي المنصور الذهبي، وبالإضافة إلى صفة النابغة التي أطلقت عليه، ومنصب شاعر الدولة، فإن الهوزالي كان أيضا فقيها متصدرا ومفتيا بدار الإفتاء بتارودانت عاصة سوس، كما ولي القضاء بمنطقة سكتانة[1]، وتوفي بمراكش في شعبان عام 1012ه. وينتمي هذا الأخير إلى نفس قبيلة محمد بن علي أكبيل أوزال نسبة إلى منطقة إندوزال أو هوزالة بسوس (وسط المغرب).
وقد قال تلميذه الحضيكي في طبقاته عن محمد بن علي أكبيل: “كان –رضي الله عنه- من أشياخنا وبركات بلادنا، وممن تدور عليهم أمورنا، والملجأ والمفزع في المسائل والنوازل، وانتفع به الخلق، وقام بصلاح الأمة واعتنى بإرشادهم وإقامة رسوم الدين، وأحيا كثيرا مما اندرس من السنن، وأخمد كثيرا من البدع، وألف للناس في ذلك كتبا بالغ في النصح فيها نظما ونثرا عجمية (الأمازيغية) وعربية…”[2]
النشأة وطلب العلم
ولد امحمد بن علي أكبيل الإندوزالي (امحمد ءوعلي ءاوزال) حوالي 1070ه بقبيلة إندوزال (هوزالة)، دوار القصبة، فرقة إكَبيلن، والتي تقع بالأطلس الصغير والتابعة لقيادة إغرم جنوب مدينة تارودانت. وبعد مدة قصيرة من التعلم في قريته، قام الشاب محمد الهوزالي برحلة لطلب العلم من أجل استكمال دراساته في اللغة والأدب والفقه وعلوم القرآن والتفسير، فرحل سنة 1091ه إلى زاوية تامكَروت والتي كان على رأسها آنذاك مؤسسها الشيخ أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي. وقد انخرط باجتهاد وحماس في تلقي العلم في الزاوية، فنال رضا الشيخ الناصري الذي أسبغ عليه رعايته وشجعه كثيرا، مما خلق رابطة صوفية بين الهوزالي وشيخه الناصري. وبعد إتمامه لمسار طلب العلم تخرج محمد الهوزالي من الزاوية فقيها عالما في علوم الشريعة واللغة والأدب، إلى جانب مبادئ الصوفية والطريقة الناصرية.[3] وقد كانت رحلته في الأصل إلى منطقة درعة هربا من القصاص لجرم اقترفه في حق أحد أبناء قبيلته، فقد ذكرت بعض المصادر التاريخية أن أكبيل فتك بأحد أفراد أهله فهرب إلى تامكروت فتعلم هناك القرآن والعلوم الشرعية، ثم رجع تائبا، فعرض نفسه على أولياء الدم فسامحوه.[4] لكن يظهر أن الحظوة التي كانت له في زاوية تامكروت ولدى شيخها ابن ناصر الدرعي وما ظهر عليه من ورع وتقوى كان من بين ما شفع لع عند أولياء الدم من أقاربه، الذين عرض نفسه عليه لما رجع إلى أهله تائبا، فسامحوه.[5]
وبعد الرحلة الطويلة في الزاوية الناصرية والتي استغرقت مدتها 20 سنة رجع محمد الهوزالي إلى قريته سنة 1111ه وانشأ مدرسته المعروفة بقريته قصبة إكبيلن، وفيها كان يعلم النشء وينشر التوعية الدينية، ويفصل بين الناس ويصلح ذات البين. كما تفرغ للدعوة إلى الله بين عموم الناس؛ فكان شديدا في محاربة البدع والمنكرات والمحرمات. وإلى جانب ذلك عمل على نشر مبادئ الطريقة الناصرية.[6] كما انكب على الكتابة والتأليف، فألف عددا معتبرا من المؤلفات، فكان مما تميز بها في هذا الباب الإنكباب على التأليف بالأمازيغية.
مؤلفات وكتب محمد بن علي أكبيل
وكما ألف باللغة العربية، فإنه ألف أيضا باللغة الأمازيغية السوسية (تعبير تشلحيت)، وقد ألفها بالنظم شعرا ليسهل علي الساكنة الأمازيغية في المنطقة حفظها وتداولها، ومن كتبه بالأمازيغية:
- “الحوض”: وهو عبارة عن ترجمة شبه كملة لكتاب مختصر الشيخ خليل إلى الأمازيغية في الفقه المالكي عبادات ومعاملات والقضاء وأقضية، ويسمى لدى طلبة سوس: أوزال. وهو نظم بتشلحيت يقع في قسمين: قسم أول خاص بالعبادات، مؤلف من 960 بيتا، وهذا القسم ترجم إلى الفرنسية ونشر من قبل المستشرق الفرنسي لوسياني Luciani بالجزائر سنة 1897، وقسم ثاني خاص بالمعاملات، مؤلف من 1630 بيتا.
- “بحر الدموع”: وهو منظومة للمواعظ والرقائق، وهو بأمازيغية سوس أيضا (تشلحيت)، ويقع في 654 بيتا، وقد نشر مع ترجمته إلى العربية من قبل الأماني اشتريكر (Stricker) بليد (Leyde) عام 1960.[7]
- النصيحة (نْصاحت)، وهي منظومة وعظية بتشلحيت أيضا في الثناء على سيدي أحمد بن ناصر الدرعي، يقع في 74 بيتا، وقد تم نشره بحروف لاتينية مع ترجمة إلى الإنجليزية من طرف الباحث الهولندي في جامعة ليدن (Leiden) نيكو فان دن بوخرت(Niko Van Den BOOgert) .[8]
- أدعية وتوسلات باللغة الأمازيغية (مخطوط خزانة كَوغرابو)
كما له مؤلفات بالعربية منها:
- الرغبان لشرح مهماز الغفلان على فروع الوقت والأذان” (مخطوط خزانة العثماني).
- ” تنبيه الإخوان فيما هو بدعة وما هو سنة”: هي أرجوزة في البدع.
- “تنبيه الإخوان على ترك البدع والعصيان”: هو شرح للأرجوزة السابقة، وينقسم غلى أربعة فصول، تناول المؤلف فيها ما أسماه: بدع الأعياد، ومنكر الولائم والمواسم، وبدع عاشوراء، وبدع المآثم وغيرها من البدع والظواهر الاجتماعية والعادات والتقاليد والأعراف، التي كانت سائدة في عصره بسوس في النصف الأول من القرن 12ه/18م.[9]
- “الطرق بالعصا لمن خالف ربه وعصى”: وهو نظم من بحر الرجز، وهو عبارة عن وعظ مع تعليقات للمؤلف نفسه.
- بعض الفتاوى المتفرقة في النوازل والقضايا.
توفي رحمة الله عليه بسبب الوباء سنة 1162ه/1749، وقد ترك ولدا اسمه إبراهيم، والذي سار على نهج أبيه في التعليم والدعوة، وقد توفي في قريته بإكبيلن ودفن بها.
المراجع
[1] كنون عبد الله، موسوعة مشاهير رجال المغرب، المجلد 5، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، ط2، 1994، ص 5-6.[2] الحضيكي محمد بن أحمد، طبقات الحضيكي، ج2، تقديم وتحقيق، أحمد بومزكَو، ط1، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006، ص 363.
[3] الهوزالي محمد بن علي بن إبراهيم، بحر الدموع باللغتين الأمازيغية والعربية، تحقيق عمر أفا، ترجمة إبراهيم شرف الدين، مطبعة النجاح الجديدة، 2009، الدار البيضاء، ص 10.
[4] السوسي محمد المختار، سوس العالمة، مطبعة فضالة، المحمدية، 1960، ص 161.
[5] الهوزالي محمد بن علي بن إبراهيم، تنبيه الإخوان على ترك البدع والعصيان، تحقيق محمد ستيتو، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية –وجدة- رقم 46، 2001، ص 11.
[6] الهوزالي محمد بن علي بن إبراهيم ، بحر الدموع، مرجع سابق، ص 10.
[7] الهوزالي محمد بن علي بن إبراهيم، تنبيه الإخوان على ترك البدع والعصيان، مرجع سابق، ص 12.
[8] الهوزالي محمد بن علي بن إبراهيم، تنبيه الإخوان على ترك البدع والعصيان، مرجع سابق، ص 12.
[9] الهوزالي محمد بن علي بن إبراهيم، تنبيه الإخوان على ترك البدع والعصيان، مرجع سابق، ص 13.