المحتويات
توطئة
الكتاب الذي بين أيدينا مِن الحجم الصغير (كتاب الجيب)، يقع في مائة وستّة وثلاثينَ صفحة، من إصدارات منشورات الزمن، ترتيبه الثاني ضمن سلسلة “قضايا تاريخية”، مطبعة النّجاح الجديدة – الدار البيضاء، يحمل عنوان (مستقبل الكتابة التاريخية في عصر العولمة والإنترنت)، لصاحبه المؤرخ إبراهيم القادري بوتشيش. ويتوزّع الكتاب إلى: تقديم، أربعة فصول، خاتمة، إضافة إلى قائمة المصادر والمراجع عقب كلّ فصل، وفهرس، وملحق بأسماء إصدارات منشورات الزّمن وروايات الزّمن.
يندرج الكتاب في إطار تقديم رؤية وقراءة مُرافِقة لبعض التغيّرات الطارئة على حقل التاريخ، والمزامِنة للكتابة التاريخية في عَصر القرن 21، تَضَعُ نُصْبَ عينيها رَفْدَ المكتبة المغربية بإصدار ذي مضمون تَحيينيِّ مواكِب لَطفرة التحولات الموضوعية والذاتية، ولتزويد طلبة الجامعات، دارِسِي التاريخ بصفة خاصة بجُملة من التوجيهات والإرشادات والاقتراحات على مُستوى الطّرائق والمنهجيات والمعارف؛ وذلك ما ستخدمه مضامين الفصلين الأوّل والثاني. كما يُعتبَرُ الكتاب استقلالٌ بالإجابة عن أسئلة وفهوم حول “النص التاريخي” و”مَسير التاريخ”، وتفاعُل من الكاتِبِ مَع دعاوى وتأويلات تُقَدَّمُ مُبَستَرةَ تارة، وجَبرية تارة أخرى، وحَتمية إقصائية تارة ثالثة، في حقّ التاريخ وأهله وفاعليه، الأمر الذي استدعاه لإعمال النقد وتقديم الاقتراح الأنسب لتجاوز حالات الانسداد واليقينيات المَغلوطة والتفسيرات الاجتزائية التحيزية للتاريخ والمستقبَل في عدد من المَظانِّ والأطروحات، كما ذَهب إلى ذلك في الفصلين الثالث والرابع.
محتويات الكتاب
يستهلُّ الكاتب مُؤلَّفه ببسط أربع أسئلةٍ إشكالية وهي:
- هل سيدخل المؤرِّخُ حِقبة طَفْرَة نوعية على مُستوى البحث التاريخي بَعد أنْ أصبَحت العولمة قَدَراً مقدوراً؟
- ما الإستراتيجيات التي سيَنْهَجها المؤرِّخُ في التعاطي مع مُعطيات العولمة؟
- وهل سينجح في ظِلِّ وجوده بمجتمع “الملتيميديا”؟
- وأيُّ مستَقبَل لكتابة التاريخ العربي بين ثوابت الأمّة، والعالم الافتراضي، وتاريخ القرية الكونية، والاكتساح السّريع لتكنولوجيا الإعلام والاتصال؟
ثمَّ يؤكّد الكاتب أنَّ ثَمّة هاجِس فَهْم العلاقة بين مستقبل الكتابة التاريخية والبحث التاريخي وآفاقهما مع واقع سيادة العولمة والأنظمة المعلوماتية وشبكة الإنترنت وآفاقهما، هو ما وَلَّد فِكرة هذا الكتاب، وأنَّ فصول الكتاب الأربعة في أصْلِها عبارة عن مجموعة من الدّراسات والأبحاث التي قُدِّمَت لعدد من المؤتمرات المتخصِّصة والندوات العلمية الوطنية والدّولية، يهدف صاحِبها إلى جَعْلِها في مَتنٍ جامِعٍ لإثارة نقاشٍ مُنظَّمٍ ومستفيض حولها، ولتَمَحُّل إمكان الجواب عن جُملة الإشكالات الواردة فيها.
- في الفصل الأول من الكتاب ينطلق الكاتب مِن رصْد مُجمل التحولات والانعطافات التي أفرزتها نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة، والتي ستَدخل معها البشرية في أشكال من التَّنظيم تَعتمِدُ شَبكة الاتصالات وامتداداتها working net، وما يُصاحِبُ ذلك من إحداث تأثيرات هائلة وجذرية على هوية المجتمعات والثقافات المختلِفة.
في المتن من هته التحولات؛ بَدهيٌّ _ حَسب المؤلِّفِ _ أن “تتأثَّر الثقافة العربية – الإسلامية برياح التّغيير ..، ومِن تحصيل الحاصل أن يكونَ التاريخ العربي – الإسلامي باعتباره جُزء من بنية الثقافة الإسلامية؛ عُرضة لهذه التحولات التي تَعصِفُ بالمنظومة العالمية..؛ لذلك نحاول هنا تقديم صورةٍ لما يُمكن أنْ تُخلِّفه العولمة _ كنظام معرفي _ من آثار على مُستقبل التاريخ الإسلامي”. يتساءل الكاتِبُ عن إمكانات التأثير الثقافي للعولمة الثقافية في مجال التاريخ العربي – الإسلامي؟ وما هي الظّروف التي تؤطِّر موقِفَ المؤرخ العربي في تعامله معها؟ وما الإستراتيجيات الـمُستَقْبَلِية لمواجهتها أو التعامل معها؟
- في ارتباطٍ بتخصّصه، ومن منطَلق ممارسة مهنة التدريس الجامعي؛ يستهلُّ الكاتِب الفصل بالثاني بتبيان الدافع الكامن من وراء تخصيص جزء من وقته لتتبُّع الأطوار الجديدة التي يدخلها البحث التاريخي في الألفية الحالية، بحيث حفَّزَتهُ أسئلة بعض طلّابِهِ على استيقاء أجوبة من مرجعيات نموذجية غربية، بحيث نراهُ يجعل عن سؤال: كيف يمكن للباحث في التاريخ أن يَستفيد من الخدمات التي تُقدِّمها شبكة الإنترنت؟.
يُقرُّ الكاتِبُ بأنّ المجال الذي هو بصدد الحديث فيه ليس مجالَ تطبيقاتٍ؛ وإن كان لا يَنفي الجواب ذي الطابع النّظري عن مَثيل هته الأسئلة، أو الحِجاج عَبر النصّ المكتوب، إلا أنّهُ لا مَناص مِن التّركيز على الأرضية النظرية في المقام الأوّل للإجابة عن سؤال حول ماهية العلاقة بين البحث التاريخي والإنترنت؟
- في الفصل الثالث، ومن أجل استئناف الاختبار العملي للخطّ والمضمون الذي حواه الكتاب ويبتغي الوصول إليه؛ سيختار المؤلِّفُ ملامسة إشكالية لا تزال في تقديره أبعد ما تكون عن حقل الدراسات التاريخية والتّيمات المنهجية، تتعلق بتطبيق الهرمينيطيقا في مجال التاريخ.
ولمحاولة تركيب ما تَفرَّق من الدراسات والشروحات في الموضوع؛ سيعمد المؤلِّف إلى تدارُس هذه الإشكالية ضمن ثلاث محاور فرعية تُشكّل المتن الأساس لهذا الفصل من الكتاب.