المحتويات
بين يدي الكتاب
كتاب “كيف رتب الحسن الثاني انتقال العرش لولي عهده” للكاتب والصحفي أحمد امشكح ابن مدينة أزمور المرابطة ليس كتاب تاريخ، هو سلسة مقالات دأب المؤلف على كتابتها بيومية المساء المغربية في فسحة صيف 2016 في حوالي 24 حلقة، وغلب على الكتاب الطابع الصحفي وليس به إحالات على الأحداث والوقائع، يحكي عن مرحلة من تاريخ المغرب السياسي مرحلة اتسمت بالعديد من الأحداث المثيرة والتي تخص شخص ملك المغرب الحسن الثاني رحمه الله وولي عهد محمد السادس ومحيطه، والفاعلين فيه. والكتاب وثيقة بها حقائق لها ما يعضدها إذا ما قارناها بما كتب عن نفس الحقبة من طرف باحثين في العلوم السياسية والمهتمين بالتحقيب التاريخي لفترة جد حساسة من تاريخ المغرب ترتبط بالانتقال السلس لتولي العرش.
الولادة العسيرة للكتاب
لقد ساهم في ولادة المولود الجديد الجمعية الإقليمية الشؤون الثقافية بالجديدة، والتي يرأسها أخ وصديق الكاتب المصطفى البيدوري، الذي جمعته به محطات الأخوة والنضال منذ الثمانينات من القرن الماضي فبفضله، وفضل كل أعضاء الجمعية، تمكن من نشر هذا المؤلف، الذي لا يدعي أنه كتاب تاريخ، ولكنه مجموعة مقالات صحافية ذات لمحة تاريخية، مقالات اختارت أن تشتغل على محطات ذات حساسية خاصة في التاريخ العصري المغربي لأنها تعقبت اللحظات الحاسمة التي رتب من خلالها الراحل الحسن الثاني انتقال عرشه إلى ولي عهد الملك محمد السادس، بالكثير من الهدوء والثقة في النفس، والكثير من الدهاء والذكاء الذي ظل يمیز ملكا من حجم الحسن الثاني.
وقد أهدى هذا المؤلف لكل أعضاء الجمعية الإقليمية. ولوالدته المرحومة حبيبة، ولرفيقة دربه بشرى، وقرة عينه علاء وصلاح الدين، ولكل زملائه في يومية المساء، وقبلهم في أسبوعية الأيام والصحيفة والنشرة ثم الاتحاد الاشتراكي. وهي محطات علمته الكثير.
تقديم عام للمؤَلَّف
عنون المؤَلِّف التقديم ب: “كيف رتب الحسن الثاني انتقال العرش لولي عهده”، وجاء فيه: قبل أن يبكى المغاربة ملكهم الحسن الثاني، الذي حكم البلاد بيد من حديد كان لا بد أن تترك خلفها ضحايا من معتقلين ومنفيين، كان الملك الراحل قد فكر في طرق تدبير ملف انتقال عرش أسلافه إلى ولي عهده دون مشاكل ولا إكراهات خصوصا وأن خصومه السياسيين والعسكريين كانوا قد هددوا نظامه، وكادت الانقلابات التي تعرض لها أن تنهيه، وهي الانقلابات التي قال بعض المتتبعين إنها تجاوزت ما تم الإعلان عنه. أحس الحسن الثاني بقرب نهاية حكمه حينما استبد به المرض. ووجد أن أقرب طرق انتقال العرش العلوي الذي دشنه أسلافه منذ مولاي علي الشريف، بسلاسة، هي نزع فتيل معارضته، التي كان يقودها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشـعبية، الذي سيبعث للملك الراحل برسالة دون تشفير حينما رافق جثمان زعيمه عبد الرحيم بوعبيد إلى مقبرة الشهداء الملايين، في جنازة مهيبة أدخلت الرعب في نفس الملك الراحل، وقتها بدأ الحسـن الثاني في وضع سيناريو حكومة التناوب التي سيقودها خصمه عبد الرحمان اليوسفي في 1999، على الرغم من أن وفاة عبد الرحيم بوعبيد كانت في يناير من سنة 1992.
أهم مضامين الكتاب
بعد التقديم جاءت عناوين المقالات تريبا على الشكل التالي : الحسن الثاني يأخذ العبرة من حروب أسلافه العلويين، فرنسا وأمريكا تابعتا انتقال العرش العلوي، كيف أفشل الحسن الثاني تناوب 1996، حكومة التناوب التي ساهمت في انتقال سلس للعرش، كيف بويع محمد السادس ملكا للبلاد بعيدا عن أعين البصري، اليوسفي أوصى ببيعة مكتوبة والمدغري هو من حرر نصها، إدريس البصري ينقلب على ولي عهد الحسن الثاني، كيف شوش هشام المنظري على الانتقال السلس للعرش العلوي، كيف كتب محمد السادس أو خطاب للعرش، مرض الحسن الثاني الذي عجل بتناوب اليوسفي استعدادا لانتقال العرش، البصري علبة أسرار الحسن الثاني الذي قاد “معارضة” محمد السادس، مولاي هشام الأمير الذي كان من الموقعين الأوائل على بيعة ابن عمه، الأمير مولاي هشام يعترف للحسن الثاني أنه واجه قدره بعزيمة، الأمير هشام يستحضر اللحظات الأخيرة من حكم عمه الحسن الثاني، يوم أوصى الحسن الثاني ببيعة الأمراء أولا، كيف طلب الحسن الثاني من محاوره ألا يشوش على حكم ولي عهده، الحسن الثاني يربح رهان انتقال عرش أسلافه العلويين، يوم أوصى الحسن “شيراك العلوي” خيرا بولي عهده، كيف اعتقل إدريس البصري ليلة موت الحسن الثاني، كيف لعب عالي الهمة الدور المركزي في “اعتقال” البصري، الحسن الثاني الذي لم يمت بعد، محمد السادس يؤسس لمملكته الجديدة.
لقد حاول المؤلف أن يرصد أحداث انتقال العرش لمحمد السادس وما صاحب المرحلة من تحديات، وكيف تم التسريع لذلك لا سيما بعد مرض الراحل الحسن الثاني. جاءت هذه السلسلة لتعيد تركيب حكاية انتقال العرش، لقد استفاد الملك الراحل من الصراع على العرش وقرأ التاريخ المعاصر للعلويين جيدا، واجتهد تجنب مخاطره، وأمن لولي عهده جلوسه على عرش أسلافه دون مشاكل. كانت ليلة وفاة الحسن الثاني مليئة بالعبر والدلالات ولعبت شخصيات أدوارا مهمة، كانت الترتيبات القبلية لبيعة الوافد الجديد، وتم التكتم عن وفاة الحسن الثاني، وكتبت البيعة من طرف عبد الكريم العلوي المدغري، وحرص اليوسفي كما الدكتور الخطيب عليها لأنه منصوص عليها في الدستور. الرجل الوحيد الذي تم عزله في تلك المرحلة هو العلبة السوداء للحسن الثاني البصري. إنها حكاية من زمن مغرب ودعناه مع ملك راحل. لكنها حكاية بنت هذا المغرب الجديد الذي نجح في انتقال العرش دون اضطرابات ولا قلائل، على الرغم من أن القاعدة العامة مات تقول: “مات الملك..عاش الملك”.
لقد تابعت فرنسا وأمريكا انتقال العرش العلوي ، ففي لحظة ضعف مثيرة سيقول الحسن الثاني للرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، دون تردد، كما كتب حسنين هيكل في مذكراته:” لقد كنت أغمض عيني عارفا أن عيني أوفقير مفتوحتان.. وكنت أنام الليل مطمئنا إلى أنه سهران.. ثم تآمر علي أوفقير ثلاث مرات على الأقل وكاد يقتلني لولا أن حماني الله”.
لقد حضر الحسن الثاني عملية إعدام أوفقير بنفسه، ورغم أن المسؤولية اضطلع بها بعده الدليمي، إلا أن مصيره لن يختلف عن مصير رئيسه، الذي توفي في حادثة سير ظلت غامضة.
كانت الشهادة التي تلقاها الرئيس الفرنسي تخبر بدنو أجل الحسن الثاني، الذي سيعيش سنوات من الخوف الذي تسبب له في أرق شديد.
وعلى الرغم من كل ما ظل يتناوله الملك الراحل أدوية وشراب لطرد هذا الأرق الذي ألم به خوفا من أي انقلاب محتمل بعد أن فقد الثقة في الكثير من المحيطين به، لم يجد غير التدخين الذي سيتسبب له في سرطان الرئة. وقد شكل خوف الحسن الثاني من الانقلاب على عرشه، سببا مباشرا في التفكير في صيغة لتأمين انتقال الحكم لولي عهده بأقل الخسائر. وهو الذي تعرض لأكثر من عشرين محاولة اغتيال وبكل الطرق، على الرغم من أن التاريخ الرسمي لا يتحدث إلا على المحاولات الانقلابية التي قام بها بعض خصوم الحسن الثاني السياسيين، وفي مقدمتهما محاولة قادها الجنرال محمد أوفقير سواء بتخطيط منه، أو بتوافق مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما سيعترف بذلك الكثير من المنتمين لهذا التنظيم. وفي بداية سنة 1999 كان الفرنسيون والأمريكيون يعرفون أن داء السرطان قد تملك في جسد الملك،
لم يكن ولي العهد محظوظا في علاقته بأبيه، ويحكى أن بعض أفراد العائلة تحدثوا إلى الحسن الثاني في موضوع تدريب ولي العهد على المسؤولية، بل إن أفراد العائلة طلبوا من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي ظل يعتبر من أقرب المقربين من الأسرة الملكية لدرجة لقبته الصحافة الإسبانية، التي كانت تغار من التقارب المغربي الفرنسي، بشيراك العلوي، التوسط لدى الملك الراحل من أجل هذه القضية رغم حساسيتها. لكن شيراك اعتذر في نهاية الأمر واعتبر الموضوع مسألة مغربية لا دخل لفرنسا فيها، كما بادر صهر الملك الشرقاوي إلى طرح القضية أمام أنظار الحسن الثاني،الذي لم يتردد في مواجهة الشرقاوي قائلا له، بحسب ما كتبها الصحافي حسنين هيكل: “إنني زوجتك أختي ولكني لم أزوجك المملكة”. فلم يكن الحسن الثاني يقبل أن يرى نفسه غير ملك المغرب. “المهنة” التي ناضل من أجل ممارستها، وخاض من أجلها معارك سياسية ضد المستعمر الفرنسي، وهو لا يزال ولي اللعهد، وضد حزب الاستقلال الذي رفض أن يشاركه الحكم. ومن اللحظات القوية في خلاف الحسن الثاني مع ولي عهده،بحسب الصحافي المصري هيكل دائما، ما سبق أن قيل عن لحظة نقاش حاد جرى بين الأب وابنه بعد أن بادر ولي العهد إلى استقبال بعض المثقفين المغاربة في بيته بضواحي سلا.
ويتحدث الكثيرون على أن غضب ولي العهد كان واحدا من الأسباب التي دفعت بالحسن الثاني إلى الإصرار على تشكيل حكومة تناوب سيقودها عبد الرحمان اليوسفي، أحد قادة المعارضة والذي ستوكل إليه مهمة انتقال العرش بالكثير من السلاسة.
وعلى الرغم من أن تيار فرنسا هو الذي انتصر بعد رحيل الحسن الثاني، فيما تراجع دور أمريكا، إلا أن إسرائيل كانت حاضرة بقوة سواء من خلف أو أمام الستار. وقد أثارت صورة محمد السادس بعد وفاة والده في تلك الجنازة المهيبة وهو محاط برئيس إسرائيل “إيزر وايزمان”، ثم “شيمون بيريز” و “ايهود باراك” انتباه الجميع.
الحسن الثاني يغادر ويبكيه المغاربة، فقد ووري جثمان الحسن الثاني بعد أن بكاه المغاربة بحرقة، وساروا خلف نعشه بتلقائية، وبالآلاف. لكن الرسائل التي تركتها تلك الجنازة كانت أكبر لأنها أبانت عن كيف نجح المغرب الحديث في انتقال العرش بالكثير من السلاسة والهدوء، على الرغم من أن نظام الملك الراحل لم يكن في مجمله يحظى بقبول الفرقاء السياسيين وفي مقدمتهم اليسار الذي ذاق قادته الاعتقال والتعذيب والمنافي.
لقد ساهمت حكومة التناوب في انتقال سلس للعرش، كان عبد الرحمان اليوسفي فيها مجرد مهرب أسلحة في نظر الحسن الثاني. لكنه سيكون هو الوزير الأول الأنسب لقيادة أول حكومة تناوب بعد حكاية السكتة القلبية التي هددت مغرب الملك الراحل.
لقد عاد الفقيه البصري، أحد رفاق اليوسفي، وتلقى الاتحاد ضربة موجعة فرقت بين إخوته ولم يعد محمد اليازغي الذي كان يعتبر نفسه الأحق بخلافة عبد الرحيم بوعبيد، يخفي تطلعاته للزعامة لدرجة أنه ظل يسر على أن يلقب بالكاتب الأول بالنيابة وليس بنائب الكاتب الأول للحزب.
أصدر القصر الملكي، بلاغا يقول فيه إن مفاوضات التناوب توقفت بعد أن رفضت أحزب الكتلة أن يحافظ إدريس البصري على حقيبة وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة. وهو البلاغ الذي جانب الصواب، خصوصا وأن امحمد بوستة الوزير الأول للتناوب الذي لم يكتمل، سيقول بعد ذلك في برنامج وجه وحدث” الذي كانت تقدمه القناة الثانية، إنه لم يكن لقادة الكتلة أي اعتراض على إدريس البصري.
لقد فشل تناوب حزب الاستقلال، لأن الحسن الثاني كان يراهن على الاتحاد الاشتراكي لضمان استقرار سياسي تحسبا لما هو آت.
هذه بعض القضايا التي تضمنها الكتاب لا تغني عن قراءته.