
المحتويات
مقدمة
عبد العزيز الفشتالي، وجه بارز من وجود الأدب المغربي خلال عهد الدولة السعدية (الزيدانية)، وفي فترة حكم سلطانها القوي أبو العباس أحمد المنصور (1578م-1603م) على وجه خاص. فقد طال الزمن على المغرب منذ سقوط الدولة المرينية لم ينبغ فيها شخص في هذا الميدان بنفس نبوغ الفشتالي كما قال العلامة عبد الله كنون[1]. وبفضل نبوغه فقد وظفه المنصور الذهبي وزيرا ورئيسا في ديوان الكتابة عنده وقال في حقه: “أن الفشتالي نفتخر به على ملوك الأرض ونباري لسان الدين ابن الخطيب”. ولم يكن تفوقه منحصرا في مجال الكتابة ولكن في نظم الشعر أيضا والذي تفوق فيه ونظم كثيرا من الأشعار خاصة في مدح الدولة السعدية رغم أنه لم يكم الشاعر الرسمي للدولة، وهو المنصب الذي كان يشغله الشاعر النابغة الهوزالي، وهو فحل من فحول النظم وملك من ملوك الشعر[2]. كما أن الفشتالي اشتهر أيضا بكونه مؤرخا رسميا للدولة السعدية خلال فترة حكم أحمد المنصور، وقد ألف في تاريخ تلك الدولة أشهر كتبه وهو “مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا”، وذلك بعد أن كلفه المنصور الذهبي بتدوين أخبار الدولة السعدية ووقائعها.
نسبه ونشأته
هو عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم الفشتالي الصنهاجي، واشتهر بكنية أبي فارس، رغم أن الكنية الأصح هي أبو محمد، أما أبو فارس فما هي إلا من باب الكنى الإصطلاحية لاسم عبد العزيز، كقول لعبد الرحمن أبو زيد، ولأحمد أبو العباس، ولمحمد أبو عبد الله، إذ يجوز تكنية من لم يولد له. أما والده فهو محمد بن إبراهيم.[3] وينتسب الفشتالي إلى قبيلة فشتالة، “وهي قبيلة صغيرة ضمن منطقة جبلية في حوض ورغة شمالي مدينة فاس” وهي فرع من قبيلة صنهاجة الأمازيغية المعروفة، لذلك يزاد في نسب الفشتالي الصنهاجي عند البعض. وتشتهر قبيلة فشتالة بوجود ضريح مولاي بوشتى الخمار (ت 997هـ/1589م). وينتسب إليها أيضا الشاعر والمؤرخ أبو عبد الله محمد بن علي الفشتالي (ت 1021هـ)، وهو بدوره خدم في البلاط السعدي، وصحب عام 1895م الشيخ التمكَروتي خلال سفارة إلى البلاط العثماني[4]، وهو ابن عم مترجمنا.
ولد عبد العزيز الفشتالي بفشتالة عام 956هـ، وقيل أيضا 956هـ. وبعد حفظ القرآن وتلقي أوليات علوم اللغة والشرع توجه إلى مدينة فاس لتلقي العلم والمعرفة من علماء القرويين كالعلامة أحمد بن علي المنجور، والنحوي أبو العابس أحمد الزموري، والقاضي عبد الواحد الحميدي، وهم نفس العلماء الذين أخذ عنهم السلطان أحمد المنصور السعدي علوم عصره من فقه وحديث ولغة. كما أخذ الفشتالي عن علماء مراكش كالشيخ عبد الواحد الشريف وغيره.[5]
عبد العزيز الفشتالي.. وزيرا ومؤرخا
برز نبوغ الفشتالي مبكرا في ميدان الكتابة والشعر، فأهله ذلك للانخراط، وفي سن مبكرة جدا، في سلك موظفي الدولة مع ولي عهد أحمد المنصور وخليفته على فاس المولى محمد المامون[6]، وذلك قبل انتقاله إلى العاصمة مراكش لتبوء منصب وزارة القلم أو رئيس ديوان الكتاب (أو وزير القلم الأعلى) في بلاط السلطان السعدي المنصور، وذلك رغم وجود أسماء كبيرة لها سابقة في الكتابة داخل البلاط السعدي خاصة محمد بن عيسى، وابن عمر الشاوي، والشيخ عبد الواحد الشريف.[7] وقد كان مكلفا وفق ذلك بتحبير رسائل السلطان أحمد المنصور المختلفة، بلغة راقية بليغة، وأداء محكم وصنعة مقبولة. كما كان أيضا مؤرخا رسميا للدولة، يتابع الأحداث ويدون الأخبار ويؤلف فيما بعد كتابه التاريخ المعروف: “مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا” للتعريف بتاريخ المغرب في عصر الدولة السعدية وبمنجزات ملوكها وأعمالهم، وخاصة سلطانه أحمد المنصور. وقد ضاع أغلب مجلدات الكتاب، ولم يصلنا منها غير مختصر الجزء الثاني والذي قام العلامة عبد الله كنون بتحقيقه وصدر عام 1964م عن “المطبعة المهدية” بتطوان. أما الجزء الثاني فقد حققه الأستاذ عبد الكريم كريم وصدر ضمن منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة عام 1972، وهو الجزء المتعلق ببعض الأحداث والوقائع في فترة حكم أحمد المنصور خاصة.[8]
بعد وفاة السلطان المنصور الذهبي عام 1012هـ/1603م ومبايعة ولده المولى زيدان في فاس، احتفظ به هذا الأخير كاتبا له، واستمر في منصبه إلى وفاته المنية. وقد عرفت تلك الفترة اضطرابات سياسية شديدة نتجت عن الصراع بين أبناء أحمد المنصور على الحكم. فإذا كان المولى أبو المعالي زيدان قد بويع في فاس، فإن أخيه أبي فارس تمت مبايعته بمراكش. وقد استمر هذا النزاع لمدة طويلة فاستنزف كثيرا قوى البلاد البشرية والاقتصادية، وقد تعقدت وضعية البلاد مع الطاعون والمجاعة الإقتصادية التي أنهكت قوى المغرب آنذاك.
عبد العزيز الفشتالي.. شاعرا
رغم وجود شاعر الدولة السعدية النابغة الهوزالي إلى جانب أحمد المنصور السعدي، فإن الفشتالي كان من أكثر شعراء السلطان حظوة، لما امتاز به من قدرة على مواكبة الأحداث وبراعة التعبير ودقة في التلاعب بالمحسنات البديعية وإتقان لصنعة الكلام. وخلد بشعره كثير من المناسبات والأحداث، حتى صار شعره بمثابة وثيقة تاريخية لأحداث عصره ولسياسة السلطان. وكانت أغلب أشعاره في مدح السلطان أحمد المنصور، خاصة بعد انتصاره في معركة وادي المخازن عام 986هـ/1578م، وفي حروبه للقضاء على الثورات الداخلية، أو في تهنئته بالفتوحات المتعددة في بلاد السودان أو تحريره للثغور المغربية من الاحتلال الأجنبي، وفي تخليد عدد من المناسبات الدينية وخاصة إحياء ليلة المولد النبوي الشريف. كما نظم في أغراض شعرية أخرى كالوصف والغزل والرثاء والمدح.[9]
وفاته وآثاره العلمية والأدبية
توفي الفشتالي بمدينة مراكش عام 1031هـ/1622م. ورغم كفاءة الرجل في الكتابة النثرية والنظم، فإن كثيرا مما كتب ونظم قد فقد بسبب التوترات التي عاشتها البلاد في أواخر أيامه، وأهم تلك الآثار التي احتفظ التاريخ بذكرها نجد:
- “مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا” وهو كتاب معروف حول الدولة الزيدانية (السعدية) إلى وقت الكاتب.
- مختصر المجلد الثاني من “مناهل الصفا”، وحققه عبد الله كنون.
- “مدد الجيش”، ذيل به “جيش التوشيح” لابن الخطيب (مفقود).
- مقدمة في ترتيب ديوان المتنبي على حروف المعجم (مخطوط).
- شرح مقصورة المكودي (مفقود).
- جملة رسائل وظهائر سلطانية من إنشائه يبلغ عددها 33 وقد نشرت ضمن محموعة “رسائل سعدية”.
كما حفظت عدد من المؤلفات كثير من أشعار الرجل. وقد قامت الأستاذة نجاة المريني بجمع أشتات أشعاره المتفرقة في كثير من المصادر في ديوان سمته: “شعر عبد العزيز الفشتالي، جمع وتحقيق ودراسة”، وقد صدر ضمن منشورات مكتبة المعارف عام 1989م.
المراجع
[1] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة، قدم له واعتنى به ورتب تراجمه على طبقات محمد بن عزوز، ج 2، منشورات مركز التراث الثقافي المغرب (الدار البيضاء) ودار ابن حزم (بيروت)، ط1، 1430هـ/2010م، ص 1224.[2] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة، مرجع سابق، ص 1232.
[3] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة، مرجع سابق، ص 1226-1227.
[4] المكاوي أحمد، معلمة المغرب، ج 19، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1425ه/2004م، ص 6462.
[5] المريني نجاة، معلمة المغرب، ج19، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1425ه/2004م، ص 6463.
[6] الفشتالي أبي فارس عبد العزيز، مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا، دراسة وتحقيق الدكتور عبد الكريم كريم، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة، 1972، مقدمة المحقق، ص 02.
[7] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة، مرجع سابق، ص 1227-1229.
[8] الفشتالي أب فارس عبد العزيز، مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا"، دراسة وتحقيق الدكتور عبد الكريم كريم، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة، 1972.
[9] المريني نجاة، معلمة المغرب، ج19، مرجع سابق، ص 6463.