المحتويات
المولد والنشأة[1]
الفقيه العلامة السيد عبد الباري بن محمد الزمزمي بن الصديق، ولد سنة 1943م في مدينة طنجة أقصى شمال المغرب، سليل أسرة آل ابن الصديق الذائعة الصيت، المشهورة بعلو كعب أبنائها في علم الحديث، خاصة منهم الحافظ الشيخ أحمد بن الصديق، صاحب كتاب: “الهداية في تخريج أحاديث البداية”. وأمه الشريفة السيدة خديجة بنت أحمد بن عجيبة من أسرة ابن عجيبة المشهورة بشمال المغرب. وينحدر نسب كلّ من أسرة آل الصديق وأسرة ابن عجيبة من الدوحة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
ترعرع مترجمنا في بيت يطبعه الجو العلمي، فنشأ مواكبا لما كان يجري بين والده وأعمامه من مناقشات ومباحثات في عدد من القضايا في الفقه وأصوله والحديث وعلومه، فكان لهذه البيئة العلمية الأثر الحسن في شخصية السيد عبد الباري، مما أكسب مترجمنا حسّاً علميا وملكة فقهية ميّزته عن عدد من أقرانه.
التحصيل الدراسي والعلمي
بعد حفظ المترجم القرآن الكريم على يد الشيخ السيد العَلمي شابو الأندلسي في كُتَّاب جوار المسجد الأعظم بطنجة. أخذ في تحصيل العلوم الشرعية أولا عن والده سيدي محمد الزمزمي، وتاقت نفسه للسفر إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف، فكاتب ـ في هذا الشأن ـ عمه الشيخ أحمد الذي كان حينئذ مقيما في القاهرة، فصرفه عن هذه الفكرة، وثناه عن هذه الرغبة، بعلّة أن الأزهر لم يعد فيه علماء. فاقتنع بما نصحه به عمه وتابع دراسته على والده، فدرس عليه عددا من المعارف والعلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه ونحو وبلاغة ومنطق وأصول ومصطلح، ثمّ وسّع آفاقه المعرفية بطريقة عصامية، فاعتكف في مكتبة الأسرة الصديقية ينهل من كتب الفقه والتفسير واللغة والأدب والتاريخ، فحصّل الشيء الكثير.
كانت بدايته في التدريس والوعظ والخطابة مبكرة، فقد ناب عن والده في المسجد الأعظم، وألقى فيه دروسا علمية منذ فترة الستينيات، كما تنقل بين عدد من مساجد طنجة والمدن المجاورة لها خطيبا للجمعة، فلفت إليه الأنظار بخطبه التي كانت تلامس مشكلات الحياة المعيشية للفرد والمجتمع، وتعالج القضايا الراهنة محليا ودوليا.
الإلتحاق بالدار البيضاء
ما إن حلّ بمسجد ولد الحمراء بالدار البيضاء، حتى تعاظم عدد الحاضرين لخطبه والذي كان يقدّر بنحو ثمانية آلاف مصلّ. كما تابع دروسه في نفس المسجد جمهور غفير من طلبة العلم وعامة الناس، فضلا عن حضوره الفاعل ومشاركته المستمرة في عدد من القاعات العمومية والمدرّجات الجامعية.
وعلى غير عادة عدد من أقرانه، كان للفقيه الزمزمي حضور إعلامي متميز، فقد أصدر جريدة “السنة”، وأدارها إلى حين توقيفها، وكتب لسنوات عديدة في مجلات وجرائد، فكان صاحب عمود ” أفضل الجهاد” بجريدة “الراية”، وعمود “سبيل الرشد” بجريدة “التجديد”، وصاحب “ركن الفتوى” في الجريدتين معا. وتولى الإجابة أحيانا عن “الفتاوى المباشرة” في القسم الشرعي من موقع “إسلام أون لاين” على شبكة الإنترنت.
جهوده في الدعوة والفتوى
اشتهر الفقيه الزمزمي بأسلوبه الفريد الممتع المتّسم بالتيسير ومراعاة الواقع في معالجة قضايا الناس حين تنزيل الأحكام الشرعية، ومع الحاجة المتزايدة لسد الفراغ الحاصل في ميدان الفتوى حينئذ، أسس بمعية عدد من المشايخ والأساتذة والعلماء بالدار البيضاء هيئة علمية تحت اسم: “الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل” وظل على رأسها إلى حين وفاته. كما حاز المترجم عضوية “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” وحضر مؤتمره التأسيسي في العاصمة البريطانية لندن، وحضر فيما بعد عددا من اجتماعاته. كما حضر “مؤتمر الوحدة الإسلامية” الذي ترعاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وشارك فيه ببحث تحت عنوان: “المنهاج الإسلامي لإيجاد الأمة الواحدة” وهو بحث منشور على موقع “المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب”. فضلا عن مشاركته في عدد من المؤتمرات نصرة لقضايا الأمة.
مشاركته السياسية
خاض مترجمنا تجربة سياسية خلفت جدلا واسعا بين رافض ومؤيد، فترشح للانتخابات التشريعية ليوم 7سبتمبر 2007 وفاز باسم حزب “النهضة والفضيلة” عن دائرة المدينة القديمة بالبيضاء، التي عرفه سكانها على مدى عقود خطيبا بجامع “ولد الحمراء”.
شهادة الشيخ القرضاوي في الزمزمي
خلال إحدى زيارات الشيخ القرضاوي للمغرب، وأثناء مقامه بالدار االبيضاء، أدى الشيخ القرضاوي صلاة الجمعة بتاريخ 8 مايو 1998م، وبعد الصلاة طلب منه الفقيه الزمزمي إلقاء كلمة اعتبرها “ضريبة المحبة” فكانت كلمة حماسية هزت أرجاء المسجد، وحركت مشاعر الحاضرين، وكان ممّا جاء فيها: “.. إن الأمة الإسلامية في حاجة إلى علماء يربطون الناس بأصول الإسلام الصحيحة من قرآن وسنة من ناحية، وبالحياة والواقع المعيش من ناحية أخرى، فينظرون إلى الأصول الإسلامية بعين، وإلى العصر ومشكلاته بعين أخرى، وهؤلاء العلماء هم الذين يبنون ولا يهدمون، ويجمعون ولا يفرقون، وهذا هو الذي ينقص الأمة الإسلامية في هذه المرحلة، دعاة صادقون واعون، وأحسب أن الأخ العالم المستنير الموفق عبد الباري الزمزمي من هؤلاء الدعاة الذين ينهجون منهج الوسطية الإسلامية، منهج الاعتدال في فهم الإسلام وتطبيقه، فيربطون الناس بالعصر والواقع فلا يعتلون المنابر من أجل تخدير الناس، أو التشديد عليهم …”.
آثاره العلمية والفكرية
خلف العلامة الزمزمي عددا من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة نذكر منها:
- الدروس الإرشادية. طـ (1392هـ- 1972م)
- منهاج الحياة في الإسلام. (في جزئين) (2 من 9 )
- أحكام العقيدة والطهارة والصلاة. طـ (1986)
- فرائض الإسلام وحقوق المسلمين. طـ (1410- 1990)
- الإنسان بين التكريم الإلهي والإعلان الدولي لحقوق الإنسان. طـ (1991)
- آفاق الصحوة الإسلامية بالمغرب. طـ (1414هـ- 1994م)
- القول المنصف في الغناء والمعازف. طـ (1996م)
- موانع قبول الأعمال. (1418هـ- 1998م)
- كشف الخفي من زلل الدكتور السلفي. طـ (1998)
- سؤال وجواب في حياة المسلم. (في خمسة أجزاء، كل جزء يتضمن مائة فتوى أو تزيد في جوانب مختلفة من حياة المسلم) طبع تباعا ما بين (1420هـ/1999م، و1426هـ/2005م).
- الجهاد الكبير في مواجهة خطة الإباحية والتغريب. طـ (1427هـ – 2001م)
- المسلمون والسنة. طـ (.2001..)
- منهج التفقة في الدين. طـ (1426هـ – 2005م)
- السلفية والإرهاب. طـ (1427هـ – 2006م)
كما ترك الشيخ الزمزمي أعمالا معدَّة للطبع منها:
- الأجزاء المتبقية من “منهاج الحياة في الإسلام”.
- “الأحكام الشرعية المتعلقة بالأعضاء البدنية”.
وفاته
بعد أربعين سنة من العطاء العلمي والدعوي، وافت مترجمنا المنية عن سن يناهز 73 عاما في إحدى المصحات بالدار البيضاء، مساء يوم الأربعاء 10 فبراير 2016 على الساعة 18.50 دقيقة بعد مرض عضال ألمّ به، وتمّ نقل جثمانه إلى مدينة طنجة مسقط رأسه، حيث صلي عليه صلاة الجنازة في مسجد الشريف حسونة، ودفن بالزاوية الصديقية.