يجمع المؤرخون وعلماء الآثار والفن الإسلامي؛ إلى أن فن الزليج في المغرب يحتل مكانة مرموقة في إبراز قيم الجمال في المنشآت المعمارية المغربية؛ و دوره الطليعي التاريخي الذي احتله منذ عصر المرينيين أساسا. وسيشكل الزليج المغربي أحد مظاهر هذا الجمال والسمو الفني بمسجد ضريح محمد الخامس أو مسجد حسان؛ في جميع جدران وسواري بيت الصلاة وفي جدار قبلة المسجد بصفة خاصة، كما نعاينه في صهريج الصحن الرئيسي وجدران الصحون الجانبية بين المسجد والضريح من جهة وبينه وبين المتحف الوطني من الجهة الأخرى.
تُعَرف الصناعة التقليدية هذا الأسلوب من الترصيع بالزليج في حوائط وسواري بيت الصلاة باسم: “صنعة شعاير”، وتسود هذه الصنعة الألوان الأبيض والأزرق المعروف في فن الزليج باسم: برايا، ثم اللون الأصفر المسمى: ب”الخابوري”. وتشكل زخرفة محراب هذا المسجد زخرفة استثنائية بكل المقاييس، وذلك بالنظر إلى الأهمية الدينية للمحراب الذي هو مكان الإمام أثناء الصلاة، و كذلك لأهمية المحراب المعمارية؛ حيث يمكن تشبيهه بالياقوته التي يحملها الطائر؛ هذا الطائر الذي رأسه هو القبة والتي نتصب أمام المحراب وجسمه البلاط الذي أمام المحراب وجناحيه ينتصبان على طرفيه الشمالي والجنوبي .
وقد ولدت هذه الزخرفة بتشييد هذا الحراب؛ وذلك لكونها ولدت على يد المبدع المرحوم أحمد العلوي الذي كان يومها رئيسا لتعاونية الزليج المغربي بفاس؛ والذي كان له الفضل في إبداع تلك النماذج المنسجمة التي جاءت منمقة مرحلة بعد مرحلة من الأرض الى بداية أشغال الجبس.
وتعرف صنعة الزليج داخل جوف المحراب في الصيغة المغربية باسم: ب”المْعْشَّرْ بالقطيب مقوم على ثلاثة” يعلوها “ضفيرة”، وفوقها كتابة قرآنية من سورة الحج الآية 77 بزخرفة الزليج المؤلف بكتابة كوفية مرابطية، تم شريدا كتب به بركة محمد بالخط الكوفي التربيعي، إلى أن يتوج ذلك كله بشرافة عليا أخيرة من الزليج. وهذا النظام نفسه يستمر بواجهتي المحراب على نفس النسق والصنعة والألوان.
ولذلك يقول المؤرخ والأثري عثمان عثمان اسماعيل في كتابه “ضريح محمد الخامس” ؛ والذي قدم له مؤرخ المملكة آنذاك عبد الوهاب بن منصور: “فقد ظهرت ملكة لا تضاهى في زخارف الخشب والجبس والزليج، حيث ظهرت في زخرفة الضريح عناصر ورسومات جديدة الابتكار لم يسبق أن أنجزت في القصور أو المدارس الأثرية المشيدة في المغرب”؛ استلهمت طبعا من موروث زخرفي شكل ويشكل إلى اليوم جزء من النسيج العمراني المغربي داخل القصور والحمامات والمساجد والسقايات؛ بخلاف بعض البلدان التي تشكل زخارف الزليج استثناء عمرانيا في بعض مآثرها كما هو الحال مع الجارة الجزائر في قصر المشور. يشار إلى أن هذا المشروع المعراني الجميل نفذه ثلة من الحرفيين المغاربة المهرة على رأسهم المعلم محمد بن عبد الكريم .
وتشكل هذه الزخرفة احد تجليات إبداع الصانع المغربي، الذي ما فتئ كل مرة يخرج للعالم أجمل اللوحات الإبداعية في ازليج المغربي والتي لم تكن موجودة في السابق، وذلك اعتمادا طبعا على الموروث الزخرفي السابق، والذي يعجن بعبقرية المبدع المغربي. وهو إبداع نتاج علاقة المغربي بأرض المغرب تأثيرا وتأثرا وهو ما لخصه المعلم مولاي حفيظ العلوي -رحمة الله عليه- احد أكبر معلمي الزليج الذين أنجبهم المغرب في تصريح للمهندس أندري باكار André Paccard أورده في كتابه الرائع عن حرف العمارة المغربية. وهو المعلم الذي ساهم في زخرفة مسجد وضريح محمد الخامس، وتوفي وهو مدير لمدرسة الفنون بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء: “إنني اعتمد على أداة أساسية في الاشتغال وهي الطبيعة: الأرض. إن وجودنا مرتبط بالضرورة بوجود هذه الأرض التي ننهل منها والتي تحضننا” . لذلك فالمطلوب اليوم من الجهات الوضية هو تسجيل تلك الزخارف كإرث وطني مع نسبتها إلى مبدعيها.
وتجدر الإشارة إلى أن المسجد تم بناؤه بأمر من الحسن الثاني ووضع هندسته المهندس الفيتنامي فوطوان، حيث ابتدأ العمل فيه سنة 1962 لتنتهي أعمال التشييد سنة 1971 .
وأما تسمية المسجد بإسم “حسان”، فنسبة إلى المهندس الشهير أبو جعفر احمد بن حسان مهندس الخليفة الموحدي العظيم أبو يوسف يعقوب مشيد المسجد الأول بصومعته الشهيرة، وهو الذي وضع الشكل الهندسي لاستخراج قبلة مسجد المنصور بقصبة مراكش وفق ما أورد شيخ المؤرخين المغاربة الأستاذ محمد المنوني في كتابه المهم حضارة الموحدين.
المراجع
[1] André Paccard, Le Maroc et l’artisanat traditionnel islamique dans l’architecture, Atelier 74 , 1983, 2 Vol.[2] عثمان عثمان اسماعيل، ضريح محمد الخامس المعلمة الحضارية لدولة الأشراف العلويين، مجلة دعوة الحق، العدد 258 ذو الحجة 1406/ غشت 1986.
[3] عثمان عثمان إسماعيل، ضريح محمد الخامس: دراسة أثرية للرباط العاصمة وجامع حسان، 1997.
[4] محمد المنوني، حضارة الموحدين، دار توبقال للنشر، ط1، 1989، الدار البيضاء.