
المحتويات
توطئة
كانت سُمعة الجزولي باعتباره شيخاً مُربِّيا صالحا، كثير الصّلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وصاحِبَ طريقةٍ في التصوّف والتعليم، ومؤلِّفاً لكتابٍ فريد؛ قَد سبَقته إلى سوس، بل إنَّ سُمعتَه وطَريقتَه ومؤَلَّـــفَهُ “دلائل الخيرات” تسامَع بها الناس في المغرب الأوسط والأدنى وبلاد الحجاز، وأكْبَروهما معاً، الجزولي والجزولية.
“دلائل الخيرات”.. انتشار في الأوطان وذكرى كل لِسان
ذَكَر الباحث أحمد صنوبر في دراسته عن: “تطوّر رواية المشارقة لكتاب دلائل الخيرات عن المغاربة” أنّ الـحُجَّاج المغاربة عمِلوا على نقْل نُسَخٍ مِن كتاب “دلائل الخيرات” إلى بلاد الحجاز، فَذاع صِيته، وانْتَشر بين الناس والفقهاء، بل وتسنّم مكانا ساميا بين الكتب المدرَّسَة بالمدينة المنورة، خصوصاً حين تَـمَّ استحداث منصب “شيخ الدّلائل” بالمدينة، وأُسنِدت رئاسته إلى العالِم علي باشلي الحريري المدني الذي دُعِيَ بــ”شيخ الدّلائل بالروضة النبوية”.
فيما عَدَّ الأستاذ عبد اللطيف البكدوري[4] كتاب “دلائل الخيرات” ثانِيَ أكثَر الكُتبِ انتشاراً وقَبُولًا ومُدَارَسَةً في العالم الإسلامي بَعْد القرآن الكريم، بحيث اهتَمَّ به الناس قديما وحديثا، وشَرَحُوه ومَدحوه وعَلَّقوا عليه، وجَزَّءوهُ إلى سبعة أجزاء، ليختموه كلّ أسبوع ختمة، وكانت هذه من العادة الطّيبة النافعة عند المغاربة، الذي رفعوا الإمام محمد بن سليمان الجزولي مقاماً عِلِيًا. فـ”دلائل الخيرات قيِّمٌ لا مَثيل له في موضوعه (…) ليسَ فيه ما يُؤَاخَذ على مؤلِّفِه إلا ما فيه من بعض أحاديث موضوعة أو التي لا أصْلَ لها (…) وأنا أنصح كل مُسلِمٍ بملازمة قراءة دلائل الخيرات، فإنّه إنْ لازَمه مع التفكر في عَظمة الرسول الكريم والتّحَبُّبِ إليه؛ فلَسَوْفَ يَسْعَدُ إن شاء الله تعالى”.[5]
وأكَّد الباحثون[6]، في بعض الندوات التي أُقيمَت خصّيصاً لتكريم الجهود التربوية والإصلاحية والتعليمية للإمام ابن سليمان الجزولي، أنَّ كتابه المذكور توجَدُ منه نسخة أثيرة بمتحف “والتْزر الفني” بتركيا الذي يعود للحقبة العثمانية، ونسخة أخرى في متحف “الفنّ الإسلامي” بمدينة كوالالمبور الماليزية، ونسخة أخرى بمكتبة الفيلسوف محمد إقبال تعودُ لسنة 1855م الكائن مقرها بكشمير الهندية، ونسخة تعود لسنة 1877م موضوعة بمتحف “الروح القُدُس” في بيروت اللبنانية، ونسخة عنه بالفرنسية تُرْجِمت سنة 1897 موضوعة في “المكتبة الوطنية” بباريس الفرنسية، ونُسخة فريدةٍ يحتويها المتحف الديني “لوقَش” بمدينة تطوان المغربية.
ناهيك عن مُؤلَّفاته الأخرى التي ما يزال أغلبها عبارة عن مخطوطات، نذكر منها: “عقيدة الجزولي“، مخطوط بالخزانة الحسنية في العاصمة الرباط، ضمن مجموعة عامة تحت رقم (7245)، و“رسالة التوحيد“، وتوجد منها نُسخة مخطوطة بخزانة جامع ابن يوسف بمراكش، تحت عدد (587)، و“أجوبة في الدين والدنيا“، تضمّها الخزانة العامة بالرباط، تحت رقم (731)، وكِتابيه “الحزب الكبير” و”الحزب الصّغير”[7]؛ كلاهما مخطوطان بالمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان.
وهي تصانيف قيمة لقُطب جزولة، ستُغني المكتبة العربية والإسلامية حالَ تحقيقها ونشْرِها وتعميم نفعِها.
“دلائل الخيرات”.. فصول ومقدِّمات
مِن أهمَّ ما أفاد به الإمام الفاضل، العارف الواصِل؛ الأجيالَ وشرَّف به المنهج التربوي والصوفي المغربي عبر العصور؛ تدوينُ كتابِهِ “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذِكْر الصّلاة على النبي المختار” في سَبعة أقسام، ومُقدِّمَتينِ.
خَصَّص إحداهما لأسماء الله الـحُسنى، والأخرى لأسماء النبي الخاتم عليه الصلاة والسَّلام، وبيَّن قصْده مِن كتابه هذا قائلاً: “اللهم إنّي نويتُ بالصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلَّم امتِثالاً لأمرك، وتصديقاً لنبيك، ومحبّة فيه، وشوقاً إليه، وتعظيماً لقدْرِه، ولِكَوْنِهِ أهْلاً لذلك، فتقبَّلها مني بفضلك وإحسانك (..) ووفِّقني لقراءتها على الدّوام بِجَاهِهِ عندك”[8].
وقد كان له ما أراد، وحقّق الله ما في خالِص نيّته، فأطْبَقت شُهرة الكتاب الآفاق، وتناقله القرّاء جيلاً تِلْوَ جيل، وتَشرَّفت المساجِد بذِكْرِ أوراده العطِرة، ولهجت الألسُن بفضله بالصلاة والتسليم على الرسول الكريم، وأَحْيَت فُرق الإنشاد ليالي المديح والمولِـديات اعتماداً على هذا الكتاب.
خاتمة
وبَعد مسيرة موسومةٍ بالتعلُّق بالله والعشق في سيرة وشخص رسول الله، وتربية الناس وإنتاج ما ينفعهم، وبعد حياةٍ عامِرة بالصلاح الفردي والإصلاح الجماعي، توفِيَ الشيخ الجزولي مسموماً على أرجح أقوال المؤرخين والتراجِمة سنة 1465 للميلاد، ودُفِن ببلدة “تاصورت” بسوس. ووافَق تاريخُ مَقتلِه رحمه الله اغتيالَ آخِر سلاطين الدولة المرينية عبد الحق المريني، وبداية تفشِّي الفوضى والخراب في الثّغور.
المراجع
[1] عبد الله بن عبد القادر التليدي، المُطرِب بمشاهير أولياء المغرب، منشورات دار الأمان، الرباط، الطبعة الرابعة، 2003، ص: 134 –146.[2] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة، تقديم ومراجعة الدكتور محمد بن عزوز، مركز التراث الثقافي المغربي، دار ابن حزم للنشر، الطبعة الأولى، 2010ص: 541، وأيضاً: التليدي عبد الله، الـمُطرِب بمشاهير أولياء المغرب، مرجع سابق، ص: 147.
[3] الريسوني أحمد، الاختيارات المغربية في التديُّن والتمذهب، دار الكلمة للنشر والتوزيع، منشورات حركة التوحيد والإصلاح، الطبعة الأولى 2018.
[4] البرنامج التلفزي: "نفحات أنس مع مغاربة المهجر فقرة “أعلام من السابقين”"، تقديم الدكتور عبد اللطيف البكدوري.إنتاج قناة السادسة، رمضان 2020.
[5] عبد الله بن عبد القادر التليدي، المُطرِب بمشاهير أولياء المغرب، مرجع سابق، ص: 144.
[6] بلقاضي أحمد، تنسيق أعمال كتاب: محمد بن سليمان الجزولي؛ رائد التجديد الصوفي في مغرب القرن التاسع الهجري، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زُهر – أكادير، 2012.
[7] مجلة "دعوة الحقّ"، الأعداد 167 ، 147، 148، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
[8] الجزولي السملالي محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذِكْر الصلاة على النبيِّ الـمختار صلى الله عليه وسلَّم، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الأولى 1937 الموافق لــ 1356 هجرية، ص: 3.