المحتويات
توطئة
ليس غريبا على رجل في حجم المفكر والمجاهد والمجدد العلامة عبد الله كنون، اهتمامه المبكر بالقضية الفلسطينية التي عدها قضية إسلامية لا عربية فقط، والدفاع عنها مسؤولية الجميع. وعلى مر مساره النضالي وجهاده العلمي في مواجهة كل أنواع الظلم والاستبداد والوقوف إلى جانب المستضعفين، خط العلامة الفقيه صاحب “النبوغ المغربي..“، والأمين العام “لرابطة علماء المغرب”، وعضو أكاديمية المملكة المغربية، أزيد من تسعين مقالا حول فلسطين والمسجد الأقصى، قد يسر الله للباحث أحمد عطوف جمعها من كتب وبحوث ومقالات منشورة في المغرب والمشرق. واختار لها “جمهرة مقالات العلامة عبد الله كنون حول فلسطين والمسجد الأقصى” عنوانا. والكتاب يضم بين ثناياه مقالات ومعارك خاضها العلامة المجاهد سيدي عبد الله كنون رحمه الله، دافع من خلالها عن أرض الإسراء والمعراج، ممتطيا صهوة الكلمات ممتشقا سيف المعاني، جادل بالخطابات ونافح عن المقدسات، ولم يزل في جهاده حتى أتاه اليقين.
عبد الله كنون.. مسار عالم مجاهد
هو علم مغربي من أعلام العربية والإسلام، جاهد في واجهات متعددة، دينية وثقافية وسياسية من أجل الهوية الإسلامية للمغرب، امتدت شهرته إلى المشرق، ووصل صيته أوروبا. وهو يمثل واحدا من رجال الحركة الإصلاحية بالمغرب الحديث دعوة وتعليما وجهادا ممن جعلوا الإصلاح وتأصيل العقيدة في القلوب جزءا من رسالتهم في الحياة.
ولد بمدينة فاس عام 1326هـ الموافق 1908م، وهي السنة التي عرفت ولادة بعض أصدقائه من المقاومين أمثال: علال الفاسي وعبد الخالق الطريس، ثم انتقل وأسرته إلى طنجة قصد الهجرة إلى بلاد الشام. لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى تسببت في إرغام أسرة كنون على التوقف في طنجة مؤقتا في انتظار أن تضع الحرب أوزارها، ثم سرعان ما اتخذت الأسرة تلك المدينة مستقرا لها. تلقی گنون العلم على يد والده العلامة الفقيه سيدي عبد الصمد بن التهامي كنون في بيت الأسرة بطنجة، كما تلقى العلم في صباه المبكر على علماء طنجة في بعض المساجد التي كانت بمثابة جامعات مفتوحة تعج بالعلم والعلماء وشداة المعرفة من كل الأعمار والفئات (الكتاب ص 11). اشتغل ابتداء من سنة 1936م بالتدريس؛ حيث أسس “مدرسة عبد الله كنون الحرة”، و”المعهد الديني” بطنجة، كما عمل سنة 1937م مديرا للمعهد الخليفي ثم أستاذا بالمعهد العالي وبكلية أصول الدين بتطوان. تقلد منصب وزارة العدل في الحكومة الخليفية بين سنتي 1954- 1956، ثم عين عاملا بطنجة سنة 1957م، فكان بذلك أول عامل يتولى هذا المنصب في إقليم طنجة، ثم قدم استقالته عام 1958م. وتقلد أيضا منصب الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب منذ تأسيسها عام 1961م إلى وفاته رحمه الله، إلى جانب عضويته في أكاديمية المملكة المغربية، بل وفي عدد من أكاديميات البلدان العربية، كما أسندت إليه بعد ذلك رئاسة المجلس العلمي بطنجة عام 1981م. وكان من كبار علماء المغرب، ألف العديد من الكتب في مختلف العلوم، وبالأخص في العلوم الدينية والأدبية والسياسية. ويقف كتابه المشهور «النبوغ المغربي في الأدب العربي» شاهدا على نبوغ الرجل، ومعبرا على المدى العميق الذي بلغه اطلاعا وعلو كعب في شتى العلوم والفنون. ومن مؤلفاته أيضا: ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة، والتعاشيب، وأدب الفقهاء، وواحة الفكر، والعصف والريحان، وخل وبقل، ومفاهيم إسلامية، والإسلام أهدى، وأحاديث عن الأدب المغربي الحديث.. وغيرها من المؤلفات والمقالات المنشورة في مختلف الجرائد والمجلات المغربية والمشرقية. توفي عبد الله كنون رحمه الله بطنجة في 9 يوليوز عام 1989م عن عمر ناهز ثمانين عاما، بعد حياة حافلة بالعطاء والعمل للإسلام… (الكتاب ص 12)
مضامين الكتاب
لقد اعتمد الأستاذ أحمد عطوف في ترتيبه مقالات عبد الله كنون على الخط الزمني الذي نشرت فيه، إسهاما في بث الوعي بين المسلمين، في ظل هذه الأحداث الدامية والإبادة الجماعية لأهلنا في غزة، التي ينظر إليها العالم ما بين متقاعس ومتفرج، وما بين داعم لكيان محتل غاصب. وتعد هذه المبادرة خطوة نحو التعريف بمجهود كنون في الدفاع عن القضية الفلسطينية التي هي جزء من وجدان المغاربة، ومعروف عند العادي والبادي مكانة أولى القبلتين وثالث الحرمين عند المغاربة منذ القدم. ففلسطين حسب الدكتور عبد السلام شقور كانت حاضرة وما تزال حاضرة وستظل حاضرة بإذن الله في قلب كل مغربي ملكا وشعبا، وعبر تاريخها الطويل ظل المغرب وفلسطين على اتصال مستمر، وثمار ذلك كله، هذه الآلاف من أبناء فلسطين الذين تعود جذورهم إلى المغرب. وموضوع هذه الصلات كانت من اهتمام الباحثين المغاربة في عصرنا الحديث، وكم هو مفيد أن يُعنى الباحثون بآثار هذه الصلات في كتابات علمائنا و شعر شعرائنا، وذلك كثير (تقديم عبد السلام شقور ص 13). ولعل ما خلفه الشيخ عبد الله كنون الحسني رحمه الله من مقالات يصل عددها إلى تسعين مقالة أو يزيد في الدفاع عن فلسطين، حتى أن هذه المقالات تواكب هذه النكية فرجها الله عز وجل بلطفه وهو اللطيف بعباده. وقد يسر الله لهذه المقالات الفلسطينية باحثا عصاميا ومقتدرا، عمل على جمعها وتقديمها وهو مجهود كبير وذلك ضمن مشروعه العلمي الكبير الذي ينهض به منذ مدة، والذي يقوم على جمع تراث الشيخ رحمه الله في مواضيع متعددة. وأعترف، يقول شقور، أنني ما كنت أعرف عن الشيخ رحمه الله هذا الاهتمام الكبير الذي قل نظيره بقضية فلسطين، ولعل اهتمامنا معشر الباحثين بنبوغه وذيول نبوغه صرف عنا هذا الجانب الهام الذي اكتشفه الباحث المقتدر العصامي أحمد عطوف (الكتاب ص 13). وهذه المبادرة من الباحث أحمد عطوف تعد شخصية بعد عمل استمر سنتين لجمع تراث عبد الله كنون، والاطلاع عليه بصفة عامة.
إن جمع هذه المقالات تطلب من الباحث جهدا كبيرا يقدر قدره من ابتلي بالبحث، وذلك لكون هذه المقالات وردت في مصادر كثيرة مغربية ومشرقية. وسيلاحظ القارئ الكريم جوانب هامة تتضمنها هذه المقالات، وتعتبر بمثابة ركائزها ومنطلقها وأبعادها الأصل الديني. ومنطلق الشيخ هو بطبيعة الحال ديني إسلامي سلفي وطني، والسلفية عند المغاربة أبناء جيله وطنية، وبذلك فهي تعبير عن معتقد وفكر كل مغربي (الكتاب ص 15). والباحث الجامع للمقالات ذ. أحمد عطوف تتبع عمل رابطة علماء المغرب، ومبادراتها الجليلة وجهودها العظيمة، ومن كان أبرزها تأسيس “الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني” تحت رئاسة فضيلة العلامة الأستاذ عبد الله كنون الحسني رحمه الله. وتذكيرا بدور الرابطة عموما، والعلامة كنون خصوصا في القضية الفلسطينية عمل -منذ السابع من أكتوبر عام 2023م- على تتبع مقالات العلامة كنون المتعلقة بفلسطين والمسجد الأقصى، واستخراجها من مؤلفاته رحمه الله، ومن مختلف المجلات المغربية والمشرقية التي كان ينشر فيها بحوثه ومقالاته. وإيمانا من المؤلف من أن نصرة المسلمين من أوجب الواجبات في هذا الزمان، لشيوع الظالم وشدة الحور والقتل، يقدم للقراء هذه المقالات ويقربهم منها ليكونوا على بينة في إقامة الحجة على كل المتقاعسين والمتخاذلين والمطبعين.
ويمكن تلخيص مقالات العلامة عبد الله كنون التي كتبها في الدفاع عن القضية الفلسطينية في العناصر التالية: أولا: قضية فلسطين، قضية إسلامية لا عربية فقط، ثانيا: الدفاع عن فلسطين مسؤولية الجميع، ثالثا: التبرع لمجاهدي فلسطين ينبغي أن يكون عملا تلقائيا، رابعا: ليس اللوم على مجلس الأمن ولا على إسرائيل، وإنما اللوم على المسلمين، خامسا: لا حياة الأمة بدون شرف، ولا وجود الشعب فقد كرامته، سادسا: معاناة الشعوب العربية من التمزق النفسي، سابعا: هزيمة العرب أمام شرذمة من اليهود عار سيبقى على مر التاريخ، ثامنا: التنديد بالمجرمين لا يكفي، تاسعا: الحروب الصهيونية هي امتداد للحروب الصليبية، عاشرا: تدويل القدس شر مستطير.