توطئة

هذا الكتاب يتحدث عن الحي الحديث بمدينة تطوان والمعروف بالإيصانشي، والذي “يعتبر جوهرة فنية ذات قيم تتجاوز وتفوق الواقع المحلي، بل حتى زمن بنائه، وليصبح تراثا تاريخيا لكافة التطوانيين”، كما جاء في تقديمه.

وقد وقع بيدي هذا الكتاب الفريد في بابه ضمن محتويات إحدى المكتبات الخاصة، وهو دليل هندسي للمدينة الحديثة بتطوان والمعروفة بحي الإيسانتي/الإصانشي: Tetuán: guia de arquitectura del ENSANCHE 1913-1956، وضعه للنشر: Julio Malo de Molina – Fernando Dominguez.

ومن المعلوم أن هذا الحي الذي يحتل وسط المدينة اليوم، أُنجز بمشاركة العناصر الثلاثة المتساكنة والمقيمة بالمدينة:

  • الجالية النصرانية (الإسبان الذين استوطنوا المدينة بعد حرب تطوان)،
  • والمغاربة (سكان المدينة الأصليون)،
  • واليهود (المهاجرون إليها).

“كل هؤلاء ساهموا بالفعالية في هذه المهمة زهاء أربعين سنة هي عمر هذا المشروع”.

كما يمثل هذا الحي البصمة البارزة لتواجد الإسبان بشمال المغرب على وجه الخصوص.

وترجع خصوصية هذا الحي (الإيصانشي) المُحدَث وسط المدينة الحديثة لتطوان إلى كونه قد نشأ مبدئيا ليكون مركزا عصريا مكملا للتعمير المحلي المتمثل في المدينة العتيقة لتطوان. وامتاز بانتظام محكم مقتبس من الهندسة التقليدية الأوربية وخاصة الإسبانية منها، بحكم الإشراف الفني للمهندسين الإسبان على تشييده. كما ينفرد من حيث خصائصه الفنية المعمارية بتلك الصبغة الواضحة للتقاليد الأندلسية والممزوجة بالأصالة المغربية، من خلال أشكال العمارات والشوارع والساحات.

مضامين الكتاب

يشتمل الكتاب على خمسة فصول في القسم العربي منه، بعد مقدمتين تمهيديتين؛ بعد الكلمات التقديمية لكل من: رئيس المجموعة الحضرية لمدينة تطوان ورئيس المجلس البلدي لتطوان/الأزهر: عبد السلام بركة، والمهندس: خوان لوبيز مارطوس مستشار الأشغال العمومية والنقل بالحكومة المحلية الأندلسية، وتقديم التشكرات للمتدخلين في إنجاز هذا الكتاب من طرف: خوسي ماربيافيردو فالينسيا مدير عام السكنى والتعمير بالحكومة المحلية الأندلسية.. ثم توالت الفصول كالآتي:

    • الفصل الأول: مدينة تطوان،
    • الفصل الثاني: الحي الجديد بتطوان (1917-1956)- دراسة مقاربة،
    • الفصل الثالث: الهيكلة والنوعيات والأساليب،
    • الفصل الرابع: الحالة الراهنة للحي الجديد (خلاصة استنتاجات التحليل الحضري)،
    • الفصل الخامس: التراث المعماري.

وبنفس التقسيم جاء القسم الإسباني من الكتاب، مشتملا على مقدمتين وخمسة فصول كذلك. وبينهما دليل مختصر لبنايات المدينة في هذا الحي وتعريف بخصائصها ومعمارها، في تعاريف مختصرة باللغتين العربية والإسبانية.

وهذا موجز عن هذه الفصول الخمسة، بحسب ما يسمح به المقام:

  • جاء الفصل الأول مُعرِّفا القرَّاء بمدينة تطوان الواقعة بين ميدانين ثقافيين متميزين ومختلفين: أولهما الغرب المسيحي، وثانيهما العالم الإسلامي، ما شكل فضاءً للتواصل والتبادل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. مُذكِّرا بالتاريخ القريب لهذه المدينة الذي يبدأ عندما أصدر الملوك الكاثوليكيون سنة 1492م أول مرسوم في شأن طرد المسلمين واليهود من إسبانيا (والعهدة هنا في هذه المعلومات لمؤلف الكتاب صحة أو بطلانا). فنزح جلهم إلى الضفة الجنوبية لإعادة تأسيس تطوان والاستقرار بها، وبالتالي تحولت المدينة إلى عاصمة أندلسية بشمال إفريقيا باعتبارها أهم المدن المغربية في ميدان العلاقات التجارية والثقافية مع الغرب المسيحي.. وظلت المدينة على هذا الحال إلى حدود القرن التاسع عشر حيث أصبحت هدفا للأطماع الاستعمارية لبعض الدول الأوربية إلى أن احتلتها إسبانيا بين 1860 و1862. ثم انفردت بها إسبانيا بعد الحماية (1912م) حيث تقرَّر إقامة منطقة نفوذ إسبانية بالمغرب وفق اتفاقية مدريد، ولتصبح بعد ذلك عاصمة عسكرية وإدارية للحماية الإسبانية بالمغرب.

ويختم المؤلف هذا الفصل بالحديث عن المعمار الهندسي المُكوِّن للمدينة عبر هذه الأطوار التاريخية آنذاك والذي شمل: المدينة العتيقة وأحوازها التاريخية كحي الملاح والحي الجديد وحي باريو مالقة وحي المستشفى العسكري الإسباني، إلى أن وصل الزحف المعماري إلى وسط المدينة المعروف بحي الإيصانشي.

  • أما في الفصل الثاني من الكتاب فارتكز الحديث عن الحي الجديد بتطوان ما بين فترة (1913 و 1956). مبتدئا بذكر حدوده التي تبدأ بسور المدينة العتيقة شمالا وشرقا وتنتهي بساحة إسبانيا حيث حي الملاح (حي اليهود) أو ساحة الفدان سابقا أو ساحة مشور القصر الملكي الآن. ومنه ينطلق الخط الطويل الذي يمرُّ عبر شارع محمد الخامس ليصل بنا إلى ساحة بريمو أو ساحة مولاي المهدي أو (ساحة الخصة/النافورة) حيث الكاتدرائية. ثم ينطلق الشطر الثالث من المدينة المعروف بالمنحدر الشديد جنوبا وصولا إلى محطة القطار القديمة، ثم شمالا أيضا وسط بعض الممتلكات العسكرية الإسبانية البادية للعيان ومنها القصبة المطلة على ساحة الفدان (الحديث)..

وطبقا للهندسة المعمارية لهذا الحي الجديد بحسب قول المؤلف- فقد اشتمل على عمارات متلاصقة مستطيلة تتراوح مساحتها بين 40 و 50 مترا عرضا، و 60 و 80 مترا طولا، وذات طبقات ثلاث في الغالب: طبقة أرضية مخصصة للمحلات التجارية، وطابقين اثنين للسكنى، وأزقة عرضها يتراوح بين 12 و 15 مترا تشكل الشوارع الرئيسية لهذا الحي الجديد. مشيرا كذلك إلى بدء علو بنايات بعض العمارات في الارتفاع إلى أكثر من طابقين بعد ذلك.

ثم تحدَّث بعد ذلك عن تاريخ هذا الحي الحضاري المماثل للنموذج الإسباني والذي ابتدأ منذ الاحتلال الإسباني للمدينة وتطوَّر على مرِّ السنين المتلاحقة لإنشاء الحي المذكور وتأثيثه؛ وهو المُعبَّر عنه باستمراريته الوظيفية والمتعلقة أساسا باحتوائه على المصالح الإدارية والأنشطة التجارية والمرتفقات الأخرى المتعلقة بمحطات المواصلات والمستشفيات وباقي المصالح.

  • أما في الفصل الثالث، فاقتصر الحديث فيه على الهيكلة والنوعيات والأساليب التي تمَّ بها بناء هذا الحي، والتي قال عنها المؤلف: “يعرض بنية موروثة من الهندسة المستنيرة الإسبانية للقرن التاسع عشر، المتميزة بالشبيكة العمودية، وترتيب شبكة الطرق حسب محاور تنظيمية رئيسية واتساع للشوارع مع علو البنايات..”. هذا مع الإشارة إلى هندسة هذه المباني كما قال بـ: “وجود علامات بصرية بارزة هندسية: أبراج، صياغة فريدة لواجهات العمارات، تعامل انسجامي مع الأحجام، معالجة الزوايا والانعراجات، فضاءات خضراء وفسيحة، حدائق؛ وخاصة الحزام الأخضر..”.

ثم انطلق بعد ذلك في وصف هندسة هذه البنايات بشكل مفصَّل، مشيرا إلى أسماء بعضها كمندوبية الشؤون الأهلية (عمارة التعمير/الأشغال العمومية)، والسوق المركزي (البلاصا)، ومحطة الحافلات وبناية البلدية (الأزهر)، والكنيسة الكاثوليكية وبنك المغرب والخزانة العامة والمحفوظات..

كما قسَّم فترات تعمير هذا الحي– في هذا الفصل- إلى أقسام بحسب النموذج الذي اختير في بنائه وتأثيثه، وهي:

    • فترة الهندسة المعمارية التقليدية بين (1913-1931)،
    • وفترة هندسة الجمهورية بين (1931-1936)،
    • وهندسة الفترة الفرنكاوية بين (1939-1956).
    • والفصل الرابع خصَّصه المؤلف لعرض الحالة الراهنة للحي الجديد، وفيه استنتاجات التحليل الحضري لهذا الحي.. فبعد استعراض أهم منشآت هذا الحي وبناياته ذات الطابع الإسباني وفق هندسة النماذج المعروضة في الفصل السابق، استعرض المؤلف هنا مجموعة من الملاحظات عن الحالات الدخيلة عليه من بنايات حديثة ومؤسسات جديدة انضمت إلى هذا النسيج المعماري. هذا بالإضافة إلى حديثه عن ضرورة ترميم وإصلاح بعض البنايات التي أصابها التلف.
    • وأخيرا نصل إلى الفصل الخامس المُعنون بالتراث المعماري كعنوان رئيسي وإلى جانبه عناوين فرعية نرصد منها: التراث القائم داخل الحي الجديد، والتراث القائم خارج الحي. ويُشير المؤلِّف فيه إلى أن هذا الحي يضم أبرز وأهم ما شيَّده الإسبان في تطوان زهاء أربعين سنة – هي مدة تواجدهم الاستعماري بها- وهو الذي يُشكِّل المركز الحالي والعصري للمدينة.
    • واستعرض في الختام مجموعة من صور البنايات التي يحتوي عليها هذا الحي، مع التعريف بها وبهندستها، وباقي المعلومات الأخرى المتعلِّقة بها، وضَعه كدليل في يد المصالح البلدية لتحافظ على هذا الحي الجديد، ومنها على سبيل المثال: عمارة “فينيكس” الشهيرة (دار الطير)، وعمارة ايكيطاطيبا؛ وهو برج زاويته تمثل أبرز معلمة من معالم هذا الحي الجديد، ثم بناية المسرح الإسباني ومعهد سيرفانطيس، ومبنى التعاون الوطني والبنايات المجاورة، وكذا نادي تطوان الثقافي، السوق المركزي، محطة الحافلات (القديمة وسط المدينة)، مبنى البلدية (بلدية الأزهر سابقا)، المركز الطبي باب التوت (مستوصف الأمراض الصدرية)، البريد المركزي (بساحة مولاي المهدي)، مدرسة الممرضات (ثانوية ابن العربي حاليا)، المجموعة السكنية (فاريلا) أو (بابيونيس حاليا)، محطة القطار والمساكن البلدية (قرب رياض العشاق أو حديقة مولاي رشيد)، مندوبية الثقافة (والمعهد الموسيقي) ومدرسة البيلار (المدرسة الإسبانية).. وغيرها من البنايات والعمارات التي شُيِّدت على طول حي الإيصانشي طيلة التواجد الإسباني بالمدينة.

خاتمة

فهذه جملة من محتويات هذا الكتاب القيم، لخصت مضامينه الغنية الفياحة بعبق تاريخ هذه المدينة الحضرية والجامعة بين شطريها: المدينة العتيقة داخل الأسوار حيث عبق التاريخ والأصالة، والمدينة الحديثة بحي الإيصانشي كدليل على المعاصرة في أجمل تجلياتها.. واليوم تكبر المدينة لتخلق أحياء جديدة خارجها، تمتد يمينا ويسارا، لتشكل بمجموعها وجها آخر لهذه المدينة الناشئة.