المحتويات
توطئة
لقد تعلق المغاربة عبر تاريخهم بالقدس، لدرجة أن عددا لا يستهان به ممن قصدها منهم حاجا لم يتردد في اتخاذها موطنا له، وما حي المغاربة إلا دليل دامغ على ذلك. وهو التعلق الذي وجد ترجمته في المرحلة الراهنة، في ترؤس العاهل المغربي للجنة القدس، وفي التظاهرات المليونية التي طالما عبر من خلالها المغاربة عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية.
إن بين المغاربة والقدس رباطا مقدسا، ولها حضور مميز وواعٍ لا يضاهى في قوته كثيرا، فهي قلب الوطن العربي. وقد قدم المغاربة الكثير للدفاع عن القدس ومواجهة الصهاينة، يدعمون فلسطين كواجب ديني وحضاري تفرضه العقيدة والحضارة والتاريخ والرؤية الإستراتيجية كأولوية وطنية ضمن أجندات المغرب .
“القدس هي هوية فلسطين، وهي القلب النابض لها، وليست القدس مدينة في وطن هو فلسطين، ولكن فلسطين وطن في مدينة هي القدس، إن فلسطين بغير القدس لا تعدو أن تكون أكثر من مجال جغرافي بدون انتماء حضاري، والقدس لا يمكن ولا ينبغي أن تعتبر أحلى محض موقع جغرافي متميز أو حتى موقع استراتيجي المدينة في إطار المبادلات الاقتصادية التي تربط كبريات العواصم والمدن ولا يمكن بأية حال أن تحل محلها مدينة أخرى أو عاصمة مهما بدت أهميتها، لأنها القدس بغير بديل، ولأنها زهرة المدائن، وأرض الإسراء والمعراج، ومحضن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومهوى الأفئدة”. (الكتاب، ص: 15)
دواعي التأليف
اعتبر المؤلف بوشتى بوكزول الكتابة عن القدس ليست ككل الكتابات، ذلك أنها تستمد هويتها وقيمتها من قدسية المكان، ويصبح تبعا لذلك أي موضوع ارتبط بها، يناله بعض من هذا القدر والاعتبار. ولما كان موضوع الكتاب يتناول طائفة من أمة الإسلام غربا إلى المحيط هم طائفة المغاربة، ويتحدث عن مدى تعلقهم عبر التاريخ الإسلامي بهذه الرقعة المباركة، كان حريا به الوقوف على تفرد هذه العلاقة وتميز سماتها، خاصة وأن كل الأمة الإسلامية قد ارتبطت بموجب حبل العقيدة بالقدس الشريف والأقصى المبارك إلا أن ارتباط المغاربة بالقدس وإن نسجت خيوطه الأولى روح العقيدة الإسلامية السمحة، فإن وقائع التاريخ قد عززت هذه الروابط وساهمت في تمتين الصلات، وأعقب ذلك تواتر متصل لهذا الارتباط نقله جيل بعد جيل حتى صار عمقا لا يتجزأ من هوية الإنسان المغربي المسلم، وقضية لا تقل أهمية عن قضاياه المصيرية. (الكتاب، ص: 5)
وإن من دواعي اهتمام المؤلف بقضية القدس الشريف والتعلق التاريخي للمغاربة بهذه الأرض المباركة هو تبيان جانب من الوجوه المشرقة لتاريخ المغاربة زمن علو راية الدولة المغربية على عهد الموحدين وإيلاء الأهمية الواجبة تجاه حبل العقيدة الذي شكل عبر التاريخ جسرا بين المغاربة والقدس. كما يأمل أن يكون الكتاب لبنة من لبنات الإسهام في إثراء المكتبة الإسلامية التاريخية والمغربية على الخصوص، ومحاولة دافعة إلى تعميق الشعور بالارتباط بهذه الرقعة، وتعزيز الاهتمام بها، وتقوية الشعور بالانتماء الحضاري والتاريخي إلى فلسطين، وتمتين ارتباط المغاربة بهذا الجزء الغالي من العالم العربي الإسلامي، وترسيخ التشبث بالحق المغربي في هذه الأراضي الفلسطينية أولى القبلتين وثالث الحرمين. (الكتاب، ص: 8)
منهجية التأليف
اعتمد ذ. بوشتى بوكزول في منهجية البحث على مرتكزين، الأول: المنهج التاريخي: على اعتبار أنه إعادة للماضي بواسطة جمع الأدلة وتقويمها ومن تم تمحيصها وأخيرا تأليفها ليتم عرض الحقائق أولا عرضا صحيحا في مدلولاتها وفي تأليفها، وحتى يتم التوصل حينئذ إلى استنتاج مجموعة من النتائج ذات البراهين العلمية الواضحة. وقد حاول من خلال هذا المنهج إثبات الوجود المغربي في القدس الشريف، من خلال كتب الرحلات التي سمحت بالوقوف على بعض الحقائق التاريخية وعن شهادات الرحالة عن الحضور المتميز للمغرب والمغاربة في الديار المقدسية، وكذا من خلال وثائق الوقف المسجلة والموثقة على يد قضاة بالمحكمة الشرعية بالقدس الشريف.
والثاني؛ المنهج الوصفي التحليلي: باعتباره يقوم أساسا على تحديد خصائص الظاهرة ووصف طبيعتها ونوعية العلاقة بين متغيراتها وأسبابها واتجاهاتها، وما إلى ذلك من جوانب تدور حول سبر أغوار ظاهرة معينة والتعرف على حقيقتها. والأمر في هذا الكتاب يرتبط بظاهرة ارتباط المغاربة بالقدس الشريف ومدى تفرد هذه العلاقة على مستوى الاهتمام والفعل، وما أفرزته هذه العلاقة تاريخيا من ظواهر دينية واجتماعية تحظى بأهمية بالغة، لها صداها في المغرب الأقصى تعكسه في واقعنا الحاضر المسيرات المليونية المتضامنة مع قضية الشعب الفلسطيني عند كل اعتداء، وكذا الحضور القوي للقضية في السلوك المدني لبعض الفعاليات التي أخذت على عاتقها مناهضة التطبيع بكل تلاوينه الفكرية والثقافية وغيرها، مما صار يحتم على المهتم دراسة خصوصية هذا الارتباط والبحث في بواعثه التاريخية التي أنتجته. (الكتاب، ص: 9/ 10)
مضامين الكتاب
إن هذا الكتاب يأتي في زمن تعالت فيه صيحات التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم وتوالت فيه صفوف المهرولين الذين باعوا الأقصى في سوق النخاسة “بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين”. ولقد باعوا الشرف العربي من قبل واستحبوا العهر في محافل المجموع الدولي، بينما يشهد العالم عمليات اقتحام المسجد الأقصى وباحاته من قبل المستوطنين اليهود يعيثون فيه فساداً تحت إشراف حكومة الاحتلال وبمباركة عربية منوعة. وبالقدر الذي تصر فيه سلطات الاحتلال على إهانة المقدسات، تتخن مواهب حماة الأقصى والقدس الشريف وكل المقدسات عن عمليات فدائية وبطولية، قد تبدو في ظاهرها معزولة ومحدودة ، غير أن أثرها أبلغ إيلاما في نفوس الغاصبين الجبناء. (الكتاب، ص: 8/7)
كتاب “المغاربة والقدس جوانب من العلاقات التاريخية” لبوشتى بوكزول، من الحجم المتوسط، صدر عن مطبعة طوب بريس، سنة ٢٠١٥، يقع في 167 صفحة. وقد اشتمل الكتاب بعد المقدمة، على ثلاثة فصول، الفصل الأول: عنونه بالقدس، ويشتمل على خمس مباحث؛ تاريخ القدس، جغرافية القدس، القدس في الاستراتيجية، ديموغرافية القدس، حاول أن تكون سفيرا روحيا إلى تلك البقاع المباركة، حيث الألم يلتحف الأمل قارب فيها تاريخ القدس وجغرافيتها، والقدس من الناحية الاستراتيجية، وديموغرافية القدس بالإضافة إلى المكانة الدينية والروحية للقدس في الإسلام. وقد ارتأى الإحاطة بهذه الجوانب ابتداء باعتبارها مسرح الأحداث محط الدراسة، والذي سيسلط عليه الضوء في الفصل الثاني من هذا الكتاب.
وتناول في الفصل الثاني الذي عنونه بالمغاربة والقدس، الروابط التاريخية بين المغاربة والقدس الشريف، والتي تمحورت أساسا حول رابط التعبد والمجاورة، ورابط الرحلة في سبيل العلم، إضافة إلى رابط الجهاد والنصرة، مع إيلاء أهمية لقضية استنجاد القائد صلاح الدين الأيوبي بسلطان المغرب يعقوب المنصور الموحدي وما ثار حولها من مواقف تاريخية متباينة، مع الوقوف عند الرسالة التي بعثها القائد صلاح الدين إلى سلطان المغرب ودلالاتها “الديبلوماسية”.
أما الفصل الثالث فقد أفرده لقضية أوقاف المغاربة في القدس الشريف، ومدى تأثير المغاربة في الحياة العامة بالقدس وفضلهم في الاستقرار المذهبي والعقدي لأهل المشرق عامة. كما تناول تعلق الملوك المغاربة عبر التاريخ بالقدس الشريف وما أفرزه هذا التعلق من انخراط واع في الذود عن المقدسات الإسلامية بالقدس الشريف ورعاية أهلها.
وختم الكتاب بخمسة ملاحق: وقفية حي المغاربة والقدس، نص وثيقة المصمودي، نص وثيقة وقف أبي مدين، رسالة الملك الحسن الثاني إلى البابا بولس السادس، وثيقة العهد الأبدي.
خلاصة
إن جرح القدس لا يشبهه جرح، وهي تترنح في الأسر منذ سنين واليوم تعيش أحلك فترات تاريخها، لا سيما بعد طوفان الأقصى، وحرب الإبادة التي شاركت فيها قوى الاستكبار العالمي، في زمن لا يمكن إلا وصفه، بزمن الغطرسة الصهيونية والاستكبار العالمي، والذي جعل من أهدافه الكبرى مخطط الطمس الحضاري للمدينة المقدسة وتشويه معالمها وتغييب هوية الإنسان المقدسي، هذا بالرغم من النصر التاريخي للمقاومة بصمودها وصبر أهل غزة وتسجيلهم للبطولات بعد طوفان الأقصى بطوفان العودة وإعلان أنهم شعب الجبارين، المرابطين على أرضهم، وما عاشوه من دعم مادي ومعنوي من الشعوب ومن بينها الشعب المغربي بوقفاته ومسيراته المليونية، واستنكاره للتطبيع مع الكيان الغاصب. ليعلنوا للعالم مرة أخرى تمسك المغاربة بالقدس وفلسطين.
ويعتقد الكاتب أنه مهما تعددت الكتابات عن القدس وعن معاناة واصطبار أهلها، ووقوفهم في خط الدفاع الأخير، فلن نوفيها حقها، وستبقى الأقلام خجلى منحنية في إجلال أمام تضحيات المرابطين في أكناف بيت المقدس وهم يقفون أمام فوهات البنادق في ثبات، لا يثنيهم استكبار المستكبرين ولا تخاذل المتخاذلين، فالكتابة بداية الشرارة وسلاح القلم الذي بإمكانه أن يشحذه بعزيمة الممانعة لكل أشكال الارتهان والانبطاح في كنف التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وأن يكشف للعالم ما خفي من ارتزاق المقامرين بمصير القضية الفلسطينية وقضية القدس الشريف، حتى تصبح قضية القدس على رأس القضايا في كل المحافل والمنابر. (الكتاب، ص 6/5)