توطئة

يعد هذا الكتاب زبدة تجربة طويلة عاشها فضيلة الأستاذ محمد بلبشير الحسني عميد شعب الدراسات الإسلامية في المغرب، ويشخص فيه واقع الدراسات الإسلامية ويتطلع إلى المأمول منها بمقترحات وأفكار كفيلة بتطويرها لمواكبة الواقع المتغير، أخذا بعين الاعتبار في كل ذلك خصوصية المغرب الثقافية والحضارية والبعد الجغرافي الاستراتيجي.

ويروم الكتاب أن يقدم حديثا وافيا وتأملات عميقة في أهم الإشكالات التي تعوق تقدم التعليم الجامعي في بلادنا وخاصة شعبة الدراسات الإسلامية التي قدمت إسهامات كبيرة في مجال التثقيف والتكوين، لكنها ما تزال في حاجة متجددة إلى التطوير. ولذلك فالمؤلف لا يكتفي بالتشخيص فقط، وإنما يذهب إلى اقتراح آفاق جديدة للمشتغلين في هذا الحقل، آفاق تخرج شعبة الدراسات الإسلامية من زاوية التخصص الضيق إلى ساحة الانفتاح على مختلف التخصصات والمجالات العمرانية، وهو ما سماه فضيلة الأستاذ ب” ملتقى العلوم والمجتمع”، أي كيف يمكن استثمار كل التخصصات لتكون جسرا يؤدي بعضها إلى بعض في سياق التكامل المعرفي، وكيف تسهم هذه العلوم في بناء الإنسان والعمران.

محمد بلبشير الحسني مؤسس شعبة الدراسات الإسلامية

محمد بلبشير الحسني: دكتور وأستاذ، وباحث وقيدوم الدراسات الإسلامية بالمغرب ورئيس لجنة التنسيق لشعب الدراسات الإسلامية بالمغرب، كان أول عميد لكلية الآداب بالرباط، أمين عام لرابطة الجامعات الإسلامية وأمين اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم. يمثل للمملكة المغربية في المجلس التنفيذي للإيسيسكو والإلسكو لسنين عديدة، كما شغل مدير ديوان وزير التربية الوطنية ومدير الحي الجامعي بالرباط سابقا. في سنة 1980 حينما تقرر إحداث شعبة الدراسات الإسلامية كان رئيس هذه الشعبة، وقبلها كان رئيس شعبة اللغة العربية. حاضر في مؤتمرات متعددة في المغرب وخارجه، في إطار منظمات الإيسيسكو والإليسكو، ورابطة الجامعات الإسلامية. يعتبر من المدافعين عن اللغة العربية في المغرب. له عدة كتابات منها: “مدونة القيم في القرآن والسنة”، و”في سبيل تأصيل الإسلامية وتجديد الفكر”، و”المنهج القرآني في الدعوة والتبليغ” .

مضامين الكتاب

كان هدف الجامعات العتيقة الأساس الحفاظ على الموروث من العلوم الإسلامية الأصيلة، وأما المستشرقون فكان هدف غالبيتهم تحليل أوضاع الإسلام والمسلمين من أجل خدمة الاستعمار، وذلك بالتعرف على مواطن الضعف في الشعوب الإسلامية، وعلى السلبيات والشبهات في مجالات الدين والفكر، على الخصوص.

وقد برزت أصوات تدعو إلى الإصلاح: إصلاح مناهج التعليم وتغيير الأسلوب في دراسة الإسلام والبحث في مضامينه، بالإضافة إلى تحصيل العلوم الحديثة، ويمكن الرجوع في هذا الشأن، بصفة خاصة إلى آراء بعض المصلحين كالشيخ محمد عبده ومحمد إقبال وغيرهما.

وقد بدأ الاهتمام بالدراسات الإسلامية في أغلب الدول العربية والإسلامية، ولاسيما بعد تحررها من الاستعمار، فانتشرت كليات الشريعة وأصول الدين والدعوة واللغة العربية، خلال العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي، بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنه وقعت انتكاسات سببها أن التوعية بالتخلف أحدث نوعا من البلبلة والارتباك… كما انعقدت سلسلة من المؤتمرات حول التعليم الإسلامي، كان أولها سنة 1977 بمكة المكرمة، نوقشت فيه سيطرة العلمانية على معظم فروع المعرفة، والآثار السلبية لازدواجية نظام تعليمي قديم وآخر جديد… وفي مرحلة ثالثة أنشأت جامعات إسلامية أزاحت الحواجز بين العلوم الإسلامية والعلوم الأخرى، حتى التقنية منها والمهنية… وتضاعفت الدعوات إلى تعليم وبحث إسلاميين ينطلقان من التوجيه القرآني، ويتشكل في نسيج مبني على مبدأ “إسلامية المعرفة” يعتمد على العقل ويأخذ بالاعتبار التجربة والواقع. (الكتاب ص 8 / 7)

إن المغرب، بإحداثه شعب الدراسات الإسلامية، رمى إلى بلوغ أهداف ثلاثة:  سد النقص الهام الحاصل في الأطر الإسلامية الضرورية لمسيرة المجتمع، واستئناف المغرب لدوره التاريخي كقطب إسلامي لما حوله شرقا وجنوبا وشمالا، لاسيما في عصر كثرت فيه التحديات، واشتد فيه المد الثقافي والحضاري الأجنبي، وكذا ربط الصلة من جديد بالتراث المغربي والإسلامي بهدف التحديث والتجديد وتحصين المجتمع من المسخ أو الاستلاب. (الكتاب ص 9)

إن الذي يهم المؤلف محمد بلبشير الحسني،  في هذا الكتاب هو أن دراسة فقه الإسلام في حاجة إلى مقاربة شمولية وإلى منهجية متجددة، وبالتالي إلى سد فراغ هام بالحفاظ على الهوية المغربية وثوابتها بما في ذلك إبراز التراث الحضاري المغربي الأصيل. أما ما تهدف إليه الدراسات الإسلامية فهو إخراج العلوم الإسلامية من عزلتها بإنزالها إلى واقع المسيرة العلمية والفكرية والحضارية، وتكثيف التعاون العلمي بين الدراسات الإسلامية وباقي العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانونية على الخصوص، وكذا العمل على إنزال الحلول الإسلامية لمشاكل المجتمع إلى أرض الواقع، بهدف قضاء حاجات الناس وضمان حقوقهم وتقوية الوازع الروحي في نفوس المواطنين، اعتمادا على واقعية المنهج الإسلامي ومرونته ويسره. (الكتاب ص 6/5)

وبتأليفه لهذا الكتاب، قصد توضيح الرؤية وإزالة اللبس عن الدراسات الإسلامية ومقاصدها والآمال المعقودة عليها، لتعيد للمغرب مكانته في محيطه وبين الأمم العربية والإسلامية، ودوره الفعال في إبراز الوجه الحقيقي المشرق للإسلام الذي اكتمل به الدين، الموجه لسائر البشر.

لقد قسم الكؤلف الكتاب  إلى ستة مباحث، ركز فيها على أهداف الدراسات الإسلامية، وأوضاعها الراهنة في بلادنا، والطموحات المرغوب في بلوغها، وهي، على التوالي، بعد المقدمة: إحياء العلوم الإسلامية- الدراسات الإسلامية وموقع المغرب الاستراتيجي ــ دور الدراسات الإسلامية في التعليم الجامعي ــ آفاق جديدة في الدراسات الجامعية الإسلامية ــ الدراسات الإسلامية والبحث العلمي والتربوي ــ الدراسات الإسلامية وأبعاد التنمية الاجتماعية ــ ملتقى العلوم والمجتمع ودوره في التكامل المعرفي ــ صورة عن تخطيط وتدبير محكم للوجود من لدن الخالق الحكيم بضوابط وروابط قيمية ــ القرآن والعلم الحديث تقديم لكتاب ” الله والعلم “. يضلف إلى ذلك ملحقات.

ونظرا لما لقيه هذا الكتاب من إقبال في الأوساط الجامعية والثقافية عموما، ونظرا لنفاذ الطبعة الأولى من الكتاب، أقدم على طبعه في طبعة ثانية، تعميما للفائدة وتنويرا للرأي العام عما يمكن أن تقدمه الدراسات الإسلامية الجامعية بمختلف مؤسساتها في مجالات تجديد وتوسيع البحث، فتسهم في التنمية العلمية وفي بناء مجتمع المعرفة الناهض. كما أصدر هذه الطبعة الثالثة سنة 2019م والتي تقع في 127 صفحة، عن منشورات المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية.

خاتمة

عرج المؤلف عن دور كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تحصين ثقافتنا وتجديد مناهجها وأساليبها لتكتسي قوة ومناعة باعتبارها عنوان شخصيتنا وقوام كيانها، علما بأن هذا الاهتمام لا ينفي ضرورة الانفتاح على الثقافات الأخرى والتواصل معها أخذا وعطاء، فضلا عن ضرورة التعاون على إبراز القيم والخبرات الإنسانية المشتركة، وعلى حوار متكافئ يحفظ علينا كرامتنا ويجنبنا الاستلاب ونكران مقومات مجتمعنا.

وما رغب إضافته في طبعته الثالثة، يتعلق أساسا بدور القرآن في التحفيز على البحث العلمي وتوجيهه، كي يتأكد الإنسان بقصور علمه وقلته بالمقارنة مع علم الله المطلق، الخالق لكل شيء، وبالتالي فهو المرجعية الحقة والمصداقية المطلقة، فالعلم الوضعي في حاجة إلى علم الوحي المشخص في القرآن الكريم باعتباره خاتما لما شاء الله أن يوجهه للبشر لينور به سلوكهم ويهديهم إلى سواء السبيل وإلى رؤية كونية شمولية ناظمة للحياة في جميع مجالاتها.