تقديم المؤلف

ورد في مقدمة كتاب: “الجراب الجامع لأشتات العلوم والآداب” معرفا بالفقيه العلامة “عبد الصمد كنون” قوله: “هو الفقيه العلامة المحقق المشارك في كثير من الفنون سيدي عبد الصمد بن التهامي بن المدني كنون من ذرية قاسم كنون..

ولد رحمه الله بفاس عام 1290هـ، ونشأ في حجر والده العلامة الحافظ شيخ السنة وإمام أهل (العلم والعمل) في وقته سيدي التهامي..

وأخذ العلم عن والده وهو عُمدته، فقد لازم مجلسه في الفقه والحديث والتفسير وتوابع ذلك، وأجازه إجازة عامة..

تصدَّى.. للتدريس بالقرويين بفاس ثم بطنجة، وتخرَّج به في مختلف العلوم أفواج عديدة من طلبة العلم انتشرت في مختلف أنحاء المغرب.

وتولَّى.. عدداً من الخطط الدينية؛ فمنها الإمامة بمسجد العبادسة بعدوة فاس والتدريس بالقرويين..

كما تولى الفتوى بترسيم من السلطان المولى عبد الحفيظ عام 1326هـ.

وتولى الخطابة بجامع أبي الجنود..

كما خطب بالزاوية الناصرية بطنجة وبالجامع الجديد بها أيضا…

عندما بسطت الحماية الأجنبية على المغرب، عزم هو وأخوه العلامة سيدي محمد (كنون) على الهجرة إلى المدينة المنورة.. لكن ظروف الحرب حالت بينهما وبين الهجرة.. فاستقرَّا بطنجة، وبها قاما بحركة علمية وفتحا عهدا جديدا لنشر العلم بهذه المدينة…”[1].

وجاء في كتاب: “سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال” لابن سودة قوله: “عبد الصمد بن التهامي بن المدني بن علي كنون، من أولاد كنون المعروفين بفاس، الفاسي الدار والمولد، الطنجي الهجرة والمدفن، العلامة المشارك المُطَّلع البحَّاثة المعتني المُدرِّس النفَّاعة الخيِّر الذَّاكر صاحب التآليف العديدة. أخذ عن والده الشيخ التهامي، وهو عمدته، وعن الشيخ محمد بن التهامي الوزاني وعن الشيخ عبد المالك العلوي الضرير، وعن الشيخ خليل بن صالح الخالدي وغيرهم من الأشياخ…”[2].

وذكر من مؤلفاته العناوين التالية: “النسق الغالي والنفس العالي في شرح نصيحة أبي العباس الهلالي”، و”الحلل السندسية في شرح نظم السنوسية”، و”حس الفرش فيمن يظلهم الله بظل العرش”، و”جنى زهر الآس في شرح نظم عمل فاس”، و”مورد الشارعين في قراءة المرشد المعين”، والذي قيل عنه: “لو لم يؤلف غيره لكفاه”، و”الإفصاح بمضمون ملخص تلخيص المفتاح”، و”محصل المنقول من الأفعال المبنية للمجهول”، و”الجمل المحررة في مسوغات الابتداء بالنكرة”، و”شرح نظم ابن زكري في اصطلاح الحديث”، و”تعليق على سنن ابن ماجة”، و”حاشية على شرح الشيخ التاودي ابن سودة على التحفة”، و”حاشية على التصريح”، و”إسعاف الراغبين بمولد سيد المرسلين”… هذا بالإضافة إلى كتاب “النوازل الفقهية” في مجلد كبير و”فهرسة” أشياخه ومروياته و”الجراب” الذي نحن بصدد تقديمه.

وكانت وفاته كما أرخ لها ابن سودة بقوله: “توفي رحمه الله يوم السبت ثاني قعدة الحرام عام اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف بمدينة طنجة ودفن بأحد المزارات هناك…”[3].

وهو نفس الأمر الذي وقفت عليه في “إتحاف المطالع” بقوله: “توفي بمدينة طنجة لأنه هاجر إليها بعد وفاة والده، ودفن بزاوية أبي الشتاء الخمار بطنجة…”[4].

تقديم الكتاب

يقول عبد الصمد كنون عن سبب تأليفه للكتاب: “طالما تشوَّقَت النفس لجمع ما كان عندي في كناش الطلب، وما هو مستطر به أيام الأخذ عن الشيوخ من فوائد العلم والأدب، وما حصلته من مسائل متفرقة في فنون شتى، يعسر الوقوف عليها ولا تدرك بإلى وحتى…”[5].

وكان مما وقف عليه المؤلِّف كتاب الكشكول للعالم المحقق بهاء الدين العاملي فألفاه طبق مراده، وما استقر في فؤاده، فقوي عزمه على محاكاته، وهو ما ذكره قائلا: “فقوي عزمي حينئذ على جمع ما كتبته، وما حرصت عليه وقيدته، على اختلاف أنواعه وتباين أوضاعه، من تحريرات فقهية وفوائد حديثية ونكت عربية ومسائل كلامية ونقول تاريخية ولطائف أدبية ومختارات شعرية.. إلى غير ذلك مما يأخذ بالألباب، وقلما يعثر عليه مجموعا في كتاب، وسميته: “الجراب الجامع لأشتات العلوم والآداب”.

فوائد من الكتاب

أول ما نقف عليه من فوائد هذا الجراب ما ورد في فضل العلم، وذلك بقوله:

  • (فائدة): جاء في الكتاب قوله: “سمع الشيخ الإمام أبو عبد الله ابن مرزوق التلمساني الولي الرباني أبا حفص سيدي عمر الرجراجي يقول: العلم ميت، وحياته التعليم. فإذا حيي فهو خفي، وظهوره المذاكرة، فإذا ظهر فهو ضعيف، وقوته المناظرة، فإذا قوي فهو عقيم، وثمرته العمل.. ينادي العلم أين العمل؟ فإن أجاب، وإلا ارتحل…” (الكتاب، ص: 75).
  • وقال: “أجمعت الأئمة رضي الله عنهم على أن الراحة لا تُنال بالراحة، وأن العلم لا يُنال براحة الجسم، فادرس ترأس، واحفظ تحفظ، واقرأ ترق…” (الكتاب، ص: 75).
  • وقال أيضا: “قال العلامة الأبي: وهكذا كان يقول ابن عرفة في مجالس التدريس، وأنه إذا لم يكن في مجلس التدريس التقاط زائدة من الشيخ فلا فائدة في حضور مجلسه…”. وقال أيضا: “قال ابن عبد البر: كل حامل علم معروف العناية به، فهو محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين الجرح، لحديث: (يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين). وقال أبو عبد الله بن المواق في “بغية النقاد”: “أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك…” (الكتاب، ص: 88).
  • (فائدة): وقال في المدخل في مسألة اختيار إمام التراويح في رمضان: “ينبغي أن يكون إمام التراويح من أهل العلم والخير والديانة بخلاف ما يفعله بعضهم اليوم من تقديم الرجل لحسن صوته لا لدينه. وقد قال مالك رحمه الله في القوم يقدمون الرجل ليصلي بهم لحسن صوته، قال: إنما يقدمونه ليغني لهم.هـ. نعم لو قدموه لدينه وحسن صوته وقراءته على المنهج المشروع فلا شك أنه أفضل من غيره. قال في جامع المعيار: وحمل ابن رشد إنكار مالك على من كان يطلب ذلك استلذاذا لحسن الصوت، أما إن كان قصدهم استدعاء رقة قلوبهم بسماع قراءته الحسنة فلا كراهة…” (الكتاب، ص: 140).
  • (فائدة): وقال في الأكمل عن ستر المرأة وجهها: “ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها، إنما ذلك استحباب وسنة لها. وعلى الرجل غض بصره عنها إلا لغرض صحيح من شهادة أو تقليب أو نظر امرأة للزوج أو نظر الطبيب ونحو هذا. ولا خلاف أن فرض ستر الوجه مما اختص به أزواج النبي (ص) هـ. وذكر الحطاب في باب خصائص النبي (ص) تحريم رؤية أشخاص أزواجه ولو في الإزر تكريما له، ولذا لم يكن يصلي على أمهات المؤمنين إذا ماتت الواحدة منهن إلا محارمها لئلا يرى شخصها في الكفن حتى اتخذت القبة على التابوت.هـ. والظاهر أن هذا ليس متفقا عليه، فقد حكى القرطبي في كون نسائه عليه السلام كالأمهات في الحرمة وإباحة النظر أو في الحرمة فقط قولين، ولكن الظاهر منهما الثاني والله أعلم. هـ…” (الكتاب، ص: 154).

خاتمة

هذه جمل مفيدة من أنواع ما شمله كتاب “الجراب الجامع لأشتات العلوم والآداب” للفقيه العلامة عبد الصمد بن التهامي كنون، أوردتها مختصرة هنا دليلا على نفاسة ما ورد في الكتاب جملة من فوائد متنوعة: تحريرات فقهية وفوائد حديثية ونكت عربية ومسائل كلامية ونقول تاريخية ولطائف أدبية ومختارات شعرية، نسأل الله الاستفادة منها، فمنه سبحانه العون والرشاد والسداد.

المراجع
[1] كنون عبد الصمد، كتاب "الجراب الجامع لأشتات العلوم والآداب"، (طبعة مصورة ب.ت)، ص: 246-248.
[2] عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة، سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال (فهرس الشيوخ)، تنسيق وتحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط/1-1997، ترجمة رقم: 82، ص: 70.
[3] عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة، سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال (فهرس الشيوخ)، مرجع سابق، ص 70.
[4] عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة، إتحاف المطالع بوفيات القرن 13 و14، تح: محمد حجي، (وفيات 1352هـ)، ص: 466.
[5] كنون عبد الصمد، كتاب "الجراب الجامع لأشتات العلوم والآداب"، مرجع سابق، مقدمة الكتاب.