المحتويات
بين يدي التقديم
على مدى قرون، تبرعم الأدب الصوفي على مهل إلى أن اشتد عوده، مستمدا عنفوانه وقوته من روافد محلية ومشرقية ومغربية؛ وقد استطاع «القوم» أن يرصّدوا أعمالا كتب لها الخلود وخاصة في (الشق الشعري) حيث بنوا قصيدا جمع بين الروحي العرفاني مثّلته: الأحزاب والأوراد وأشعار الرقائق، وبين السلوكي ومثّلته: الوصايا والحِكم…
ومرّ هذا القصيد بتحولات مختلفة إلى أن صار نصا قائما بذاته، مستقلا بخصائصه الفنية الدالة عليه، ثم ما فتئ «القوم» أن حلّوه بأعذب الألحان، وجعلوه مادة رئيسة تحيي فضاءاتهم (الزوايا والرباطات) وتنعش تجمعاتهم في مناسبات كــ (المولد والمواسم).
وقد حظي هذا الفن باهتمام الدارسين والباحثين الذي وإن اختلفت مناهجهم في التعاطي معه، وتعددت زوايا النظر إليه، إلا أن عزائمهم توحدت على خدمته والعناية به، فاغتنت المكتبة العربية بمؤلفات انصبّت إمّا على ألوانه، أو على أعلامه، أو على عصر من عصوره، فكانت النتيجة تراثا هائلا، وعطاء ثرًّا نحسب أن كتاب “الأدب الصوفي في المغرب والأندلس في عهد الموحدين” للدكتورة نور الهدى الكتاني حلقة في سلسلة من الدراسات التي أنجزت لحد الآن في موضوع الأدب الصوفي.
تقديم الكاتبة
الدكتورة نور الهدى الكتاني من مواليد مدينة سلا، نشأت في بيت شرف وعلم، والدها الفقيه العلامة عبد الرحمن بن محمد الباقر الكتاني (1344هـ-1401هـ) صاحب كتاب “من أعلام المغرب العربي في القرن الرابع عشر “. تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي بمسقط رأسها إلى أن حصلت على البكالوريا سنة 1975، ثم شهادة الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس بالرباط، سنة 1979، ثم دبلوم الدراسات العليا، وقد كان عبارة عن “تحقيق لديوان الشاعر ابن الصباغ الجذامي”، بكلية الآداب بالرباط، سنة 1984، ثم شهادة دكتوراه الدولة في موضوع “الأدب الصوفي في المغرب والأندلس في عهد الموحدين”، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية -جامعة محمد الخامس بالرباط، سنة 2001.
عملت ما بين 1985 و 2022 أستاذة بجامعة الحسن الثاني المحمدية، كلية الآداب ابن مسيك بالدارالبيضاء. أشرفت على العديد من الرسائل الجامعية وأطروحات الدكتوراه، وشاركت في ندوات علمية وأكاديمية. اعتنت بنصوص ومخطوطات لتراجم شخصيات مغربية كتبها والدها الشيخ عبد الرحمن الكتاني، بمعية الدكتور حمزة الكتاني وطبع بدار البيارق بالأردن سنة 2001. من أعمالها أيضا:
- تقديم وتحقيق «ديوان ابن الصباغ الجذامي» 2003.
- تقديم وتحقيق كتاب: “أشرف الأماني في ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد”. تأليف الشيخ محمد الباقر الكتاني 2005.
- كتاب: “الأدب الصوفي في المغرب والأندلس في عهد الموحدين” 2008.
- تحقيق كتاب “اللؤلؤة الفاشية في الرحلة الحجازية”، تأليف العلامة المشارك مفتي مراكش عبد السلام العمراني 2010.
فضلا عن عدد من المقالات المنشورة في مجلات محكمة مختلفة.
تقديم الكتاب
صدر الكتاب عن دار الكتب العلمية – لبنان في طبعته الأولى سنة 1429هـ/2008م في مجلد واحد من 343 صفحة من القطع المتوسط، وهو في الأصل رسالة تقدمت بها الباحثة نور الهدى الكتاني سنة 2001م لنيل شهادة الدكتوراه، وهو من تقديم وتوطئة وبابين وخمسة فصول مع خاتمة وفهارس عامة.
- في التقديم أشارت الدكتورة نور الهدى الكتاني إلى تهيب الباحثين من موضوع التصوف عموما، والأدب الصوفي خصوصا، نظرا لصلته الوثيقة بالأدب الديني، لكن نشأتها في بيئة علم وتصوف وتعلقها بكتاب “مدارج السالكين” حبب إليها هذا النوع من المطالعات وشوقها إلى المزيد من النهل من معينها. ثم أشارت إلى الصراعات التي دبّت في جسم الدولة الموحدية، وما ترتب عليها من نزوع إلى الدين، وغزارة في الإنتاج الصوفي. ثم تحدثت عن سياق إعداد هذه الدراسة لأن هذا الموضوع “مازال يحتاج إلى المزيد من من البحث والدراسة خصوصا بالمغرب والأندلس”.[1]
- أما التوطئة، فتوقفت فيها عند مسألة المنافسة التي كانت بين المغرب والأندلس، مما أدى إلى ادعاء التفوق والفضل، والتنازع في نسبة الأعلام … ثم عرفت “التصوف” وحددت بعض المفاهيم المتعارف عليها عند أهله مثل: الكرامة والغوث والأوتاد والأقطاب والأبدال…
- الباب الأول وهو من: تمهيد وفصلين اثنين، أما التمهيد فحددت المقصود بــ “المغرب” وعرفت بالأدب الصوفي وأنواعه وتوقفت عند: الأحزاب، الأوراد، التصليات والتوسلات، المولديات والربانيات والنجديات، والزهديات والحكم. وأفاضت في تعريف كل نوع.
الفصل الأول: “مراكز التصوف في المغرب والأندلس” وفيه عرفت بالمسجد والرباط والزاوية، وتوقفت عند رباطات المغرب والأندلس وقيمة رباط شاكر التاريخية والدينية، وعرفت بالطوائف بالمغرب والأندلس في القرن السابع.
الفصل الثاني: “نظرة عن الحركة الصوفية في عصر المرابطين والموحدين”، تأثير بعض كبار المتصوفة في هذا العصر: الغزالي، ابن العريف، ابن قسيّ، وفيه ألقت نظرة تاريخية عن التصوف خلال هذه الفترة، ثم توقفت عند تصوّف كل علم من هؤلاء الأعلام، معرّفة بشعبيتهم، ومدى تأثيرهم في الملوك والحكام.
- الباب الثاني: وهو من فصول ثلاثة.
الفصل الأول: الإنتاج الصوفي لأدباء هذا العصر: عرضت فيه بسبعة دواوين شعرية، ثم توقفت طويلا عند كل لون مع بسط نماذج من أشعاره وتعريف بأعلامه، فضلا عن التعريف بالخطب والرسائل وكتب السيرة والمولد وما ألف في آل البيت وهي أعمال تدخل ضمن هذا الإنتاج الوفير.
الفصل الثاني: التصوف السلوكي: وفيه قدّمت عددا من التراجم لأعلام هذا اللون، مع خصوصيات طريقته ومنهم: أبو مدين الغوث، أبو العباس السبتي، عبد الجليل القصري، عبد السلام بن مشيش، أبو محمد صالح، أبو الحسن الشاذلي.
الفصل الثالث: التصوف العرفاني: وسلكت فيه نفس المنهج في التعريف بهذا الاتجاه مع تفصيل في تراجم أعلامه والوقوف عند مميزات كل علَم على حدة ومنهم: عبد الرحمن القنائي، أبو الحسن المسفّر، ابن دهاق الأوسي، أبو الحسن الحرّالي، ابن عربي، أبو عبد الله ابن أحلى، أبو عبد الله الشوذي، الششتري، ابن سبعين.
- الخاتمة: وفيها قدمت خلاصة ما قيل، وعصارة ما كتب.
على سبيل الختم
هذا الكتاب قدم صورة عن رصيد المغاربة والأندلسيين في هذا النوع من الأدب، وهو وإن كان مخصوصا بفترة زمنية معينة (العهد الموحدي) إلا أن الألوان التي تمّ التعريف بها، يمكن اعتبارها أرقى ما أنتجه السادة أعلام هذا الأدب، وبالتالي فإن قراءته تكفي الباحث للإحاطة بمادة هذا الأدب أعلامه وألوانه وفروعه.