سياق إصدار القانون الأساسي

أصدر الملك الحسن الثاني القانون الأساسي عام 1961، بعد أشهر معدودة من توليه حكم المغرب. وكان هذا بمثابة عملية أولية للدسترة، في أفق وضع أول دستور للمغرب (دستور 1962).

واتسم السياق الذي وضع فيه القانون الأساسي بتوتر العلاقة بين نظام الحكومة والمعارضة، وهو السياق الذي أفرز تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عام 1959 من طرف منشقين عن حزب الاستقلال خاصة (المهدي بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد، الفقيه البصري، إلخ) وحزب الشورى والاستقلال (عبد الهادي بوطالب)، كما أفرز ذات السياق إقالة حكومة عبد الله إبراهيم عام 1961.

لماذا القانون الأساسي؟

يتضمن القانون الأساسي 17 فصلا، تم التقديم لها بديباجة أوضح فيها الحسن الثاني الغرض من هذا القانون، والمتمثل في توجيه عمل الحكومة توجيها محكما ووضع البلاد في سكة الاتجاه الدستوري.

وجاء في ديباجة القانون الأساسي: “وبما أننا رأينا أن مصلحة سير أعمال الدولة بكيفية محكمة في المرحلة السابقة لإعلان الدستور تقتضي تسيير البلاد عمليا في هذا الاتجاه من الآن. ولمّا كان الوصول إلى مستقبل أفضل يوجب على كل مغربي نكران الذات والتشبع بروح التضحية، قررنا المبادئ الآتية وجعلنا منها قانونا أساسيا للملكة تسير عليه حكومتنا إلى يوم يتم إنجاز الدستور ويدخل في حيز التنفيذ”[1].

ويرى بعض المحللين السياسيين والأكاديميين، أمثال محمد نبيل ملين، أن وضع هذا القانون الأساسي جاء في سياق الصراع بين نظام الحكم والمعارضة مجسدة في اليسار الكلاسيكي (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية). وبحسب هذا الرأي، فإن وضع القانون الأساسي كان بغرض إكساب نظام الحكم شرعية دستورية[2].

وأيا كانت التأويلات، فإن وثيقة “القانون الأساسي” تعتبر أول تدوين دستوري لمغرب الاستقلال وضعه الملك الحسن الثاني كتمهيد لأول دستور للمملكة (دستور 1962)، كما أنها (وثيقة “القانون الأساسي”) كانت “بمثابة إعلان عن ممارسة الملكية للسلطة التأسيسية في انتظار وضع الملك لدستور جديد، قبل نهاية 1962، برا بوعد والده المغفور له محمد الخامس”[3].

مضامين القانون الأساسي

يقع القانون الأساسي لعام 1961 في 17 فصلا، يمكن حصر مضامينها فيما يلي:

  • طبيعة النظام السياسي: إذ نص القانون الأساسي على أن “المغرب مملكة عربية إسلامية”، لم يكن قد تم تأطيرها دستوريا آنذاك، فكانت “في طريق إقامة الملكية الدستورية التي تمكن الأمة بواسطة حياة نيابية أن تختار الوسائل الكفيلة ببلوغ الأهداف الوطنية العليا” (الفصل 1).
  • دين الدولة: دينها الرسمي الإسلام (الفصل 2).
  • لغة الدولة: العربية هي لغة البلاد الرسمية والقومية (الفصل 3).
  • إقليم الدولة: حيث تم التركيز، في الفصل 4 من القانون الأساسي، على “الوحدة الترابية” و”ضرورة حماية حدودها الحقيقية واستكمالها بالكفاح”.
  • وحدة الدولة: حيث نص الفصلان 5 و6 على “قيام الدولة بالمحافظة على سلامتها الداخلية والخارجية”، وكذا ب”جمع الكلمة ووحدة الصف ومقاومة ما من شأنه أن يفرق المجموعة الوطنية”.
  • الحقوق والواجبات: حيث نص الفصل 9 على حق العدل، والفصل 10 على حق التقاضي والمحاكة العادلة، والفصل 11 على حق الحماية من شطط السلطة.
  • النظام الاقتصادي: إذ “يجب أن يستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية الإنتاج ورفع مستوى المعيشة ومغربة موارد الثروة الوطنية” (الفصل 12).
  • التعليم: حيث تم التنصيص على مجانيته وطبيعته العربية الإسلامية وتوجيهه وفق متطلبات البلاد تقنيا ومهنيا وعلميا (الفصل 14).
  • الشأن الخارجي: حيث نص الفصلان 15 و16 على “عدم التبعية” و”التعلق بمؤتمر “باندونغ” والوفاء لجامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة” و”تطبيق الميثاق الأساسي لمؤتمر القمة الإفريقي ومقرراته”.

صحيح أن هذه الوثيقة، أي القانون الأساسي، لا تعتبر دستورا من الناحية الشكلية؛ إلا أنها تضمنت العناصر الأساسية التي يدور حولها كل دستور: حق المواطن، مجال السلطة، وحدة التراب. لم يتم تحديد هذه العناصر وعلاقاتها بتفصيل، إلا أنها متضمَّنة في الوثيقة بشكل أو بآخر. لقد كانت “من الناحية المادية بمثابة دستور إذ تضمن النص على نظام المغرب (مملكة عربية وإسلامية في طريق تأسيس نظام الملكية الدستورية)، ودينه الرسمي (الإسلام)، وهويته (اللغة العربية)، وأهدافه الوطنية وسياسته الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المواطنين، وسياسة المغرب الخارجية”[4]. من جهة أخرى، كرست هذه الوثيقة الخصوصية الدستورية المغربية منذ زمن مبكر، حيث التساكن بين بعدين: بعد المخزن العتيق وبعد الدولة الحديثة، أو بعد تقليدانية المخزن وبعد حداثة إدارة الحماية[5].

المراجع
[1] الجريدة الرسمية، ع2537 9 يونيو 1961، ص 1466-1467 (https://bit.ly/3fMO2L4 ).
[2] ملين محمد نبيل، فكرة الدستور في المغرب: وثائق ونصوص/ 1901-2011، تيل كيل ميديا، ص 140.
[3] معتصم محمد، النظام السياسي الدستوري المغربي، مؤسسة إيزيس للنشر، الطبعة الأولى، 1992، ص 58.
[4] محمد معتصم، النظام السياسي الدستوري المغربي، مرجع سابق، ص 58.
[5] العروي عبد الله ، من ديوان السياسة، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، 2010، ص 112.