
المحتويات
النشأة والمسار
يعتبر الدكتور المكي بنطاهر من الجيل الأول لرواد السوسيولوجيا المغربية بعد استقلال المغرب، فهو من مواليد سنة 1944 بمنطقة تبركنت أو عين بني مطهر (شرق المغرب)، نشأ في أسرة متدينة من شرفاء “تاكفايت” الذين هاجروا إلى عين بني مطهر، نشأ داخل أجواء التصوف الروحي في إحدى زوايا المنطقة حيث كان أجداده من شيوخها.
تابع دراسته بمدينة وجدة بالتعليم العصري المزدوج، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا التحق بمعهد السوسيولوجيا بالرباط، وهناك التقى أستاذه عالم الاجتماع المغربي بول باسكون، في فترة كان عبد الكبير الخطيبي نائبا ثم مديرا قبل أن يُغلق المعهد سنة 1970م.
عُرف بدراساته في علم الاجتماع الحضري والقروي حول الدينامية الاجتماعية والسياسية بالمدن والعالم القروي، والتي ساهم بها في التراكم المعرفي السوسيولوجي حول المجتمع المغربي. وفي سنة 1972م التحق بجامعة إكس أون بروفانس (AIX-EN-PROVENCE) بفرنسا، وقدم أطروحته في موضوع: “تهيئة المجال بالمغرب”، حصل بها على دكتوراه السلك الثالث وبذلك كانت انطلاقته كباحث في المجال الحضري، وبعد هذه المرحلة عاد إلى المغرب ليعمل إطارا وخبيرا في وزارة السكنى والتعمير بحكم تخصصه في السوسيولوجيا الحضرية.
تم اعتماده لدى مؤسسات وطنية ودولية مختلفة في إنجاز دراسات ميدانية متعددة بالعالمين الحضري في مجال التهيئة الحضرية، والقروي حيث أنجز دراسة ميدانية مع عالم الاجتماع المغربي بول باسكون حول الشباب القروي تحت عنوان: “ماذا يقول 296 شاب قروي سنة 1969م”، ونشرت بالمجلة المغربية للاقتصاد والاجتماع. وتناولت عينة من الشباب القروي تتراوح أعمارهم بين 12 و30 سنة بمناطق مغربية مختلفة ما بين بني ملال، والقنيطرة وتازة ومراكش. وتناولت تمثلات الشباب القروي حول قضايا مختلفة مثل الأسرة والمدرسة والجنس، ورؤيتهم إلى الدولة، وكذا تطلعاتهم إلى المستقبل والشغل.[1]
رجع المكي بنطاهر للإقامة بباريس بين سنوات: (1976/1978) لأجل إنهاء أطروحته الجامعية لنيل دكتوراه الدولة حول ظاهرة الهجرة بفرنسا. وتعتبر دراسته حول الهجرة العربية إلى فرنسا من أهم الدراسات السوسيولوجية خلال فترة السبعينيات من القرن العشرين، والتي تناول فيها قضايا المهاجرين كإشكالية الاندماج في المجتمع الفرنسي، ونمط عيشهم محللا الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والأوضاع الثقافية ونمط عيش أسرهم، ومدى اندماجهم أو ارتباطهم بثقافتهم الأصلية. كما رصد الميز العنصري والرفض الذي يواجه المهاجر من المجتمع الفرنسي. وقد نُشرت الدراسة الميدانية التي كانت موضوع الأطروحة الجامعية تحت عنوان: “دراسة حول المهاجرين العرب من خلال الإنجاز الأدبي الفرنسي” سنة 1979م. وقد نُشرت الأطروحة باللغة الفرنسية في كتاب: “العرب بفرنسا”[2].
التحق بهيئة التدريس بجامعة باريس الثامنة، ثم أستاذا لعلم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الانسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط إلى أن تقاعد سنة 2005م. توفي بمدينة مراكش صيف 2023م.
يُعتبر المكي بنطاهر من الباحثين المتميزين الذين اشتغلوا على المجتمع المغربي سواء في الميدان بتعاون مع بول باسكون، أو من خلال قراءته النقدية للسوسيولوجيا الاستعمارية واطلاعه على كل إنتاجها…
مساهمته في دراسة الشباب العربي
بعد عقدين من الزمان يعود المكي بنطاهر لمقاربة الشباب العربي كموضوع سوسيولوجي في علاقته بالتغيرات الاجتماعية، وتناول الشباب بين الأمس واليوم في البحث عن هوية مستجدة وقيم الحداثة في مواجهة التقليد. وجاءت هذه الدراسة (1989) لفهم وتفسير تصورات الشباب من خلال مجموعة من القضايا كصراع الأجيال، ومدى تأثير الأسرة في عملية التنشئة والتربية، وعلاقة المدرسة بالشغل، وتأثير الفقر والعطالة في سلوك الانحراف والعنف، والإدمان، والتهميش. ومحاولة هذا الشباب في التحرر من سلطة الآباء والتطلع الى المستقبل. وقد جاءت هذه الدراسة في مرحلة من التحولات التي أفرزت مجموعة من الظواهر الثقافية والسياسية قادت هذه الفئة من المجتمع العربي نحو الانحراف والتطرف.[3]
المكي بنطاهر.. في نقد السوسيولوجيا الكولونيالية
ساهم الأستاذ المكي بنطاهر في النقاش السوسيولوجي حول البحث الكولونيالي بالمغرب، ومحاولة تقييمه وتجاوزه، وهي القضايا التي شغلت الباحثين المغاربة سواء المناهضين أو المؤيدين لهذا الانتاج. وقد اعتبر أن هناك عددا من الأبحاث من الفترة الاستعمارية تفرض نفسها حاليا لأنها برهنت من خلال مناهجها وتحرياتها على حساسية كبرى للواقع المغربي، وعن دقة كبيرة في ملاحظة الأحداث والأشياء. ويعتبر أنه من غير المنصف اليوم إنكار أن بعض التحليلات حول النظام القبلي وبنائه الداخلي، أو حول تشكل المجتمع المغربي، قد ساعدت الأبحاث اللاحقة، وفتحت المجال لتحليلات متعددة.
ويؤكد أن السوسيولوجيا المغربية هي في حاجة ملحة إلى تشييد جهاز مفاهيمي يرتكز على معطيات الواقع المحلي لفهم وتفسير الآليات التي تتحكم في البنيات الاجتماعية. وإذا كانت الدراسات الكولونيالية ترتبط سلبيا بتيسير الضبط والسيطرة على المجتمعات المغاربية، فإنها أسدت خدمات كبيرة لسوسيولوجيا مغاربية مستقبلية عرفت مخاضات بعد الاستقلال. لذلك فإن مسألة تقييم هذا التراث الكولونيالي أصبحت ضرورية، ونحن في حاجة إلى سوسيولوجيا قادرة على تجاوز كل نزعة إيديولوجية، وأن تتجنب السقوط في متاهات لاعلمية…[4].
جهوده في دراسة تحولات المجتمع المغربي المعاصر
ولعل من أشمل الدراسات التي نشرها عالم الاجتماع المكي بنطاهر كاستنتاج لكل الأبحاث الميدانية التي قام بها ميدانيا مع بول باسكون حول فئات الشباب، والعمال، أو تلك التي تناولت الهجرة، والمدينة أو العالم القروي، جاءت دراسته حول المجتمع المغربي المعاصر لفهم وتفسير تحولات المجتمع المغربي المركب من خلال محاولة الإجابة عن أسئلة جوهرية شغلت الباحثين على اختلاف تخصصاتهم. وهي التي حاول تناولها في كتابه الأخير ويمكن أن نجملها في القضايا والتساؤلات التالية:
- ما هي آليات التغير الاجتماعي، وكيفية تشكل المجتمع المركب؟
- وما طبيعة طبيعة هذه التحولات ومآلها؟
- ما هي حدود التخطيط لمجتمع تابع؟
- ما حدود التطلعات والاحتياجات المقموعة والمكبوتة؟
- أية إنجازات مجتمعية من أجل الحداثة والمساواة؟
محاولة منه رصد طبيعة هذه التحولات تمت من خلال مجموعة من المؤشرات السوسيولوجية:
-
-
من القرية الى المدينة:
-
اعتبر أن العالم القروي هو المعيار الحقيقي لقياس التحديث والمقارنة بين مغرب الاستقلال ومغرب اليوم، ويستنتج أن الركود والأزمة تطبعان هذا المجال الذي بقي تقليديا على مستوى الإنتاج والتقنية الزراعية، ولتحديث الزراعة تمت عملية نزع الأراضي والتوجه نحو اقتصاد السوق، وهي نوع من التنمية الموجهة والتابعة للعالم الغربي والتي كان لها انعكاس سلبي على البنيات التقليدية والمؤسسات كالأسرة الباترياركية، والتضامنات القبلية.
على مستوى التحول الحضري كان الانتقال المتسارع من القرية الى المدينة بانفجار النمو الديموغرافي في المراكز الحضرية ونشأت مدن هامشية بلا مدنيين، بعد أن تفككت الروابط التقليدية للعائلة الممتدة، وانتهى التضامن القبلي، وانتقل المجتمع من زمن القرية الى زمن الدولة.
-
-
الهجرة والتغير الثقافي:
-
لعبت الهجرة الداخلية والخارجية دورا في تغيير العقليات والانتظارات الاجتماعية بتبني قيم جديدة من هجرة السواعد إلى هجرة العقول، وفي المقابل يتعرض المهاجر لتمزق بين الهوية الأصلية، والثقافة الجديدة. ويرى بنطاهر أن هذه التحولات الاجتماعية هي نتيجة انتشار الثقافة الاستهلاكية لدى الشباب بفعل الثورة الإعلامية والتواصلية، وهذا ما أفرز الفردانية وغير القيم الاجتماعية والعلاقة مع الآخر.
-
-
التعليم وتحديث المجتمع:
-
إن الحداثة عقلية مجددة ومبدعة، وإذا كان التعليم مدخلا أساسيا للتحديث فإنه أنتج فئة متعلمة هشة لا تستطيع الاندماج في الشغل والمساهمة في تنمية المجتمع، ولذلك بقي نخبويا خلق نوعا من اللامساواة الاجتماعية. واعتبر المدرسة كآلة للحلم لأنها تعزل التلميذ عن الواقع.
-
-
وضعية المرأة:
-
يعرض الباحث بعض مظاهر التحول في أوضاع النساء، سواء على مستوى الخروج للعمل، والمساهمة في النشاط الاقتصادي للأسرة، وفي مقابل ذلك هناك استمرار للبنية الأبوية، ومقاومة الأعراف لكل تغيير حقيقي. وعلى الرغم من استنساخ حركات جمعوية للدفاع عن قضاياها، فإن هذه الاحتجاجات تبقى صامتة تصدر عما يسميهمرتزقة الثبات والجمود المناهض للتغير والتطور.
إن التغير الاجتماعي ضمن المؤسسات الثقافية في المجتمع المغربي لا يعرف القطيعة مع التقليد بل يكون مركبا ومزيجا بين الأنماط القديمة وما هو حداثي، وقد ركز على استجلاء مفهوم المجتمع المركب الذي صاغه بول باسكون ليعيد تحليل آليات التقليد والتحديث في المجتمع المغربي المعاصر.
إن فهم التحولات الاجتماعية في المجتمع المغربي لا تقاس بالمؤشرات المادية، بل بالرموز والمعاني الثقافية الجديدة التي تتبناها الأجيال الجديدة، ليبقى التفاعل المستمر بين البنيات التقليدية كالسلطة والدين والقبيلة، والفاعلين الجدد كالشباب والمرأة والمجتمع المدني.[5]
ويستنتج من خلال دراسته الموسعة أن التوترات ناتجة عن التغير الاجتماعي ومقاومة البنيات التقليدية التي تشكل الثبات والاستمرارية، رغم مظاهر التحديث. والكتاب هو عبارة عن تحليل سوسيولوجي عميق للتحولات الاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي منذ الاستقلال، وحاول أن يفكك مظاهر السلطة ويحلل دور بعض المؤسسات المغربية كالزوايا والمخزن كجهاز اجتماعي وسياسي في ترسيخ استمرارية البنى التقليدية.
من مؤلفاته
- Ce que disent 296 jeunes ruraux.Avec P. Pascon.Collection BESM.Rabat,1969 et 1971.
- L’aménagement du territoire du Maroc. 1972.
- Les Arabes en France.SMER-Rabat, 1979.
- L’enfant, l’éducation et le changement social.Collectif, Ecole Normale Supérieure, Rabat,1979.
- La banlieue aujourd’hui. Avec P.H. Chombart de Lauwe. Ed. L’Harmattan. Paris, 1981.
- Villes et campagnes au Maroc: les problèmes sociaux de l’urbanisation. Imprimerie El-Mâarif Al-Jadida, Rabat, 1987.
- La Sociologie Marocaine contemporaine; Bilan et perspectives. Avec Bouaasla ETTIBARI. Publications de la faculté des Lettres, Rabat, 1988.
- L’évolution des rapports villes-campagnes. Collectif, Edit. Faculté des lettres, Rabat,1988.
- La jeunesse arabe à la recherche de son identité.Al Kalam-Rabat, 1989.
- Le Maroc Contemporain : immuable et changeant.Publications de la faculté des lettres, Rabat, 2002.
المراجع
[1] Ce que disent 296 jeunes ruraux.Avec P. PASCON.Collection BESM.Rabat,1969 et 1971.[2] Les Arabes en France.SMER-Rabat, 1979.
[3] La jeunesse arabe à la recherche de son identité. Al Kalam-Rabat, 1989.
[4] La sociologie Marocaine contemporaine. Bilan et Perspectives. Pub.de la fac des lettres.Rabat,1988.
[5] Le Maroc Contemporain : immuable et changeant.Pub.de la faculté des lettres, Rabat, 2002.