المحتويات
الشريف محمد أمزيان زعيم زاوية وتاجر ماشية
ولد الزعيم الريفي محمد بن محمد بن حدو الشريف أمزيان حوالي 1860م بقرية أزغنغن من قبيلة أيت بويفرور إحدى قبائل قلعية، جنوب مدينة مليلية المحتلة، وعلى بعد 7 كيلومترات عن مدينة الناظور المغربية. وينتمي إلى أسرة شريفة يتصل سندها بالحسن بن علي وفاطمة بنت رسول الله (ص). حفظ القرآن على يد والده في الزاوية التي يتزعمها، والمعروفة بزاوية سيدي أحمد بن عبد السلام بن صالح، وقد خلفه ابنه محمد على رأس الزاوية بعد وفاته. وقد امتهن الشريف محمد أمزيان تجارة الماشية وخاصة البقر والبغال بين منطقة الريف في المغرب والجزائر. وقد أهلته تنقلاته الكثيرة بين القطرين المغربي والجزائري من ربط علاقات طيبة مع القبائل التي كان يمر بها، خصوصا لما كان يتصف به من خصال التواضع والفضيلة وحب الخير والوطن، فزوجته قبيلة كبدانة إحدى بناتها، وفتحت فرعا لزاويته في أرضها، في الموضع الذي يسمى برج سيدي بشير (رأس الماء)، مقابل جزر ملوية المحتلة[1].
كما اشتهر الرجل بدوره الدءوب في المصالحة بين المتخاصمين وفك النزاعات وإخماد الفتن، متسلحا في مهماته تلك بنسبه الشريف، وما كان يتحلى به من الاستقامة والورع. وقد كان من ثمار ذلك أن أصبح مقصد جموع المسافرين الريفيين الذي كانوا يقصدون القطر الجزائري لمرافقته والاحتماء به من أخطار الطريق وقطاع الطرق المنتشرين في تلك النواحي، فذاع صيته بين القبائل الريفية ك”زطاط” يوفر الأمن لكل من سافر في ركابه[2].
الشريف محمد أمزيان في مواجهة حركة بوحمارة
وفي سنة 1903 زحف بوحمارة -الذي ثار بنواحي تازة منذ أواخر 1902 على السلطان المولى عبد العزيز- على قصبة فرخانة (دار المخزن) التي كانت ترابط بها حامية مخزنية بقيادة البشير بن سناح، حيث حوصرت واحتلت يوم 13 أبريل 1903، بعدما فر من كان بداخلها من جنود إلى مليلية المحتلة. وقد كان الشريف أمزيان رغم النفوذ والقوة التي اكتسبتها حركة بوحمارة في الريف، من الزعماء الأوائل الذين وقفوا بجانب المخزن ضد بوحمارة، إلى جانب كل من الشيخ أحمد بن عمر أوعاس المزوجي، ومحمادي بن علي زريوح الفرخاني. فحارب بوحمارة باللسان والسلاح، محذرا سكان الريف من كذبه، مبينا لهم أن اسمه الحقيقي هو الجيلالي الزرهوني وليس المولى امحمد بن السلطان العلوي الحسن الأول، كما كان يدعي. وبسبب الصدى الكبير الذي لاقته معارضته لبوحمارة بين الناس أصدر هذه الأخير أمرا بالقبض عليه. لكن تقدير الناس له جعلهم ينبهونه لنوايا بوحمارة، ففر مع مجموعة من أتباعه في بداية 1907 متوجها إلى منطقة ملوية حيث كان الجيش المخزني يعسكر، فحارب في صفوفه، إلى أن أنهكهم القتال بسبب انقطاع الإمدادات من طرف المخزن المركزي، فلجأ مع بقايا الجيش إلى مليلية المحتلة في يناير من سنة 1908 [3].
وبعد انكشاف تواطئ بوحمارة مع الأجانب في اقتطاع أجزاء من بلاد الريف والسماح لهم باستغلال ثروات المنطقة، وبعد انتقال الشريف أمزيان من مليلية إلى برج سيدي بشير المحتل، بدأ في تحريض الناس علانية للثورة على بوحمارة، وضد الاحتلال الإسباني خفية. وبسبب نشاطه ضد الإسبان أبعدته السلطات الإسبانية إلى مدينة مليلية ووضعته تحت أعينها ومراقبتها هناك. وبعد محاولات عدة تمكن من إقناع الحاكم العسكري لمليلية الجنيرال خوسي مارينا José Marina بالسماح له بمغادرة مليلية، ثم التوسط له لدى بوحمارة، فسمح له بالرجوع إلى قبيلة أيت بويفرور. وقد سمح له تحرره من المراقبة الإسبانية من التنقل ين الأسواق والقبائل من أجل دعوة الناس للثورة ضد بوحمارة ومبايعة المولى عبد الحفيظ. وقد لاقت دعوته نجاحا كبيرا بين الناس والقبائل، الأمر الذي اضطر بوحمارة وقواته من الانسحاب من المنطقة خصوصا بعد هزيمته أما قبيلة بني ورياغل. ونتيجة لذلك اجتمعت القبائل على اختياره قائدا لها في أكتوبر 1908، وفي نفس الاجتماع تمت مبايعة المولى عبد الحفيظ. وقد اضطرت تلك التحولات بوحمارة إلى الانسحاب النهائي من سلوان في نهاية سنة 1908.
ورغم محاولات الإسبان استغلال الفراغ الذي تركه غياب أي سلطة فعلية للمخزن في المنطقة، من أجل توطيد أقدامهم في المنطقة، فإن مخططاتها اصطدمت بمعارضة شديدة من طرف الشريف أمزيان الذي رفض كل العروض التي قدمها له الإسبان، مصرا على أن التعامل مع الإسبان في شأن يخص الريف يجب أن يمر عبر مخاطبة السلطان بشكل مباشر[4]. وقد عبر عن موقفه هذا عندما قال: ” إن أمر استغلال المعادن من اختصاص سلطان المغرب بفاس المولى عبد الحفيظ لا من اختصاصنا، وإن المجاهدين معه لا يفرطون في شبر واحد من أرضهم ليطأها الجندي الإسباني”[5].
الكفاح المسلح ضد الإسبان
وبسبب عجز السلطان المخزن عن مساعدة سكان المنطقة في مواجهة المخططات الإسبانية في المنطقة، فإن الشريف حزم أمره لوضع حد لأشغال ورش بناء السكة الحديدية الرابطة بين مناجم الحديد والرصاص بايت بويفرور (ويكسان وأحرشاون) وميناء مليلية، فقاد هجوما على ورش الإشغال بموضع “سيدي موسى” بالقرب من مليلية، وذلك صبيحة يوم 9 يوليوز 1909، فرد الجيش الإسباني على ذلك بالخروج من مليلية والتوغل في أراضي قبيلة قلعية، فاحتل بعض المواقع الإسترتيجية جنوب مدينة مليلية المحتلة. وقد مثل هذا الهجوم والرد الإسباني نقطة البداية لسلسلة من الملاحم البطولية التي سطرتها المقاومة الريفية بقيادة الشريف محمد أمزيان.
وفي 23 يوليوز 1909، تحرك الإسبان لوضع حد لهجمات المقاومة الريفية، لكن هؤلاء كانوا لهم بالمرصاد، فطردوهم حتى أسوار مليلية المحتلة، فهزموهم شر هزيمة. وهي الهزيمة التي لم تكد تصل أخبارها إلى الرأي العام الإسباني المناهض في الأصل للحرب في الريف، حتى عمت موجة خطيرة من الاضطرابات البلاد خصوصا في مدينة برشلونة، التي حدثت فيها انتفاضة ضخمة سميت فيما بعد ب “الأسبوع الدامي”[6].
ورغم التفوق العسكري للإسبان في العدد والعدة، إلا أن المقاومة كبدت الغزاة هزيمة قاسية في معركة إغزر (أخندوق) أوشن: تعرف لدى الإسبان ب EL Barranco del Lobo أي وادي الذئب، حيث تمكن خلالها المقاومون من وقف زحف قوات من النخبة الإسبانية بقيادة الجنرال الشهير بينتوس Pintos، وانتصرت عليها في أبواب مليلية، وذلك يوم 27 يوليوز 1909. وقد أعادت المقاومة نفس السينايو في معركة ” سوق الخميس” في 30 شتنبر 1909.
وبعد اضطرار المخزن إلى توقيع اتفاق مع اسبانيا بمدريد في 16 نونبر 1910، والذي خول لإسبانيا امتيازات كثيرة في المغرب، وكرس احتلالها للمناطق التي استولت عليها، انتقل الشريف أمزيان إلى الضفة اليسرى لنهر كرط بقبيلة بني سعيد، فتمركز في موقع سوق جمعة ماورو الإسترتيجي، الذي يسمح له بمراقبة تحركات العدو. وبعد محاولة توسع الإسبان فيما وراء كرط، وجد هؤلاء أنفسهم متورطين في حرب حقيقية مختلفة عن حرب 1909، لأن المقاومين تحولوا من وضع الدفاع إلى الهجوم العام، مخترقين تحصينات العدو، متوغلين داخل القبائل المحتلة. وبسبب خطورة الوضع حضر وزير الحربية بنفسه ليتولى قيادة العميات[7]. فمع بداية 1912 كان وضع إسبانيا حول مليلية المحتلة خطيرا، حيث كانت الجبهة ممتدة أكثر من اللازم، إضافة إلى صعوبة وصول وحدت الإمداد لتموين المواقع الأمامية عبر مناطق يسيطر عليها المقاومون.
الاستشهاد بأيادي ريفية مغربية
وفي 15 مايو 1912 وقع ما لم يكن في حسبان المقاومين، وذلك عندما كان الشريف محمد أمزيان يقوم على ما يبدو بجولة استطلاعية، فأصبح في مواجهة عدد من جنود العدو، ولم يكن بوسعه تفاديهم أو مهاجمتهم، وعندما اكتشف أنهم من القوات النظامية، أي ريفيين مجندين في صفوف العدو، تقدم نحوهم من أجل التحدث إليهم، غير أنهم بادروه بإطلاق النار فسقط الشريف محمد أمزيان شهيدا. فكان استشهاده ضربة كبيرة لوحدة القبائل الريفية، لأن أمزيان كانت تتجسد فيهم وحدتهم[8]
المراجع
[1] اللوه العربي، المنهال في كفاح أبطال الشمال، سبريس، تطوان، 1982، ص 203.[2] - معلمة المغرب، مصطفى أربيب، مادة أمزيان محمد الشريف، الجزء الثالث، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، 1989، ص 757.[3] معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 758.
[4] معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 758.
[5] الصنهاجي عبد الرحمن، مذكرات في تاريخ حركة المقاومة وجيش التحرير المغربي من 1947-1986، مطبعة فضالة، ط1، 1987، ص 32.
[6] عياش جرمان، أصول حرب الريف، ترجمة محمد الأمين البزاز وعبد العزيز التمسماني خلوق، الشركة المغربية المتحدة، الرباط، 1992، ص 139.
[7] معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 759.
[8] أصول حرب الريف، مرجع سابق، ص 145.