المحتويات
العلامة أبو علي الأحسن بن محمد بن محمد أبي جماعة الإيكَيضي والبعقيلي؛ نسبة إلى قرية بعقيلة إحدى فروع قبائل إداولتيت الموجودة غرب الأطلس الصغير (سوس)، الولتيتي الحسني[1].
الولادة والنشأة
ولد الشيخ البعقيلي مطلع القرن 14 الهجري (1301ه/1883م) بقرية إيكضي، نشأ يتيما، حيث توفي أبوه وهو في الثامنة من عمره، فأجبر على ترك التعلم إلى أن بلغ الرابعة عشرة فغادر قريته في اتجاه قرية تاسيلا أوزاريف ليستكمل هناك حفظ القرآن الكريم، بعد صعوبة ومشقة، فافتتح طلب العلم عند الأستاذ أحمد المافامات، ثم أخد عن شيوخ آخرين، منهم أبو القاسم التجرمونتي في المدرسة الإلغية، وعن سيدي المحفوظ الأدوزي في مدرسة سيدي بوعبدلي، وعن سيدي أحمد البوزيكي الكسيمي.
الرحلة في طلب العلم
وفي سنة 1321هـ/ 1903م تعرف في مدرسة “أخليج” منطقة أوريكة نواحي مدينة مراكش على الشيخ العلامة السيد الحاج علي المسفيوي -رحمه الله- وأخذ عنه الطريقة التيجانية، ثم شق طريقه في التطواف، ليلتحق بسوس ويطوف بعدد من مدارسها العتيقة وحصل على يد شيوخها ما كتب له من علوم ومعارف؛ وخاصة على يد الحاج مسعود الوقفاوي في مدرسة “بوابوض”. ثم شد الرّحال هذه المرة إلى مدينة فاس فنزل بمدرسة الصفارين مدة تسعة أشهر، والتحق بجامع القرويين فتلقى عددا من العلوم على يد مشايخه، وكان ذا حظوة عند أحد مشايخه فأمره بالسفر إلى “شراگة ” للعناية بالمقدم ابن السلطان وتعليم أبنائه. ومن هناك سافر إلى مدينة القصر الكبير و سكن بها و درّس العلم و نشر المعرفة بالمدينة ونواحيها حتى شهدت المنطقة يقظة علمية على يديه، وغادر القصر الكبير في اتجاه مدينة سطات ليسكن بها مدة ثمانية أشهر يدرس بزاويتها، ومنها إلى قبيلة الخزازرة بالشاوية وهناك قام بنشاط كبير علما وطريقة.
وفي سنة 1345 هـ/ 1926م، سافر إلى الحرمين الشريفين لأداء فريضة الحج. وفي سنة 1348هـ/ 1929م انتقل إلى مدينة الدار البيضاء حيت سيقطن بها ويحط بها الرحال نهائيا، مع الحفاظ على أسفاره، يتفقد القرى والمدن التي كلف بالسفر إليها. وفي سنة 1353هـ/ 1934م أنشأ مطبعته العربية التي طبع فيها كتبه وكتب غيره وساهم بها في نشر العلم و الوعي، كما بنى بالدار البيضاء عدة زوايا منها زاويته الكبيرة بدرب غلف وعمّرها بالعلم والذكر و استقبال الزوار والخطبة يوم الجمعة.
آثاره ومآثره
في مجال الطريقة:
تلقى الإذن في الطريقة أولا عن المقدم العلامة الأستاذ سيدي الحاج علي المسفيوي سنة 1321هـ/ 1903م بمنطقة أويكة (إقليم الحوز)، ثم سيدي الحاج الحسين الإفراني مؤسس الزاوية التيجانية بتزنيت، وسيدي عبد الله القشاش الصويري، وعلي الإكسيلي، والطيب بن أحمد بن الطيب السفياني، وسيدي محمود التيجاني -رضي الله عنه- الذي كلفه بالإشراف على جميع الزوايا بالمغرب وعلى تصحيح الإجازات لمقدميها. وقد كان له باع طويل في نشر الطريقة التيجانية حيث أنشأ ما يزيد عن 150 زاوية في جميع أنحاء المغرب، وقام بالاعتناء بها وترميمها وإصلاحها وتيسير مصاريفها ونفقاتها.
في مجال العلوم:
خلف الشيخ الحسن البعقيلي حوالي 37 كتابا، كما خلف مئات الرسائل والفتاوى والإجازات والإجابات، ومعظم هذه الكتب والتآليف في علوم الفقه والحديث و التفسير وعلم الكلام والنحو وأصول الفقه والأنساب ثم التصوف الذي دارت حوله أغلب مؤلفاته، ولا زال أغلب هذه الأعمال مخطوطا. وفيما يلي قائمة بعناوين آثاره العلمية المطبوعة:
- “إراءة عرائس شموس فلك الحقائق العرفانية بأصابع حق ماهية التربية بالطريقة التجانية”؛ وهو أهم وأشهر كتبه على الإطلاق، ويقع هذا الكتاب الفريد في جزأين و هو كتاب متفرد في بابه، جمع فيه مؤلفه رضي الله عنه ما تفرق في غيره من كتب الطريق وأتى فيه بزبدة ما ألف في دقائق التصوف.
- “الشرب الصافي من الكرم الكافي على جواهر المعاني”؛ و هو حاشية مفيدة نفيسة غريبة على ألفاظ كتاب جواهر المعاني. (في جزأين).
- “مقاصد الأسرار والخفى والجواهر المرضية والكاملة في نهاية الأخفى”؛ وهو في التفسير، و يقع في 6 أجزاء، وقف فيه عند نهاية الحزب الخامس من القرآن الكريم، وسلك فيه رضي الله عنه مسلكا عجيبا في التأليف و منهجا غريبا في تحليل أسرار آيات الله مما يدل على غزارة علمه و اطلاعه الواسع فقد جعل سورة الفاتحة وحدها جزأ مستقلا.
- “سوق الأسرار إلى حضرة الشاهد الستار”؛ وهو كتاب في التوحيد الخاص وإفراد الوجهة إلى حضرة الألوهية.
- “الزلال الأصفى واللباب المحض الأوفى”؛ في الفقه محاذيا به الشيخ خليل، وبين فيه ما هو الحق والراجح و المشهور وما تجب به الفتوى وكل ذلك بأسلوب متين واضح.
- “رفع الخلاف والغمة فيما يظن فيه اختلاف الأمة”؛ في علم الأصول في جانبه المتعلق بالمقارنة بين المذاهب والتوفيق بين أئمتها.
- “الإشفاق على مؤلف الاعتصام مما جناه و أفكه على أهل الإسلام”؛ وهو كتاب جادل فيه الإمام الشاطبي في منهجه في التبديع الذي رأى فيه إفراطا و تحجيرا.
- “إعلام الجهال بحقيقة الحقائق بأسنة نصوص كلام سيد الخلائق ممزوج بالمولد النبوي في مدح أصل النبي المولوي”.
- “إيضاح الأدلة بأنوار الأئمة”؛ بين فيه عقيدة الأشعري وغيره.
- “ترياق لمن فسد قلبه ومزاجه”؛ في الرد على الفقيه محمد الحجوي.
- “حاشية على شرح السيوطي على ألفية ابن مالك”.
- “تبيين الأشراف أهل دائرة الوسائل و قبلة التوجه لكل سائل”؛ في أنساب الأشراف و هو (في جزأين).
- “تحفة الأطفال”؛ في النحو.
- “تحقيق الحقائق في الكشف عن مقالات أهل الطرائق” (في جزأين).
- “رسالة الولدان من فارس أهل الميدان”؛ نصائح موجهة إلى الشباب.
وفاته
بقي الشيخ على نشاطه إلى أن مرض عام 1367هـ/ 1947م مرضا كابده طيلة سنة واشتد عليه شهرين قبل وفاته وكانت وفاته ليلة الجمعة عاشر شوال عام 1368 هـ الموافق ل 1949م على الساعة الثانية عشر وثلث ليلا، وكان يوم جنازته يوما مشهودا حضره خلق لا يحصى من العلماء و المقدمين والفقراء والمحبين وغيرهم. وتولى الصلاة عليه ابنه العلامة سيدي محمد الحبيب ودفن بمقبرة طريق أولاد زيان –الدار البيضاء. وبعد وفاته بنحو خمسين سنة نقل رفاته صبيحة يوم الخميس 25 محرم 1417هـ/ 1996م ليدفن بمقبرة الغفران –الدار البيضاء فوجدوه كما هو لم يتغير منه شيء.