المحتويات
النشأة والتكوين
يعتبر الأب جيكو من رواد كرة القدم بالمغرب، وإسمه الحقيقي هو محمد بلحسن العفاني التونسي، ينتمي إلى أسرة ثرية وعالمة من منطقة سوس وسط المغرب. ولد بمنطقة إسافن نواحي مدينة تارودانت سنة 1900. وقد تلقى مبادئ القراءة والكتابة في سن مبكرة على يد والده، الذي تخرج من جامعة الزيتونة بتونس. ولأغراض تجارية هاجرت أسرته إلى مدينة الدار البيضاء، وفيها قضى محمد سنوات التعليم الإبتدائي والثانوي إلى أن نال شهادة الباكلوريا سنة 1918 حيث كان من المغاربة الأوائل الذين نالوا شهادة الباكلوريا بالمدارس الفرنسية سنة 1918 من ثانوية ليوطي. وفي سنة 1922 رحل إلى فرنسا لمتابعة دراسته في الإقتصاد، وبعد تخرجه عاد إلى المغرب فشغل منصب وكيل مفوض للقرض العقاري للجزائر وتونس لمدة 15 سنة، أي من سنة 1932 إلى سنة 1947[1]. أما لقب “الأب جيكو” (Père Jégo) الذي صاحبه طوال حياته وبعد مماته فقد أطلقه عليه أحد الصحفيين الفرنسيين إذ كان يُشبِّهه في تعاليقه بأحد اللاعبين الفرنسيين اسمه بيير جيكَو Pierre Jégo.
الشاب السوسي المتعدد المواهب
كان أبوه من التجار السوسيين الكبار، وكان كثير السفر، فكان ابنه محمد يرافقه في أسفاره تلك، فاستطاع أن يتعلم بعض اللغات الأجنبية وخاصة الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والبرتغالية بالإضافة إلى اللغة الأمازيغية والعربية. كان محمد بلحسن متعدد المواهب محبا للأسفار مولعا بالتجارة، كما كان بارعا في الشطرنج بالإضافة إلى حبه لكرة القدم. ففي فرنسا تعرف على عالم كرة القدم، ولما رجع إلى المغرب التحق بفريق الإتحاد الرياضي بالدار البيضاء، ولعب فيه إلى نهاية العشرينيات من القرن العشرين. سافر بعدها إلى انجلترا قصد متابعة التكوين في مجال التدريب، وكان بذلك أول مغربي يتلقى التكوين والتدريب في هذا المجال.[2]
وبحكم نبوغه وتكوينه الدراسي واحتكاكه بالجاليات الأوربية فقد كان يجيد اللغة الفرنسية بشكل كبير، بل كان كاتبا مبدعا نظم الشعر وحرر المقالات الأدبية والسياسية والرياضية في العديد من الجرائد سواء في فترة الحماية أو فترة الإستقلال. وفي سنة 1935 كان الأب جيكو أول صحفي رياضي مغربي يكتب مقالا باللغة الفرنسية في جريدة لو بوتي كازابلانكي (Le Petit CASABLANCAIS)[3]. كما عمل مذيعا براديو ماروك بالفرنسية، وكان أول صحفي رياضي مغربي، وأول من تحدث عن المباريات وطريقة اللعب والخطط، إلى جانب عمله كموظف بنكي[4].
وقد شارك الأب جيكو بماله وقلمه في النضال الوطني ضد الإحتلال الفرنسي، بل وانخرط في العمل الجهادي المباشر، حيث كان طرفا في عدد من العمليات الفدائية، وأصيب في إحداها وكاد يهلك من جراء تلك الإصابة. ثم انخرط في العمل النقابي ب”الإتحاد المغربي للشغل” وكان عضوا نشيطا به إلى آخر أيامه، هذا بالإضافة إلى عمله في الميدان الصحافة[5].
الريادة في الرياضة
في المجال الرياضي الذي برع فيه أيضا، فقد كان معلمة رياضية وطنية، فهو المؤسس لأعرق الأندية الوطنية في فترة الإستعمار الفرنسي: الوداد البيضاوي والذي حقق معه العديد من الألقاب المحلية وعلى صعيد شمال أفريقيا في فترة الحماية. وقد بدأ مساره كلاعب ومسير، وأشرف أولا على تدريب فريق اليوسا (USA)، ثم الرجاء، كما كان من بين الأعضاء المؤسسين للجامعة الملكية لكرة القدم.[6]
لقد بدأت إذن علاقته بعالم المستديرة بلعبه كظهير أيمن لفريق اليوسا (بطل العصبة المغربية لسنتي 1927 و1929). وبسبب ميولاته الوطنية الواضحة ورغبته في توظيف كرة القدم كوسيلة للنضال ضد الإستعمار الفرنسي، انضم إلى مجموعة من الوطنيين الذين أسسوا سنة 1937 فرع كرة القدم لواد الأمة بعد تأسيس الحاج بنجلون ورفاقه لفروع أخرى قبل ذلك، فشغل منصب أول كاتب عام للفريق. وكان بلحسن (الأب جيكو) ممول الفريق حيث كان يتحمل مصاريف ملابس اللاعبين وكرات وتنقلات. وأثناء وجوده على رأس الفريق استطاع أن يفوز بأربعة ألقاب للدوري، وثلاثة ألقاب في دوري شمال أفريقيا[7].
وقد بدأت إسهاماته مع فريق الوداد البيضاوي كلاعب وفيما بعد كمدرب رئيسي للفريق وككاتب عام وذلك لمدة 15 سنة، وبسب خلافه مع أحد المكاتب المسيرة قرر مغادرة القلعة الحمراء. وتزامنت هذه المغادرة مع وفاة والده الأمر الذي دفعه إلى الإعتكاف والإبتعاد عن مدينة الدار البيضاء، خاصة بعد إصابته بمرض السكري.[8] ويروى أن السبب الذي دفعه إلى مغادرة فريق الوداد، يعود إلى طريقتة تدبيره للفريق، بحيث كان يتخذ القرارات دون استشارة رفاقه في تسيير الفريق حيث كان يعتبر الفريق فريقه، إذ هو من يموله، ما أغضب زملاءه، فانتهزوا فرصة ذهابه لقاء عطلته في مسقط رأسهن فقاموا بطره من الفريق.[9]
وبعد خروجه من حالة العزلة التي عاشها بعد مغادرة القلعة الحمراء ومدينة الدار البيضاء، عاد إلى هذه الأخيرة فالتحق الأب جيكو بفريق الرجاء البيضاوي، ليشكل ذلك ولادة جديدة وحقيقية لهذا الفريق وذلك بعد سبع سنوات من ولادته الرسمية سنة 1949، واستمر الأب جيكو في بصم فريق الرجاء بأسلوبه لمدة 13 سنة ليتقاعد سنة واحدة قبل مماته.[10] وبفضل الأب جيكو استطاع فريق الرجاء أن يقف ندا لفريق الوداد.
كما أسس الأب جيكو أول مدرسة لكرة القدم على أسس علمية، كما كان يتراسل مع أشهر المدربين العالميين. وكان أول مغربي يحضر تظاهرة كأس العالم لكرة القدم بدعوة من الفيفا FIFA.
وبفضل إنجازاته في مجال كرة القدم المغربية كلاعب ومدرب ومسير، فقد وشحه الملك محمد الخامس بوسام الإستحقاق سنة 1957.
وفاته
توفي بالدار البيضاء يوم 25 جمادى الثانية 1390/ 29 غشت 1970. وقد أطلق أسمه على أحد ملاعب لكرة القدم بالدار البيضاء تخليدا لذكراه؛ “ملعب الأب جيكو”. وقد توفي معزولا وفقيرا بعد أن وهب ماله وحياته للوداد والرجاء. فرغم كونه طيلة حياته ميسورا، وهو سليل أسرة ثرية، فإنه وافته المنية فقيرا وحيدا بين أبنائه في غرفة متآكلة بالرطوبة ببوشنتوف بحي درب السلطان بالدار البيضاء، وذلك بعد أن أنفق كل ممتلكاته وماله في خدمة المغرب وشبابه في جميع الميادين.
المراجع
[1] بلعربي محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، الجزء 10، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، 1998، ص 3228-3229.[2] كيكر عبد الله، من أعلام سوس في القرن العشرين، ج 2، مطبعة الرباط نت، 2021، ص 182.
[3] اجديرة أحمد، نجم من الزمان الجميل..الأب جيكو العبقري المنسي، البطولة، 26-11-2014 (على الرابط: https://www.elbotola.com/article/2014-11-26-11-34-68.html .
[4] كيكر عبد الله، من أعلام سوس في القرن العشرين، مرجع سابق، ص 182.
[5] بلعربي محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 3228-3229.
[6] بلعربي محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 3228-3229.
[7] كيكر عبد الله، من أعلام سوس في القرن العشرين، مرجع سابق، ص 182.
[8] اجديرة أحمد، نجم من الزمان الجميل..الأب جيكو العبقري المنسي، مرجع سابق (على الرابط: https://www.elbotola.com/article/2014-11-26-11-34-68.html ).
[9] كيكر عبد الله، من أعلام سوس في القرن العشرين، مرجع سابق، ص 182.
[10] اجديرة أحمد، نجم من الزمان الجميل..الأب جيكو العبقري المنسي، مرجع سابق (على الرابط: https://www.elbotola.com/article/2014-11-26-11-34-68.html ).