توطئة

ابن عذاري، أحد مؤرخي المغرب الأقصى الذين لم ينالوا حظهم في البحث والترجمة بالرغم من مكانته المرموقة بين مؤرخي المغرب، وأحد المؤرخين الذين كاد التاريخ أن ينساه، بحيث غفل عن الترجمة له المؤرخون وكتب التراجم، أو ضاع ما كتب حوله، الأمر الذي يفسر تواضع ما وصل إلينا حول حياته وتقلباتها باستثناء ما حرر من أخبار حول نفسه في كتابه المشهور “البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب”، والذي يمكن عده من أهم مصادر تاريخ الغرب الإسلامي من فترة الفتح الإسلامي إلى السنين الأخيرة للدولة الموحدية في النصف الثاني من القرن السابع الهجري. ولا أدل على ندرة ما كتب حول الرجل هو أنه من المؤرخين الذي طال إسمه وكتاباته الجهل والخلط والاضطراب لفترات تاريخية طويلة. وبسبب عدم وجود مصادر كافية للترجمة لحياة ابن عذاري فإننا لا نملك معطيات مهمة حول تفاصيل حياته ومراحل تعلمه وطلبة للعلم، ومعلومات حول أساتذته وشيوخه، باستثناء بعض النتف هنا وهناك.

ابن عذاري.. الإسم والنشأة

من الحيثيات التي يصادفها المهتم بترجمة ابن عذاري المراكشي هو الإضطراب الذي لحق إسمه الكامل الذي لم يكن معروفا لمدة طويلة إلى أن اكتشفت نسخ خطية جديدة من كتاب البيان المعرب في الخزانة الملكية بالرابط والتي كشف عن إسمه الكامل وهو: أبو العباس أحمد بن محمد بن عذاري. فلم يكن قبل ذلك يعرف من إسمه إلا ابن عذاري. ومن مظاهر هذا الخلط والجهل في اسمه أيضا ما وقع فيه المؤرخ محمد الصغير الإفراني من خلط اسمه بان عذاري البلنسي آخر وبالعباس ابن إبراهيم.[1]

ومن مظاهر ذلكم الاضطراب كذلك، كما ذكر محمد بنشريفة، هو الإختلاف في ضبط كلمة “عذاري” في إسمه، بحيث أوردها المستعربون بكسر العين، في حين يبقى الصواب هو فتحها لأنها جمع عذراء. فقد شكلت الكلمة بالفتحة في ترجمة شخصية أخرى لها علاقة بمترجمنا وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد البلنسي المعروف بابن عذاري، والذي عاش إلى نهاية القرن السادس الهجري. وقد يكون المؤرخ ابن عذاري من قرابة هذا أو ذريته وربما تكون هذه الأسرة لجأت إلى مراكش بعد إخراج المسلمين من بلنسية عام 636هـ.[2]

عاش ابن عَذاري في مدينة مراكش وبها نشا على ما يبدو، وعاصر نهاية الدولة الموحدية وشطرا غير يسير من عهد الدولة المرينية ابتداء من فترة حكم أبو يوسف يعقوب المريني وانتهاء بفترة أبي سعيد عثمان، وهي فترة تميزت بنوع من الاستقرار السياسي والازدهار العلمي. وهي الفترة التي برز فيها عدد من العلماء والأدباء كمالك بن المرحل، وابن آجروم الصنهاجي، والمحدث الأديب ابن رُشيد، والرياضي المشهور ابن البناء المراكشي. وقد تحدثت بعض المصادر عن ع أن أصوله تعود إلى الأندلس، لكننا لا نملك أية إشارة موثوقة حول الأمر، كما لا يعرف تاريخ محدد لولادته، ولا معلومات عن أبويه ونسبه الحقيقي، باستثناء نسبته إلى مراكش.

وقد كانت لابن عذاري صلات بالمؤرخ ابن عبد الملك المراكشي قاضي الجماعة في مدينة مراكش، وقد نقل عنه بشكل مباشر، كما سمع بعض الأخبار عن المؤرخ صالح ابن عبد الحليم الأيلاني. كما كانت له صلات أيضا ببعض رجالات الدولة الموحدية كأبي عمران بن تيجا الذي نقل عنه أخبار المرتضى الموحدي.[3] ويبدو من تتبع ما أورده في “البيان المغرب..” إن ابن عذاري عاش إلى أوائل القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، فقد كان حيا في سنة 712هـ/1312م، وذلك على عكس ما أورده عدد من الإخباريين الذين ذكروا أن وفاته كانت حوالي 695هـ.

ابن عذاري و”البيان المغرب”

من حسن حظ المؤرخين وومنهم خاصة المهتمين بالعصر الوسيط في الغرب الإسلامي، أن كتاب “البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب” لابن عذاري المراكشي قد وصل إلينا. وهو من المصادر التاريخية المهمة للفترة الوسيطية بالنظر إلى اعتماد صاحبه على الرواية عن معاصري أحداث تلك الفترة.

يقع الكتاب في ثلاثة أجزاء، يتعلق الجزء الأول منه بذكر تاريخ الإمارات والدول التي قامت في المغرب الأقصى والأوسط والأدنى من الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة المرابطية. أما الجزء الثاني فقد خصصه لتاريخ الأندلس منذ الفتح الأول إلى دخول المرابطين عام 478هـ. في حين تعلق الجزء الثالث بأخبار المرابطين والموحدين والحفصيين والنصريين ويقف عند استيلاء بني مرين على مراكش عام 667هـ.

ويعود الفضل في إخراج الكتاب من دائرة الظل إلى الضوء إلى عدد من المستعربين، وخاصة للمستشرق رينهارت دوزي (R. Dozy) الذي حقق ونشر الجزأين الأول والثاني ما بين عامي 1848 و 1851م، وطبعهما بمدينة ليدن الهولندية. ثم جاء المستشرق الفرنسي  ليفي بروفنصال (L. Provençal) لينشر الجزء الثالث من الكتاب عام 1929م.  وعاد بروفنصال وجورج كولان (Georges Séraphin Colin) عامي 1948 و1951 لنشر الجزأين الأول والثاني بمدينة ليدن. وفي سنة 1967 نشر الكتاب في أربعة أجزاء عن دار الثقافة ببيروت. كما حقق المستعرب الإسباني هويسي ميراندا (A. H. Miranda)  أحد أقسامه (القسم الثالث)، بمساهمة محمد ابن تاويت ومحمد الكتاني ونشر في تطوان عام 1963م. وفي سنة 1985م حقق ونشر جماعة من الباحثين (محمد ابن إبراهيم الكتاني – محمد بن تاويت – محمد زنيبر – عبد القادر زمامة) في بيروت القسم الخاص بالموحدين من الكتاب. وفي عام 2013 طبع الكتاب مرة أخرى في ثلاثة أجزاء عن دار الغرب الإسلامي بتونس تحت عنوان “البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب”، وهو من تحقيق بشار عواد معروف وابنه  محمود بشار عواد.[4]

إضافة إلى كتابه المشهور “البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب”، وهو الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا، فإنه هناك مؤلفات أخرى مفقودة ولم يصلنا منها شيء، وقد ذكرها في “البيان”، وهي: كتاب “البيان المُشْرِق في أخبار المَشرق”، وكتاب “صلة البيان المغرب”، بالإضافة إلى كتاب حول أخبار يزيد بن معاوية.

المراجع
[1] بنشريفة محمد، معلمة المغرب، ج18، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2003، ص 6011.
[2] بنشريفة محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 6011.
[3] بنشريفة محمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 6011.
[4] ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، ج1، تحقيق بشار عواد معروف ومحمد بشار عواد، دار الغرب الإسلامي، تونس، ط1، 2013، ص 05-07.