
المحتويات
مقدمة
ابن الونان أحمد بن محمد (ت. 1187ه/1773م)، شاعر مفوه من رجالات القرن 18م، وهو من الأدباء الذين عاصروا فترة حكم المولى محمد بن عبد الله العلوي. ويبقى أشهر ما عرف به ابن الونان أنه مبدع بقصيدة مشهورة ومعروفة ب”الشمقمقية”. وهو من الشخصيات المعروفة في عصره بامتلاكه ناصية اللغة العربية وبالنظم الشعري على شاكلة شعراء اللغة العربية القدماء، ويقارن فيه بالعلامة والأديب اللامع أبو علي الحسن اليوسي، وهو ما ظهر في القصيدة/الأرجوزة الشمقمقية، خاصة وأن ابن الونان نظم القصيدة في عصر عرف فيها الأدب العربي انحطاطا ملاحظا سواء في المشرق أو في المغرب، وهو ما أعطى للشمقمقية وصاحبها ابن الونان شهرة كبيرة إلى اليوم. وعرف عن ابن الونان اعتداده بنفسه ونسبه وبنبوغه الأدبي وتمكنه من ناصية اللغة العربية. ورغم شهرة الرجل وشمقمقيته فإن المعلومات المتوفرة عنه تبقى قليلة، فهو: “الشخص الذي بقدر ما عُرِف جُهِل، وكما ذُكِر نُسي، ومعرفته وذكره متأتِّيان من أرجوزته المعروفة ب (الشمقمقية) التي نحمد الله على سلامتها من عوامل الفناء”، كما قال العلامة عبد الله كنون[1].
النسب والنشأة
يقول العلامة عبد الله كنون عن نسب ابن الونان: “هو أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن الوَنّان، الحميري النسب، الملوكي القبيل، التواتي الأصل، الفاسي الدار”[2]. واشتهرت أسرته في فاس بإبن الونان. ولا يعرف تاريخ لولادته رغم أن الفترة التي عاش فيها ليست ببعيدة العهد عن عصرنا. وقد عرف عن ابن الونان كثرة الإفتخار بنسبه وأصوله ونبوغه الأدبي، وهو القائل[3]:
سل ابن خلدون علينا فلنا *** بيمن مآثر لم تمحق
وسل سليمان الكلاعي كم لنا *** من خبر بخيبر وخندق
ويوم بدر وحنين وتبو *** ك والسويق وبني المصطلق
بهم فخرت ثم زاد مفخري *** بأدبي الغض وحسن منطقي
كان والده محمد نديم السلطان محمد بن عبد الله العلوي والذي كناه ب “أبي الشمقمق” تشبيها له بالشاعر الكوفي الشهير، فانتقلت هذه الكنية إلى ابنه أحمد ولزمته أيضا، بل وسميت به أرجوزته الشمقمقية. ورغم أن والده كان شديد الصمم فإنه كان أديبا ظريفا، خفيف الروح، لطيف الحسن، صاحب نوادر ومِلَح.[4]
وذكرت بعض المصادر أن ابن الونان تلقى دروسه العلمية بفاس على يد ثلة من العلماء كمحمد بن قاسم جسوس، وعمر الفاسي، ومحمد التاوُدي ابن سودة، ومحمد بن الحسن بنّاني وغيرهم. كما أخذ الشعر والأدب عن والده فنبغ في ذلك أيما نبوغ وهو ما ظهر في نظم الشمقمقية.
بعد وفاة والده تمكن من اللقاء بالسلطان محمد بن عبد الله، رغم المشاق التي اعترضت طريقه للوصول إليه. فقد تحين فرصة خروج السلطان واعترضه في موكبه وصعد نَشْزا عاليا من الأرض ونادى بأعلى صوته:
يا سيدي سِبْطَ النبِي *** أبو الشمقمق أبي
فعرفه السلطان وأمر بإحضاره بعد بلوغه غلى منزله فحضر وانشد الأرجوزة التي نالت رضى السلطان ورفعت مرتبة الشاعر عنده.[5]
الشمقمقية.. أورجوزة ابن الونان
رغم شهرة الشاعر ابن الونان ونبوغه الشعري، فإنه لم تصلنا من آثاره الشعرية والأدبية إلا القليل، منها قطعة شعرية مدح بها السلطان محمد بن عبد الله، ورسالة مسجعة بعث بها إلى الشيخ سيدي المعطي ابن صالح، وقطعة شعرية مدح فيها هذا الأخير، وبيتان في مدح السلطان محمد بن عبد الله، وثلاث أبيات قالها في ترفُّعه عن أخذ الزكاة. وله أيضا نظم رصين لمسائل ابن خميس المعروفة.[6]
تعتبر أرجوزة الشمقمقية من أعظم الآثار الشعرية والأدبية لابن الونان، وهي انعكاس لمستوى شعره ونظمه، وهو الأمر الذي أعجب به عدد غير يسير من الأدباء. ونظم ابن الونان شمقمقيته في 275 بيتا، وتضمنت أغراض شعرية كثيرة، حيث بدأها بالمقدمة الطللية على عادة الشعراء الجاهليين، كما تضمنت الغزل، والحماسة والفخر، وعدد من الحكم والأمثال والوصايا، كما مدح فيها السلطان، والأرجوزة نفسها وتحدى الشعراء أن يأتوا بمثلها، يقول في مطلعها:
مهلا على رسلك حادي الأينق *** ولا تكلفها بما لم تطق
فطالما كلفتها وسقتها *** سوق فتى من حالها لم يشفق
ولم تزل ترمي بها يد النوى *** بكل فج وفلاة سملق
وما ائتلت تذرع كل فدفد *** أذرعها وكل قاع قرق
وكل أبطح وأجرع وجز *** ع وصريمة وكل أبرق
مجاهل تحار فيهن القطا *** لا دمنة ولا رسم دار قد بقى
وقد أورد صاحب “الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية”، محمد الأخضر، أقسام القصيدة الشمقمقية حسب أغراض كل قسم كالآتي[7]:
- وصف السفر والبعد عن الأحبة في مجاهل الصحراء على جمال يسوقها حداة قساة: من البيت الأول إلى البيت 44.
- وصف الحبيبة وتولع الشاعر بها: من البيت 45 إلى 70.
- الفخر والحماسة، حيث يفتخر الشاعر بأورمته وشاعريته: من البيت 71 إلى 106.
- ذم الحسود والرقيب: من البيت 107 إلى 114.
- الحكم والأمثال والنصائح: من البيت 115 إلى 200.
- مدح الشعر والتنويه بشاعرية أبي الشمقمق النموذجية: من البيت 201 إلى 229.
- مدح السلطان محمد بن عبد الله: من البيت 230 إلى 257.
- الإشادة بالقصيدة وتحدى الشعراء أن يأتوا بمثلها: من البيت 258 إلى 275.
ويقول العلامة عبد الله كنون، عن الأرجوزة: “وعلى الجملة، فهي أرجوزة ظريفة جامعة لكثير من فنون الأدب، وأخبار العرب، وهي على عالِمية صاحبها أدل منها على شاعريته”[8]. أما المؤرخ خالد ابن أحمد الناصري فقال عنها: “الله در ناظمها الذي جمع فأوعى، وحاول النظم فأجاد وضعا، وأحسن صنعا”[9]. وفي المقابل يقول عنها محمد الأخضر: “وبالجملة، فإن الشمقمقية أصيلة وفريدة من نوعها، إلا أنها ليست مما يتعذر تقليده ومحاكاته، وليست أسمى من سائر القصائد كما يزعم صاحبها في قوله”[10]:
من كان يرجو من سواي مثلها *** رجا من القربة رشح العرق
ولمكانة الأرجوزة وشهرتها فقد ذكرها ودرسها وكتب عن ناظمها غير قليل من الكتاب والأدباء: كابن عمرو الرباطي من أدباء القرن الثالث عشر الهجرة والتي عارضها، واعتنى بشرحها العلامة أبو عبد الله الجريري السلوي، والعلامة المؤرخ أحمد بن خالد الناصري، والمؤرخ عبد الرحمان بن زيدان، والعلامة محمد المكي البطاوري الرباطي، والعلامة محمد بن عبد السلام السائح والعلامة عبد الله كنون، والشاعر محمد بوجندار، وغيرهم من العلماء والأدباء.[11]
المراجع
[1] كنون عبد الله، ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة، ج2، مركز التراث الثقافي المغربي ودار ابن حزم، ط1، 2010، ص 1329.[2] كنون عبد الله، مشاهير رجال المغرب...، مرجع سابق، ص 1329.
[3] الأخضر محمد، الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، ط1، 1977، ص 298.
[4] كنون عبد الله، مشاهير رجال المغرب...، مرجع سابق، ص 1330.
[5] كنون عبد الله، مشاهير رجال المغرب...، مرجع سابق، ص 1332.
[6] كنون عبد الله، مشاهير رجال المغرب...، مرجع سابق، ص 1336.
[7] الأخضر محمد، الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية، مرجع سابق، ص 303.
[8] كنون عبد الله، شرح الشمقمقية، دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب المصري (بيروت والقاهرة)، ط5، 1979، ص 11.
[9] المريني نجاة، معلمة المغرب، ج22، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلان 2005، ص 7630.
[10] الأخضر محمد، الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية، مرجع سابق، ص 303-304.
[11] المريني نجاة، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7630.