مقدمة

تعتبر شخصية مصطفى الأزموري (الزموري) أو سعيد بن حدو من الشخصيات المغربية البارزة التي طبعت وشاركت بفعالية في تاريخ استكشاف مناطق مهمة من أمريكا الشمالية خلال القرن 16م، ويبقى بذلك من الرموز التاريخية للحضور المغربي القديم في القارة الأمريكية، ورمزا لقدم العلاقة والصداقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية باعتبار هذه الأخيرة أول بلد يعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية. ويدعى الزموري في الأدبيات البرتغالية إستيبانيكو (Estebanico)، وبذلك فهو يعتبر أول مغربي تصلنا معلومات عنه، تطأ أقدامه أرض العالم الجديد أو القارة الأمريكية.

فبعد حوالي مائتي سنة من وفاة الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة (توفي سنة 1377م)، دشن الأزموري رحلة أخرى في أراضي العالم الجديد وذلك بعد سنين قليلة من وصول الرحالة كريستوف كولومبوس إلى القارة الأمريكية. حيث كان الأزموري عضوا في رحلة استكشافية إسبانية، لكن باعتباره عبدا وليس رجلا حرا. ورغم وضعية العبودية تلك، فإن الأزموري ساهم بشكل غير متوقع في استكشاف مناطق واسعة من جنوب أراضي الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، خاصة وأنه تمكن من كسب ود مجتمع الهنود الحمر، بل وأصبح من القلائل الذين استكشفوا مناطق عدة في أراضي ولاية نيو مكسيكو الأمريكية الحالية.

من هو مصطفى الأزموري

برزت هذه الشخصية في سياق تاريخي تميز بالتدخلات العسكرية البرتعالية واحتلالها لعدد من الثغور المغربية على طول السواحل المغربية المتوسطية والأطلسية في الفترة الممتدة بين 1415م و 1515م؛ كمدن: سبتة والقصر الصغير وأصيلا وطنجة والمعمورة وآسفي والبريجة ومزاغان أو مَزيغن (الجديدة) وأكادير… وانطلاقا من هذه الثغور، شرعت الحاميات البرتغالية في انتهاج سياسة الأرض المحروقة، واعتماد اقتصاد الغارة” للإغتناء السريع وتكديس الثروات.[1] وقد كان من نتائج هذه التدخلات على المستوى البشري اختطاف وأسر آلاف المغاربة وتوظيفهم في سوق الرقيق. وقد تفاقمت ظاهرة المتاجرة في سكان هذه الثغور والمناطق المحيطة بها بسبب موجة المجاعات المهلكة التي ضربت هذه المناطق خلال العقود الأولى (بين 1500 و 1521م) من القرن 16م، وخاصة المجاعة الكبرى لسنة 1520م -1521م[2]، “حيث دفعت الفاقة الغذائية الكثير من المغاربة إلى بيع ذويهم وحتى أنفسهم مقابل الحصول على القليل من الأكل”[3].

ومن بين المناطق التي كانت ضحية التوسع البرتغالي وعمليات الإختطاف والتهجير مدينة أزمور، والتي تعرضت للإحتلال البرتغالي في 03 شتنبر عام 1513م. وقد كان من بين المغاربة الذي وقعوا ضحية العبودية في تلك الفترة شخصية الأزموري، وهو من مواليد هذه المدينة التي تقع على مصب نهر أم الربيع، حيث تم بيعه بقادس إلى قبطان إسباني إسمه أندريس دورانتيس دي كرانكا (Andrés Dorantes de Carranca)، وهو الذي أطلق عليه لقب إستيبانيكو (Estebanico) أو إستيبانيو (Estebanillo)[4]. كما أطلقت عليه أسماء أخرى كإستيبان الموري وستيفن زموري، وسعيد بن حدو، وابن الشمس. وتورد بعض المصادر أن مصطفى الزموري كان يتحدث ست لغات، وكان مرشدا في الرحلة الإستكشافية التي كان عضوا فيها خلال مطلع القرن السادس عشر الميلادي، فعمل مترجما ومعالجا ومرشدا.

ورغم شهرة الأزموري ووجود معطيات مهمة حول رحلاته الإستكشافية في أمريكا ضمن بعثة برتغالية، فإن المعلومات تبقى شحيحة حول طفولته ونشأته وغير ذلك من المعلومات التي تؤرخ للمراحل التي سبقت وقوعه في براثين العبودية، وترجح بعض المصادر ولادته حوالي سنة 1503م، أي قبل عشر سنوات من غزو البرتغال لمدينة أزمور.

رحلات الزموري في أمريكا الشمالية

في يونيو من سنة 1527م انطلقت الرحلة الإجبارية للزموري رفقة القبطان الإسباني أندريس دورانتيس دي كرانكا والحاكم بانفيلو دي ناربييس (Panfilo de navaéz) نحو العالم الجديد. وانطلاقا من كوبا جهز الحاكم ناربييس أسطولا ضم خمس سفن تحمل على متنها أربعمائة رجل وثمانين حصانا، فتوجه نحو فلوريدا، وبعد رسو سفنه في خليج طامبا الحالي (tampa) توجه جزء من البعثة  (ثلاثمائة رجل فقط) نحو الغرب بحثا عن الذهب، وكان من بينهم مصطفى الأزموري. وبفعل هجمات الهنود، وصعوبة التحرك في منطقة مليئة بالمستنقعات، اضطر الحاكم دي ناربييس إلى صنع عدة قوارب قصد الإبحار نحو المكسيك، بعد لم يبق من بعثته سوى 240 فردا. وقد استغرقت رحلتهم بالقوارب حوالي أربعين يوما لاقى خلالها أفراد البعثة كل أصناف المعاناة والعذاب بسبب صعوبة الملاحة في خليج المكسيك وقلة المؤونة والماء.[5]

بعد تجاوز البعثة لخليج موبيل (Mobile)، وبالقرب من مصب نهر المسيسيبي، تعرضت الهجوم الهنود مما اضطرها للعودة إلى البحر، وفي عرض البحر تفرقت القوراب بسبب الرياح العاتية قبل أن يستقر اثنين منها في جزيزرة كالفستون (Galveston) بالقرب من تكساس. وبعد أسابيع من المعاناة جراء العواصف والجوع والبرد وهجمات الهنود لم يتمكن من النجاة في هذه البعثة إلا خمسة أشخاص كان من بينهم الزموري. وقد تعرض هذا الأخير رفقة رفاقه للأسر من قبل الهنود الحمر، فعاشوا ظروفا قاسية حيث اضطروا إلى أن يقتاتوا من جذور بعض النباتات والمحار والطحالب والسرطان، وذلك قبل أن يتمكنوا من الفرار في خريف 1534م، وتوجهوا بعد ذلك نحو المحيط الهادي حتى وصلوا إلى كاليفورنيا الحالية، واستقروا إلى جانب قبيلة أخرى مدة ثمانية أشهر، وتعاطوا لمهنة الطب. وبفضل نجاحهم في إشفاء أحد المرضى أطلق الهنود على الزموري ورفاقه لقب أبناء الشمس.[6]

وفي مايو من سنة 1535م انطلق المستكشفون نحو المكسيك جنوبا حتى وصلوا إلى نهر ريو كراندي (Rio Grande)، وذلك قبل العودة مرة أخرى في خريف نفس السنة نحو الشمال حتى تخوم جبال الروكي، ليتوجهوا بعد ذلك في اتجاه الهضاب العليا بالمكسيك في صيف سنة 1536م. وقد صادف تواجدهم في المكسيك وجود انطونيو مندوصا (Antonio Mendoza) الذي عين منذ 1535م نائب الملك الأول لإسبانيا الجديدة. وكان هذا الأخير يرغب في توجيه رحلة جديدة نحو شمال المكسيك، بغرض الكشف عن مدن سيبولا (Cibola) الأسطورية السبع والتي كثر الحديث حولها بشبه الجزيرة الإيبرية منذ قرون عدة. وقد رأى أن يوكل تلك المهمة للأزموري ورفاقه الإسبان، نظرا لما أبدوه من صبر وجلد وقدرة على مواجهة المخاطر، ولما رفض الإسبان المشاركة في الرحلة، اضطر الزموري إلى الامتثال لأوامر بالنظر لوضعه كعبد مملوك، فكان عليه أن يقوم بدور المستطلع والمترجم في آن واحد. وفي ربيع 1539م انطلق الأزموري بصحبة راهبين هما الفرنسيسكاني ماركوس دي نيصا (Marcos de Niza) وأنوراتو (Onorato) ومجموعة من الهنود المسكسيكيين، لكن الرحلة انطلقت دون الراهب أونوراتو. وبالنظر إلى دراية الزموري بمجال الرحلة فقد لعب دورا كبيرا في هذه الرحلة، فتمكن في مايو من سنة 1539م من عبور الحدود الحالية لجنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية بأريزونا، وكان أول من وصل إلى أراضي قبائل الزوني (Zonis) بنيو مكسيكو، معتقدا أنه وصل إلى مدن سيبولا حيث الجنة والمعادن النفيسة.[7]

وفاته ونهاية مغامراته

لقد تمكن الزموري ورفاقه الإسبان من قطع مسافة تقدر بحوالي 9000 كلم، منها 6000 كلم فوق الأراضي الحالية للولايات المتحدة الأمريكية، والبقية فوق أراضي المكسيك، واستكشفوا أراضي ما يدعى حاليا بولايات فلوريدا وألاباما ولويزيانا وتكساس وأريزونا ونيو مكسيكو[8]. وقد كانت نهاية مصطقى الأزموري نهاية مأساوية على يد إحدى قبائل الزوني سنة 1539م.

خاتمة

رغم محاولات التغييب التي تعرض له دور الزموري في استكشاف مناطق واسعة من جنوب الولايات المتحدة الأمريكية وشمال المكسيك، من قبل الإسطوغرافية الغربية، إلا أن الزموري أنصفه التاريخ أخيرا، وذلك باعتباره رمزا يخلد للوجود المغربي في أمريكا وتاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية. كما أن اسمه أصبح يتردد بشكل لافت كلما تعلق الأمر بتخليد ذكرى إقامة العلاقات بين أمريكا والمغرب، كما يحضر الأزموري خلال مختلف الفعاليات الثقافية والدبلوماسية التي تحتفي بتلك العلاقات، وفي أمريكا تم نصب تمثال برونزي له في أحدى بلدات ولاية تكساس الأمريكية. لقد أصبح الجميع اليوم ينظر بعين التقدير والإعجاب إلى العمل الاستكشافي الذي قام به الأزموري في الاستكشافات لشمال القارة الأمريكية، رفقة رفاقه الآخرين؛ وهم أندريس دورانتيس دي كرانكا وألونصو دي كاستيو (Alonzo de Castillo) وكابيصا دي باكا (Cabeza deYaca) الذي اشتهر بروايته حول الرحلة.[9]

المراجع
[1] بوشرب أحمد، مغاربة في البرتغال خلال القرن 16، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ط1، 1996، ص 19 وما بعدها.
[2] بوشرب أحمد، دكالة وافستعمار البرتغالي إلى سنة إخلاء ىسفي وأزمور، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1984، ص 318-319.
[3] السعداني خليل، معلمة المغرب، ج 14، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2001، ص 4714.
[4] السعداني خليل، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 4714.
[5] السعداني خليل، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 4714.
[6] السعداني خليل، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 4714-4715.
[7] السعداني خليل، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 4715.
[8] السعداني خليل، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 4715.
[9] السعداني خليل، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 4715.