مقدمة

شالة أو سلا، مدينة من مدن المغرب القديم، تتميز بروافدها الحضارية المتعددة والمتنوعة؛ بونية ومورية ورومانية وإسلامية. ويقع موضعها في الضفة اليسرى (الجنوبية) لنهر أبي رقراق (وادي سلا أو وادي أسمير/إسمير)، ويقع هذا الموضع داخل الحدود الإدارية لمدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية، على بعد ثلاث كيلومترات ونصف من البحر. ويرجع الاستقرار البشري في مدينة سلا (شالة) إلى الفترة التاريخية بين القرن السابع قبل الميلاد، وذلك رغم أن تأريخ أقدم البنايات لا يتجاوز القرنين الثاني والأول قبل الميلاد. وقد كانت سلا/شالة تشكل الحدود الجنوبية لموريطانية الطنجية.

يذكر أن الاسم الأصلي للمدينة هو سلا، وهو الاسم الذي ورثته عنها مدينة سلا الحالية الواقعة على الضفة اليمنى (الشمالية) لنهر أبي رقرارق والتي وضع أسسها الأولى أسرة بنو عشرة في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي. وفي الفترة الإسلامية اكتسب موقع سلا إسم شالة.

مدينة سلا في الكتابات التاريخية

رغم أن المدينة تعود إلى الفترة بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، فإنه لم يرد لها ذكر لا في رحلة حانون القرطاجي، ولا في رحلة سيلاكس Scylax . لكن النصوص التاريخية القديمة التي جاءت فيما بعد، كما هو الشأن بالنسبة بومبنيوس ميلاPomponius. M ، وبلبنيوس الشيخ Pline l’Ancien ، والجغرافي بطليموس Plotémée تحدثت عن المدينة. كما أوردها الدليل الأنطونينيAntonin، ونفس الأمر عند Géographe de Ravenne الجغرافي رافينا.[1]

أما في الفترة الوسيطة إلى الفترة المعاصرة مرورا بالفترة الحديثة من تاريخ المغرب، فقد ذكرت بصيغ مختلفة عند ابن حوقل، والبكري والشريف الإدريسي. كما ذكرها صاحب “الإستبصار”، وابن أبي زرع والمراكشي، وياقوت الحموي والحسن الوزان (ليون الإفريقي) ومارمول كاربخال. كما زارها في القرن التاسع عشر كل من الرحالة الألماني هاينريتش بارت Heinrich Barth الذي وطن في شالة الحالية مدينة سلا، والجغرافي الفرنسي فيفيان دو سان مارتان Vivien de St.Martin الذي أكد ما قال به هاينريتش بارت وطابق سلا لشالة، وهو نفس المنحى الذي ذهب فيه الفرنسي شارل تيسو Charles Tissot، والذي طابق سلا كولونيا Salacolonia الواردة في الدليل الأنطونيني بموقع شالة الحالي.[2]

الحفريات الاثرية في موقع شالة/سلا

بدأت الحفريات لأول مرة في موقع سلا (شالة) سنة 1929م-1930م لتتوقف بعد ذلك حتى سنة 1958 تحت إشراف موريس أوزيناM. Euzennat . وقد كشفت تلك الحفريات الأولى عن مركز المدينة القديمة، ويتعلق الأمر بجزء من الفوروم (الساحة العمومية) وقوس النصر وجزئين من الشارعين الرئيسيين الأفقي والعمودي وبناية من خمس غرف، وحمامات وبازيليك (محكمة).[3]

وابتداء من سنة 1958 حتى سنة 1986 انتظمت الحفريات في الموقع الأمر الذي سمح بالكشف عن مكونات عدة للموقع، فهمت تلك الحفريات حوض الحوريات والحمامات والمخازن، ثم الكشف عن مجموعة من المقابر، ترجع كلها إلى الفترة الرومانية. كما شملت الأبحاث الخلوة (المقبرة المرينية) فكشفت النقاب عن المدرسة وعدد من القبب والمقبريات التي تعرضت للتدمير والطمر بعد إخلاء الروضة والتخلي عنها في بداية القرن الخامس عشر الميلادي.[4]

تاريخ مدينة شالة/سلا

كشفت الحفريات الأثرية عن مواد خزفية فينيقية، الأمر الذي دفع إلى الاعتقاد أن مدينة سلا (شالة) لعبت في العهد الفينيقي دور محطة تجارية مهمة في الحركة الملاحية بين مدينة ليكسوس وجزيرة موغادور. وفي عهد المملكة المورية، ازدهرت المدينة كمركز تجاري هام بحوض البحر الأبيض المتوسط. وخلال فترة حكم الملكين يوبا الثاني وابنه بطليموس شيدت بشالة/سلا بنايات عمومية، واستطاعت المدينة أن تحصل على استقلالها وتسك نقودا تحمل اسمها.[5]

وبعد وفاة الملك الموري بطليموس وإلحاق موريطانية بالامبراطوية الرومانية ابتداء من سنة 40 للميلاد، أعيد بناء المدينة بشكل كامل في الفترة بين 40 ميلادية ونهاية القرن الأول الميلادي، بحيث أعيد تشكيل نسيجها الحضري بإنشاء الساحة العمومية (الفوروم) والحمامات والمعبد الرئيسي (الكابيتول) وحماية أراضيها بحائط محصن بخندق وأبراج للمراقبة، امتد جنوب المدينة، من الساحل الأطلسي إلى حدود وادي عكراش. وفي سنة 140 ميلادية أحيطت أحياء سلا/شالة من طرف ماركوس سيلبيسيوس بسور من الحجر المنجور للدفاع عن المدينة والحد من هجمات القبائل المورية خاصة قبيلة الأطولون. وقد استمرت السلطة الرومانية على المدينة حتى أواخر القرن الرابع أو بداية القرن الخامس الميلادي.[6]

بعد جلاء الرومان عن المدينة بقيت مهجورة وتحول موقعها إلى رباط يتجمع فيه المسلمون لمواجهة برغواطة. وفي سنة 683ه/1286م اتخذ السلطان المريني أبو يوسف يعقوب موقع شالة مقبرة لدفن ملوك وأعيان بني مرين، حيث شيد النواة الأولى لمركب معماري ضم مسجدا ودارا للوضوء (البون) وقبة دفنت بها زوجته أم العز بنت محمد ابن حازم، وفي سنة 685ه/1286م توفي أبو يوسف يعقوب المريني بقصره بالجزيرة الخضراء، فحمل جثمانه إلى شالة حيث دفن بإحدى قبب المقبرة السلطانية.[7]

وقد ازدهرت شالة في عهد السلطان أبو الحسن المريني الذي أحاطها بسور خماسي الأضلاع ووسع المقبرة الملكية ثم زخرفها. أما ابنه أبو عنان فقد خص الروضة بعناية فائقة، فبنى المدرسة والحمام، وزين أضرحة أجداده بقبب مزخرفة منمقة تعتبر نموذج حيا للفن المعماري المميز لدولة بني مرين. لكن هذا الازدهار في عهد السلطانين سرعان ما اختفى، حيث تراجعت شالة مباشرة بعد قرار المرينيين بإعادة فتح مقبرة القلة بفاس، فأهملت بناياتها وتعرضت في بداية القرن التاسع للهجرة (15م) للنهب والتدمير على يد أحمد اللحياني (1417م-1437م)، ثم توالت النكبات على الموقع حتى فقد جزء كبيرا من مكوناته العمرانية المميزة.[8]

مكونات موقع سلا/شالة

كشفت مختلف الحفريات والأبحاث الأركيولوجية التي أجريت في موقع سلا/شالة عن مجموعة من المكونات والخاصيات العمرانية للمدينة، من أبرزها انتظام مركز المدينة على جانبي شارع رئيسي (الديكومانوس ماكسيموس) مرصف، وينتهي بالساحة العمومية (الفوروم). ومن المكونات التي تم الكشف عنها معبدين موريين، وحوض الحوريات، ومخازن وحمامات عمومية وبازيليك (محكمة). أما المعبد الرسمي (الكابيتول) فقد بني شمال قوس النصر فوق صف من الدكاكين المقببة ومسطبة مسطحة.[9] كما زودت المدينة في العهد المريني (القرن 8ه/14م) بسور خماسي الأضلاع، تعلوه أبراج مربعة الشكل وتتخلله بوابات ثلاث. كما شيدت داخل المدينة بناية عبارة عن فندق (النزالة) لإيواء الحجاج والزوار، وكذا المقبرة المرينية المحصنة (الخلوة) والتي تضم أيضا مسجدا ومجموعة من القبب من أهمها قبة السلطان أبي الحسن وزوجته شمس الضحى، والمدرسة التي تبقى بمنارتها المكسوة بزخرفة هندسية متشابكة ومتكاملة وزليجها، نموذجا أصيلا للعمارة المغربية المميزة في القرن الرابع عشر الميلادي/ الثامن الهجري. كما يضم الموقع أحد أروع حمامات القرن الثامن للهجرة (14م) بالمغرب، وكذا حوض النون (قاعة الوضوء) الذي كان يؤدي وظيفة قاعة الوضوء تابعة لمسجد أبي يوسف يعقوب المريني.[10]

المراجع
[1] العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مطبعة، دار القلم بالرباط، ط 2022، ص 125-126.
[2] العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق،  ص 126-128.
[3] العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق، ص 128.
[4] الطاهري أحمد صالح، معلمة المغرب، ج15، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2002، ص 5264.
[5] الطاهري أحمد صالح، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5263.
[6] الطاهري أحمد صالح، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5263.
[7] الطاهري أحمد صالح، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5263-5264.
[8] الطاهري أحمد صالح، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5264.
[9] العيوض سيدي محمد، مدن ومراكز المغرب القديم، مرجع سابق،  ص 128-131.
[10] الطاهري أحمد صالح، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5264-5265.