مقدمة

الحسن اليوسي، علامة نابغة وصوفي مغربي، من رجالات ومشاهير مغرب القرن السابع عشر الميلادي (القرن 11ه)، وهو أيضا أديب وشاعر، وهو من أشهر تلامذة الزاوية الدلائية. وبالنظر إلى شهرته وموسوعيته، فقد ترجمت له عدد غير يسير من المصادر، واتفقت على علو كعبه العلمي وصلاحه الصوفي. يقول عنه محمد حجي: “يمتاز هذا العالم الكبير بقوة العارضة، وشدة الحاصل، وجدة الأسلوب، فهم يسير في كتبه خصوصا المحاضرات، على غير ما عهد عند معاصريه من العلماء المغاربة، وإنك لتجد في هذا الكتاب وغيره من مؤلفات اليوسي طريقة جديدة في الكتابة، تذكرك بطريقة أكابر الكتاب القدامى أمثال ابن المفع، والمبرد وأضرابهما”[1]. وقد عكست انتاجاته المتنوعة روحه المشبعة بالحرية والعفوية والإخلاص والصراحة؛ كما عكست موسوعية ثقافته، وتنوع فنونها ومشاربها، الأمر الذي جعله من العلماء الآحاد في عصره الذين أنبتتهم الأمة الإسلامية جمعاء في القرن 11ه/17م، الأمر الذي دفع بالبعض إلى وصفه بغزالي المغرب، والقول بأن من فاتته صحبة الحسن البصري فليصحب الحسن اليوسي فهو يكفيه.[2] ووصفه عبد الحي الكتاني في “فهرس الفهارس” ب: “عالم المغرب ونادرته وصاعقته في سعة الملكة وفصاحة القلم واللسان، مع الزعامة والإقدام، والصدع بما يتراءى له، وكثرة التصنيف على طريق بَعُدَ العهد بمثل…”.[3]

نسبه ونشأته

عرّف أبو علي الحسن اليوسي نفسه في كتابه “المحاضرات” قائلا: “أنا الحسن بن مسعود بن محمد بن علي بن يوسف بن أحمد بن إبراهيم ابن محمد بن أحمد بن علي بن عمرو بن يحيى بن يوسف، وهو أبو القبيلة ابن داوود بن يدراسن بن يلنن، فهذا…”[4] وينتسب إلى قبيلة آيت يوسي الأمازيغية التي تنتمي إلى اتحادية آيت يدراسن من صنهاجة، ويعود أصلها إلى اليوسفي نسبة إلى جده يوسف أبو القبيلة، ويسقطون الفاء في الأمازيغية فينطقونها اليوسي. أما أشهر كناه فهي أبو علي وهي كنية كناه بها شيخ الطريقة الناصرية محمد بن ناصر الدرعي، كما يكنى بأبي المواهب وأبي السعود…. نزحت قبيلته أيت يوسى من أعالي منطقة ملوية إلى شمال غربي الأطلس المتوسط.[5]

ولد مترجمنا أبو علي اليوسي حولي سنة 1040ه/1631 لأسرة فقيرة وأمية، ولكنها متدينة، بإحدى قرى السفح الشمالي للأطلس الكبير الشرقي، والواقعة على وادي ورن أحد روافد نهر ملوية العليا، غير بعيد عن جبل العياشي. وفي سن التمييز ولج إلى كتاب القرية لحفظ القرآن على عادة المغاربة، لكن شدة خجله جعلته ينفر من الكتاب، وبقي على هذا الحال إلى أن توفيت والدته، ففتح الله عليه، رغم قسوة وفاتها على قلبه، فتعلق قلبه بالعلم والتعلم. فقرر الرحلة والتغرب في طلب العلم وهو ما يزال طفلا يافعا، وذلك بعد استئذان والده. وهكذا غادر قريته فاتجه صوب تافيلالت (بلاد القبلة) وهناك ختم القرآن الكريم وحضر بعض دروس مبادئ اللغة والنحو والفقه والتوحيد، وذلك قبل العودة إلى بلدته حيث واصل مشواره العلمي. وخلال فترة رجوعه إلى بلدته تشرب من تعاليم الصوفية عبر الكتب التي مدها له ملعمه إسحاق الحداد اليوسي، وهكذا انغرست في نفسه أول فسيلة للتصوف، وتعلق بأهل الطرق ونزع نحو الصلاح، الأمر الذي دفعه إلى شد الرحال لزيارة بعض الصلحاء في كل من منطقتي ميسور وتاغيا.[6]

رحلاته في طلب العلم

على عادة معاصريه انطلق أبو علي الحسن اليوسي مبكرا في رحلة طلب العلم، وهو في العشرين من عمره، فقادته رحلته العلمية إلى أشهر المراكز العلمية في المغرب؛ في كل من سوس والصحراء ومراكش ودكالة ودرعة وتافيلالت والأطلس المتوسط. وقد تتلمذ على يد نخبة معتبرة من العلماء كأبي عبد الله بن ناصر الدرعي، وابن سعيد المرغي السوسي، ومحمد بن محمد بن أبي بكر الدلائي (محمد المرابط)،وأبي السعود عبد القادر الفاسي،[7] وأبي بكر التطافي وأبي العباس الدراوي، وأبي فارس عبد العزيز الفيلالي، وقاضي الجماعة أبي مهدي عيسى السكتاني، والفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم. وطيلة مسار رحلته العلمية أثار انتباه العلماء إلى نجابته ونباهته وقدراته العلمية الكبيرة وهو ما يزال في سن مبكرة، كما لفت إليه أنظار بعض الساسة كما هو الشأن بالنسبة للأمير بودميعة (أبو حسون السملالي) أمير الإمارة السملالية (إمارة إليغ) الذي كلفه خلال رحلته الثانية إلى سوس بكرسي الأستاذية في تارودانت، وهو لم يتجاوز بعد العشرين.[8]

بعد سوس انتقل اليوسي إلى تامكَروت بدرعة حيث مقر الزاوية الناصرية وهي في طور نشأتها، فاخذ عن شيخها مَحمد ابن ناصر الدرعي بعض العلوم، كما تلقى منه الطريقة الناصرية. وبعد مدة ليست بالقصيرة انتقل اليوسي إلى الأطلس المتوسط إلى الزاوية الدلائية في عهد الأمير الدلائي محمد الحاج الدلائي حيث كان الدلائيون في عز مجدهم. وقد كان دخوله إليها حوالي عام 1060ه وهو لا يزال طالبا للعلم، فتزوج فيها فور وصوله من إحدى نساء الدلائيين، ومكث فيها نحو عشرين سنة طالبا ثم أستاذا وفيها أنجب الأبناء والبنات ولم يغادرها إلا بعد أن أزعجه السلطان العلوي المولى الرشيد عند تخريبها. وقد تتلمذ اليوسي على يد الكثير من العلماء الدلائيين مثل محمد المرابط، ومحمد بن عبد الرحمن، وأبي عمر بن محمد الدلائي، وأخذ عنه عدد كبير من أبناء الدلائيين وغيرهم من الطلبة الذين كانوا يقيمون في الزاوية الدلائية.[9]

رحلة التغرب والمنافي

بعد تخريب الزاوية الدلائية من طرف السلطان العلوي الرشيد انتقل اليوسي إلى مدينة فاس بعد معركة الرمان في صيف عام 1079ه/1668م، وكان هذا الانتقال بأمر المولى الرشيد، وذلك بعد نفي باقي الدلائيين إلى مدينة تلمسان. وتصدر للتدريس فيها، واقبل عليه الطلبة والعلماء يأخذون عنه إلا طائفة من منافسيه فإنهم تخلفوا عن مجالسه العلمية، وفيهم قال، بصراحة وعفوية بدوية باعتباره يمثل نموذج العالم الآتي من البادية:

ما أنصفت فاس ولا أعلامها *** علمي ولا عرفوا دلالة منصبي

لو أنصفوا لَصَبَوا إليَّ كما صبا *** راعي سنين غلى الغمام الصيِّب

وقد حظي اليوسي بتقدير السلطان المولى الرشيد الذي كن يحضر بعض مجالسه العلمية بالقرويين، ويجالسه في قصره مع خاصته، ويحدثه بدون كلفة، رغم معرفة السلطان بتعلق اليوسي بالزاوية الدلائية وأهلها. وقد ظل اليوسي يتمتع بحظوته في البلاط العلوي حتى بعدما تولى المُلك السلطان إسماعيل، وكان من بين العلماء الذين وافقوا على بيعته إثر وفاة أخيه الرشيد بمراكش. ولليوسي مراسلات عدة مع السلطان القوي المولى إسماعيل ينصحه فيها وينبهه إلى مواطن الضعف في حكمه بكل صراحة وجرأة رغم معرفته المسبقة بقوة بطش السلطان وبأسه.[10]

ظل اليوسي وفيا للزاوية الدلائية طيلة حياته يحن إليها ويذكر محاسن أهلها، بنفس قدر حنينه إلى عشيرته وأهله في الأطلس المتوسط، وقد تحقق له مراده بالرجوع إلى أهله في البادية بسبب الجو المتوتر الذي ساد بينه وبين عدد من علماء القرويين في فاس، ولأنه لم يطق ذلك المناخ الآسن وعدم احتماله لذلك الوسط الذي لم يعترف له بالفضل؛ غادر مدينة فاس ورجع إلى البادية سنة 1084ه/1673م، فاستقر بالقرب من خنيفرة، حيث أسس زاوية خلفون على وادي أم الربيع، وعكف بها على تدريس العلم وتلقين الورد. ورغم النجاح الذي لاقاه في المنطقة، فإن استقراره في بلاد زيان لم يدم طويلا، بسبب إثارة ذلك لحفيظة السلطان، خصوصا أن المنطقة كانت شديدة الإضطراب، وذكرى الدلاء لا تزال حاضرة بالأذهان، الشيء الذي جعله يدعوه إلى مغادرة تلك الجهة من جديد أواخر 1085ه/1674، فتوجه إلى مراكش، وتصدر التدريس في عدد من مساجدها وخاصة بجامع الشرفاء إلى حدود سنة 1090ه/1679م.[11]

وفي شتاء سنة 1095ه/1684م نفاه السلطان المولى إسماعيل إلى الزاوية الدلائية الخربة، فأقام هناك منفيا ثلاث سنين، وكان شاهدا على محن التقتيل والتشريد والنهب التي تعرضت لها قبائل المنطقة، بما فيها قبيلته، من طرف جيش السلطان. وفي سنة 1098ه/1687م أمره السلطان بمغادرة زاوية الدلاء، وذلك مع انطلاق حملته في جبال فازاز ضد قبائل المنطقة. فتنقل لمدد قصيرة بين فاس وشعاب حمود وصفرو، كما تردد على مناطق الشمال لزيارة فروع الزاوية الناصرية. وفي مفتتح سنة 1100ه/1689م توجه إلى الديار المقدسة ضمن الركب الرسمي، وذلك قبل العودة إلى داره بمنطقة تمازيرت (قرب صفرو) في شهر شوال من سنة 1102ه/1691م بعد قضاء مناسك الحج.

آثار اليوسي العلمية والأدبية

خلف العلامة اليوسي عددا من المؤلفات ما بين كتاب ورسالة[12]، وفي أصناف علمية وأدبية متعددة: كالتوحيد، والأدب، والتفسير والحديث، والقراءات، واللغة والأدب والبلاغة، وفي والتصوف، والفقه وأصوله، وأصول الدين، والمنطق وغيرها:

  • أجوبة في التوحيد.
  • تأليف في أصول الدين وفروعه.
  • جواب عن سؤال العطار المراكشي عن دليل إبطال حوادث لا أول لها.
  • حاشية على شرح كبرى السنوسي.
  • الرد على القرافي في التفريق القديم والحديث في كلام الله.
  • شرح صغرى السنوسي.
  • شرح قول خليل: وخصصت نية الحالف وقيدت.
  • عقيدة صغرى تنبني على معرفة الله وحكمه وحكمته.
  • فقهية منظومة في بحر الرجز (على منوال المرشد المعين لابن عاشر).
  • قواعد الإسلام، من مضمون حديث النبي عليه السلام.
  • الكوكب الساطع، بشرح جمع الجوامع لتاج الدين السكي.
  • مشرب العام والخاص، من كلمة الإخلاص. أو منهج الخلاص من كلمة الإخلاص.
  • رسالة في العلم النبوي (رد بها على القاضي عبد الملك التجموعتي).
  • فتح الملك الوهاب، فيما استشكله بعض الأصحاب، من السنة والكتاب.
  • تاج المفرق، في شرح الطالع المشرق، لمحمد العربي الفاسي.
  • رسالة في النسبة الحكمية بين الطرفين الموضوع والمحمول.
  • شرح السلم المرونق، للأخضري.
  • القول الفصل، في الفرق بين الخاصة والفصل، أو الفرق ما بين الذاتي والعرضي.
  • نفائس الدرر على شرح المختصر، للسنوسي (في المنطق).
  • دالية في التوسل. ربِّ أنت إليك استنادي.
  • الديوان (جمعه ابنه بعد وفاة اليوسي).
  • رحلة حجازية (كتبها ولد اليوسي لما صحبه والده إلى الديار المقدسة عام 1101ه).
  • زهر الأكَم، في الأمثال والحِكم.
  • شرح تلخيص المفتاح، للقزويني .
  • شعر في رثاء الشيخ عبد القادر الفاسي.
  • شعر في مدح خير البرية.
  • القصيدة الدالية أو التهاني (في مدح الشيخ محمد بن ناصر الدرعي عارض بها دالية البوصيري في مدح الشيخين الشاذلي والمرسي).
  • القصيدة الرائية في رثاء الزاوية الدلائية.
  • قصيدة فائية في الإستغاثة، يا رعاة الحمى إغاثة ملهوف.
  • قصيدة في التوسل.
  • نيل الأماني، في شرح التهاني (شرح القصيدة الدالية المتقدمة).
  • أجوبة أولها في حكم الصلاة على النبي عليه السلام في الورد.
  • أربعة وعشرون سؤالا وجوابا تتعلق بمصاحبة الشيخ وتأدية الأوراد…
  • تأليف في العكاكزة.
  • جواب في السماع عند الصوفية.
  • شرح عقد جواهر المعاني، في مناقب الغوث عبد القادر الجيلالي لأحمد بن المختار (بنخدة).
  • الفهرس (لم يكمل).
  • موسوعة “القانون في العلوم والتعليم”.
  • الكناشة العلمية.
  • المحاضرات في اللغة والأدب والتصوف.
  • أخذ الجنة، عن أشكال نعيم الجنة.
  • تقريظ اللمعة الخطيرة، في مسألة خلق أفعال العباد الشهيرة للمهدي الفاسي.
  • الدلالة الوافية، في الرسالة الأسفية.
  • رسالة إلى السلطان إسماعيل (ينصحه ويعظه).
  • رسالة إلى الصوفيَّين الحاج علي وأبي القاسم بن معمر.
  • رسالة إلى العربي وعبد السلام ابني الطيب القادريين.
  • رسالة إلى المهدي الفاسي.
  • رسالة حول من لا يحسن النحو والصرف هل يجوز له أن يفسر القرآن. مع حكم الرقص والغناء والتصفيق وضرب الغربال…
  • رسالة صغيرة في التصوف “النساخ مفتاح الوصول”.
  • رسالة في النصائح .
  • رسالة في نصح المومنين.
  • رسالة في واجبات المكلف.
  • رسالة في وصل الشعر.
  • رسالة لبعض الأخوان.
  • ندب الملوك إلى العدل.
  • وصايا دينية.
  • وصايا وأجوبة.
  • وصية اليوسي لأولاده وإخوانه.

وفاته

بعد شهرين من عودته من أداء مناسك الحج توفي أبو علي الحسن اليوسي ليلة اللإثنين 23 ذي الحجة عام 1102ه/1691م. وقيل أن أنه توفي قتيلا، ودفن بقرية تمازيرت بمكان يسمى جنان مشكة بالقرب من صفرو، قبل أن ينقل جثمانه بعد عشرين سنة إلى العدوة الشمالية من مدينة صفرو.[13]

المراجع
[1] حجي محمد، الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، ط2، 1988، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 102.
[2] عمالك أحمد، معلمة المغرب، ج22، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 2005، ص 7695.
[3] الكتاني عبد الحي بن عبد القادر، فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، اعتنى به إحسان عباس، ج2، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1982، ص 1154-1155.
[4] اليوسي الحسن، المحاضرات في اللغة والأدب، ج1، تحقيق وشرح محمد حجي وأحمد الشرقاوي إقبال، درا الغرب الإسلامي، بيروت، 1982، ص 30.
[5]  عمالك أحمد، معلمة المغرب، ج22، مرجع سابق، ص 7692.
[6] عمالك أحمد، معلمة المغرب، ج22، مرجع سابق، ص 7692-7693.
[7] الكتاني عبد الحي بن عبد القادر، فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، ج2، مرجع سابق، ص 1155.
[8] عمالك أحمد، معلمة المغرب، ج22، مرجع سابق، ص 7693.
[9] حجي محمد، الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، مرجع سابق، ص 104.
[10] حجي محمد، الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، مرجع سابق، ص 106-107.
[11] عمالك أحمد، معلمة المغرب، ج22، مرجع سابق، ص 7694.
[12] حجي محمد، الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، مرجع سابق، ص 108-
[13] عمالك أحمد، معلمة المغرب، ج22، مرجع سابق، ص 7694-7695.