المحتويات
النسب والنشأة
هي عزيزة بنت إبراهيم السكسيوية الركراكية، تنتمي إلى منطقة وقبيلة إسْكْسَوانْ (سْكْساوَة بالصيغة التعريبية) بأعالي الأطلس الكبير الغربي (ادرار ن درن). وتنتمي قبيلة سكساوة إلى إتحادية كنفيسة (“إيكْنْفيسْنْ) المصمودية، وهي أيضا بطن من بطون قبائل الموحدين[1]، وتنتمي إلى منطقة الأطلس الكبير الغربي غربي مدينة مراكش. ولالة عزيزة هي سليلة عائلة أيت علي بسكساوة، وهي عائلة ذات أصول سوسية عريقة. ولا يعرف تاريخ ميلادها ولا وفاتها، لكن المصادر التاريخية تؤكد أنها عاشت خلال القرن 7 ه/13م (في فترة الدولة المرينية). وهي الفترة التي شهدت فيه منطقة الحوز الغربي اضطرابات نتيجة الحملات العسكرية المرينية على المنطقة، فلجأ قسم من السكان إلى أعالي الجبال بما فيها منطقة سكساوة، خصوصا بعد سقوط الدولة الموحدية وسقوط عاصمتها مدينة مرّاكش في يد بنو مرين سنة 668هـ/1269م، وتحول المنطقة إلى مقصد وملجأ لكل ثائر ومعارض لحكم دولة بني مرين الوليدة. ويقال إن لالة عزيزة تدخلت لعقد الصلح بين القائد عبد الله السكسيوي عندما نشب نزاع بينهم وبين أبي عنان المريني الذي دخل المنطقة بجيشه لإخضاع سكان المنطقة لسلطة المخزن[2]. وقد تحدثت بعض الروايات التاريخية أنها كنت في طفولتها راعية غنم أبيها، ولا تعلم تفاصيل أخرى عن حياتها وتعلمها في صغرها.
طلب العلم ورحلة التصوف
في مرحلة من عمرها سافرت لالة عزيزة إلى خارج منطقتها لطلب العلم ووصلت في ترحالها إلى مدينة تلمسان وتلقت العلم والتصوف على يد الفقيه أبي مدين الغوث (509-594ه)، وقد رجعت إلى بلدها كمتفقهة وصوفية تعظ الناس خاصة النساء بكلام فصيح، تجيب عن أسئلتهم بذكاء وإقناع، فكان الناس يجتمعون إليها في حياتها لطلب الفتوى وللتبرك والاستفادة من علمها، ولطلب الاستشارة والتحكيم في أمورهم ومشاكلهم ونزاعاتهم. وتذكر عدد من الروايات الشفوية المتوارثة أنه كانت لها بركات مشهورة، خاصة في جلب الخصب، بل إنها فجرت الماء من سفح جبل عندما شكا الناس إليها من أزمة عطش وجفاف[3]. وقد أجمل ابن قنفذ القسنطيني مختلف خصال لالة عزيزة تاكرامت (المرابطية)، قائلا: “ورأيت منهم بالمغرب الأقصى في طرف سكسيوية (سكساوة) من جبال درن بموضع يقال له القاهرة (أو القيهرا؛ وهي قلعة بنيت سنة 754ه/1353م في منطقة إلودجان بسكساوة)، الصالحة عزيزة السكسيوية، وتبركت بها، وجلست معها، وهي متوجهة في صلح بين فئتين عظيمتين. ولها من أتباع من الرجال وأتباع من النساء. وكل طائفة اشتغلت بالمجاهدة والعبادة في جهة ما يخصها، ويضرب لها قيطون بالوسط بمقربة من طائفة من النساء، ولا يتحرك أحد إلا عن أمرها، وإذا جلست للناس تلقى عليها كساء، ولا تترك فيها من أين تنظر إلى احد (لا تترك فيها ما ينظر منه إليها). وهي فصيحة جدا في أجوبتها وأوامرها ووعظها، ورأيت الناس يتزاحمون عليها. وما رأيت ألين من كلامها في السؤال عن الحال. ولها كرامات مشهورة. ركب إليها الرئيس الشهير صاحب مراكش عامر بن محمد الهنتاتي. وجلس معها كثيرا وقال لي، بعد أن انفصل عنها: “يا فقيه هذا هو العجب، تبادرني بالجواب عما يخطر في نفسي وما قدرت أن أراجعها في كل ما طلبت مني. وما رأيت أنفذ من حجتها في ما تحتج علي به في الذي يتوقف فيه. “وكان عامر بن محمد من الأذكياء، الفصحاء، الذين لا يقهرون بحجة. وهو من العظماء ورؤساء الدنيا، كلامهم في ذلك حجة. وكان في جيش صحيح يزيد على ستة ألاف. وأقام حركة بمال جزيل. وكان قاصدا لحصار السكسيوي في جبله ليدخل تحت طاعته، فأمرته بالرجوع، وألزمت له طاعة السكسيوي. فرجع وجاءه كتابه بخدمته وطاعته. وأخبرني بعض الفضلاء أن لها في مقامات الصالحين حالا عظيما نفع الله بها”[4].
موسم لالة عزيزة
بعد وفاة لالة عزيزة تحول ضريحها إلى مزار يقصده الناس من أجل التبرك به، فتحول بعد الزمن إلى زاوية يشرف عليه مقدم يختار لمدة سنة من دوار “زنيط” (التابع حاليا لجماعة لالة عزيزة إقليم شيشاوة) الذي يحتضن ضريحها. ويتوفر مقدم الزاوية اليوم على 16 ظهيرا موجهة من مختلف ملوك المغرب يأمرون فيها بالعناية بهذه الزاوية واحترام موسمها وأملاكها. وفي يوم عيد المولد النبوي (12 ربيع الأول من كل سنة) ينعقد بضريح لالة عزيزة موسم ديني أو “المعروف” (بتسكين حرف الميم والعين) كما يطلق عليه أهل المنطقة. و”المعروف” تجمع ذو طابع ديني يقام بالأضرحة غالبا، وهو عبارة عن صدقة يساهم فيها السكان المستفيدون كل حسب استطاعته وذلك لشراء بقرة غالبا، لتذبح ويتغذى من لحمها المشاركون أو يحملون نصيبهم إلى منازلهم باعتباره “باروك”. ويتخلل هذا الموسم (الموسم بضم الميم وتسكين باقي الحروف) مجموعة من العادات والطقوس؛ كقراءة القرآن وترديد مجموعة من الأذكار والأمداح النبوية وتوزيع الخبز على الأطفال. ويشرف على تنظيم موسم وممتلكات لالة عزيزة أشخاص من بطن “إيمتضان” الذين يعتبرون أنفسهم سدنة وخدام ضريح لالة عزيزة، كما تساهم معظم الأسر أربعة دواوير قريبة من الضريح في اكتتاب تمويل متطلبات الموسم، وتوزع “الباروك” على الناس وهو عبارة عن قطعة من اللحم والخبز على جميع الزوار الذين يطلبونها[5].
ويعود تردد واستمرار زيارة الناس لضريح لالة عزيزة وموسمها إلى مجموعة من الاعتقادات، وذلك رغم تراجع إشعاع الموسم في السنوات الأخيرة وتراجع عدد زائريه. ومن هذه الاعتقادات؛ أن روح الولية الصالحة لالة عزيزة تحميهم من المصائب والشياطين وتنزل الغيث وتكثر البركات. وتقصده أيضا فتيات المنطقة الراغبات في زواج عاجل. ولم تعد الاحتفالات المرافقة لانعقاد الموسم تدم سوى بضع ساعات عكس ما كان عليه الأمر في الماضي، حيث كانت الاحتفالات تستمر أياما ويفد على الموسم الناس وحدانا وزافات من كل القبائل في منطقة سكساوة. فقد كان الموسم في الماضي يعج بمختلف الأنشطة الإجتماعية والفنية بالإضافة إلى الطقوس الدينية، بحيث تتخلله مجموعة من الاحتفالات الفنية خاصة على إيقاعات رقصة تاسكيوين، كما تعقد حلقات الفرجة لترويض الأفاعي، وعروض للفكاهة وغيرها. ويشتهر الموسم أيضا بعقد عدد من الزيجات للنساء الراغبات في ذلك دون ولي أو أقارب غالبا[6].
ورغم التراجع المسجل على مستوى إشعاع وإقبال الناس على موسم لالة عزيزة في السنوات الأخيرة بسبب عوامل لها علاقة بالتحولات الفكرية للأجيال الشابة، وبسبب العوائق الطبيعية وصعوبة الولوج إلى المنطقة، وغياب البنيات التحية المناسبة لإقامة الزوار، فإن ذلك لا يعني تراجع مكانة الولية الصالحة لالة عزيزة في نفوس الناس ووجدانهم الجمعي، فلازال الناس في منطقة سكساوة يقسمون باسمها ويتعاهدون على ضريحها، ولا زالت سيرتها وكراماتها موضوعا ولأشعارهم وابتهالاتهم الدينية[7].
المراجع
[1] البيذق ( أبو بكر الصنهاجي) المقتبس من كتاب الأنساب لمعرفة الأصحاب، تحقيق عبد الوهاب بن منصور، دار المنصور للطباعة و الوراقة 1971، ص: 47 – 48 – 49.[2] هوزالي أحمد، معلمة المغرب، الجزء 15، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والنشر والترجمة، ص 5026.
[3] هوزالي أحمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5026.
[4] ابن قنفذ القسنطيني (أبي العباس احمد الخطيب)، أنس الفقير وعز الحقير، نشر وتصحيح محمد الفاسي وأدولف فور، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، 1965، الرباط، ص 86 و87.
[5] هوزالي أحمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5027.
[6] هوزالي أحمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5027.
[7] هوزالي أحمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 5027.