توطئة

وُلد الشيخ علي الريسوني في السادس من شهر الربيع الثاني سنة 1362 للهجرة الشريفة الموافق لـ 12 أبريل1943 بمدينة شفشاون، في أحضان الأسرة الريسونية المشهورة بالتصوف والعلم الشرعي، كما تَلقّى تكوينه الفقهي الأساسي بالمعهد الدّيني المحلي على يد كبار علماء شفشاون من أمثال الشيخ محمد بن عياد والفقيه بودياب والشيخ الحاج عبد السلام المعتمد على الله والشيخ أحمد بن سعيد الخمسي وغيرهم مِن الفقهاء والأساتذة[1] في طَوْرَيْ الحماية والاستقلال.

يعتَبَر الشيخ علي الريسوني من العلماء ذوي التأثير الفكري والإعلامي في الحقل الديني المحلي والوطني، لما راكمه مِن إشعاع علمي باعتباره مؤرخا لمدينة شفشاون وباحثا مهتما بتاريخ التصوف المغربي والثقافة الأندلسية، وهو بلا رَيب؛ مِن أبرز الخبراء المغاربة المدافعين عنها في المحافل الوطنية والدولية.

مسارات متعدّدة وخبرات متراكِمة

مارَسَ علي الريسوني طيلة مساره المهني إلى حين تقاعده سنة 2003 مهمة تدريس مادتي اللغة العربية ثم التربية الإسلامية بالسلك التعليمي النظامي “بالشاون” كما ينطقها أهل الشمال. وسَبق له أن خاض تجربة سياسية إثر انتخابه مستشارا جماعيا بالمجلس البلدي للمدينة، بالإضافة إلى عضويته في اللجنة العليا للشرفاء الريسونيين بالمغرب وبرابطة علماء المغرب منذ سنة 1971 إلى غاية حلِّها عام 2006 وتحويلها من قِبَل الدولة إلى الرابطة المحمدية للعلماء.

وانسجاما مع حركيته الثقافية والسياسية خاض الشيخ علي الريسوني تجربة العمل الصحفي باستِصْدارِ صحيفة محلية “النصيحة” وإدارة مجلس تحريرها، غيرَ أنّ هذه التجربة لم تُعمَّر طويلاً.

وإلى جانب اشتِغاله العلمي بالتاريخ المغربي والأندلسي في الفضاء الإعلامي المغربي؛ مارس الشيخ علي الريسوني الخطابة يوم الجمعة بالزاوية الريسونية بشفشاون، خاصة وأنها تشكل إحدى قنواته الرئيسية للتواصل مع أتباعه بعد توقُّفه سنة 2009 عن التأطير الديني الرسمي في صفوف المجلس العلمي المحلي لشفشاون.

انخراطٌ مَدنيّ وازن لشيخ شفشاون

في خِضَمّ النّقاش العمومي الذي واكب عمل اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور بعد الخطاب الملكي الشهير يوم 9 مارس 2011؛ برز صوت الشيخ علي الريسوني في المجال العام والنسق السياسي مطالِبًا بضرورة التنصيص الدستوري على المكوِّن الأندلسي ضِمْن الروافد المشكِّلَة للهوية المغربية في الدستور الجديد، وقد خاض مِن أجْل ذلك حملة إعلامية وتواصلية مكثّفة في الصحافة المكتوبة والإعلام الإلكتروني، تُوِّجَت باستيعاب مطالبه الرمزية هاته المعبّرة عن اهتمامات تيار ثقافي أندلسي مُقدَّر ضِمن مكوِّنات النخبة الدينية والثقافية الوطنية، وذلك بتأكيد التصدير الدستوري لسنة 2011 على تنوّع روافد ومقومات الهوية الوطنية “الموحَّدَة بانصهار كل مكوناتها، العربية والإسلامية والأمازيغية والصّحراوية الحسانية والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعِبرية والمتوسطية، كما أنّ الهوية المغربية تتميز بتبوّئ الدين الإسلامي مكانة الصّدارة فيها”[2].

كما يتمتّع الشيخ علي الريسوني بحسّ سياسي وحركي خوَّله حضورا رمزيا في صلب التحولات السياسية الوطنية، إذ نجد له حيوية علمية باعتباره مؤرخا متمكّنا مِن منهجية التوثيق والتأصيل التاريخي لمغربية مدينتي “سبتة” و”مليلية” المحتلتين في المجال الأكاديمي والإعلامي، كما أنه مِن العلماء المغاربة القلائل الذين لهم فِعل سياسي فردي من خلال اغتنامه للفرص السياسية الوطنية الهامة لإبداء مواقفه الفكرية والسياسية[3] التي تَتَنَظّم في مجملها في خانة الدّفاع التقليدي عن المؤسسة الملكية بموروثها الديني “إمارة المؤمنين”، ويَتَبَيّن هذا المسلك السياسي بشكل جلي في رسالة التهنئة التي بعثها الريسوني للأستاذ عبد الإله بنكيران غداة تعيينه رئيسا للحكومة، إذ دعا قيادة حزب العدالة والتنمية إلى “العمل بتوافق مع مؤسسة إمارة المؤمنين لدورها في إرساء الأداء الدّيني ببلادنا وفق اختياراتنا العقدية والمذهبية والسلوكية، وحَسَب النّمط الوسطي الذي ارتضته بلادنا حتى يبقى الشأن الديني في منأى عن كل ما يضر به”[4].

التّباهي الـمُعْرِبِ عن مكانة علماء المغرب

بتتبّعنا للمسار الدّيني والأكاديمي والسياسي للشيخ علي الريسوني؛ نلحظ حرْصَه الكبير والمتجدّد كلما سنحت الفُرصة للدفاع المستميت عن الرمزية والقيمة الهامة لفئة العلماء بالمغرب، وسَعْيُه في سبيل إحياء الدّور المركزي والمؤثِّر للعلماء في المجتمع، وأهمية حضورهم في مؤسسات الدولة، وذلكَ بُغية الحفاظ على الإرث الدّيني والثقافي المشكِّل للشّخصية المغربية وللاجتماع السياسي الوطني بشكل عام.

كما تُجسّد محاضرات الشيخ ولقاءاته المتكررة بكثير من الرموز العلمية واستضافته لشخصيات علمية وطنية وعربية، وحواراته مع بعض الضيوف الإسبان من المثقفين والأساتذة الباحثين والإعلاميين المختصين في الشأن الأندلسي وفي الثقافة المغربية والخصوصيات الصوفية؛ (تُجسّد) مَدى إكباره للعلماء، وتَـمثيله شخصيا مكانَة الـعالم الـمُشارِك، بما يَرُوم الرّفع مِن الموقع الاعتباري للعلماء في المحيط الثقافي والمجال العالم والنّسَق السياسي بِوَصْفِهم فئة اجتماعية مستأمَنَة على القيم الإسلامية الصّحيحة[5] وعلى استمْرار النبوغ المغربي.

نسأل الله تعالى الشفاء للشيخ علي الريسوني والبركة في الـعُمر.

المراجع
[1] انظر:(التليدي) بلال: "ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية"، الجزء الثاني، مطبعة طوب بريس، الرباط 2008، ص- ص: 91-104.
[2] (الأمانة العامة للحكومة): "دستور المملكة المغربية"، سلسلة الوثائق القانونية المغربية، طبعة 2011، ص: 2.
[3] مقابلة خاصة مع الشيخ علي الريسوني بمنزله بمدينة شفشاون، بتاريخ01 ماي 2013.
[4] انظر: رسالة من الشيخ علي الريسوني إلى قيادة العدالة والتنمية، منشورة في الموقع الإلكتروني: www.aliraissouni.net.
[5] Thomas naff, Towards a muslim theory of history, in A. S. cudsiand A. E. HillalDessouki (eds) islam an Power. London 1981 p:29.