
المحتويات
مقدمة
عبد الواحد بن علي المراكشي، أديب ومؤرخ مغربي من رجالات فترة حكم الدولة الموحدية. ورغم أنه درس وتعلم في المغرب والأندلس، فإنه استقر لفترة غير يسيرة من الزمن في المشرق العربي، بل وألف فيها أحد مصادر تاريخ المغرب والأندلس خاصة في العصر الموحدي، وهو كتاب “المُعْجِبْ في تلخيص أخبار المغرب والأندلس”. وخلال المراحل المبكرة من عمره قدرت له الأقدار أن يلتقي بالعالم الكبير أبي بكر ابن زهر بل وجرت بينه وبين ابن زهر مناقشات وهو إذ ذاك عمره لا يتجاوز أربعة عشر سنة. وبفضل أسفاره المتعددة خاصة إلى الأندلس والمشرق فقد نال حظا وافرا من العلم بفضل التقائه وتتلمذه على يد علماء كبار، كما سنحت له الفرصة بالالتقاء بعدد من الملوك والأمراء والحكام مشرقا ومغربا، وقد حلاه العلماء بـ”الشيخ الفقيه الحافظ المفتي الواعظ”.
مولده ونشأته وأسفاره
تعتبر شخصية عبد الواحد المراكشي من الشخصيات التاريخية التي نجهل كثيرا من جوانبها، وهو ما تؤكده شح المعطيات الواردة حول نواحي عدة من حياته، والاضطراب الذي ميز المعلومات المتوفرة حوله، فكثير من تفاصيل تاريخ حياته، وكيف عاش أطوارها تبقى مجهولة.
ولد المؤرخ والأديب المغربي أبو محمد محيي الدين عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي لأسرة عريقة ذات جاه وثروة بمدينة مراكش يوم سابع ربيع الثاني عام 581هـ/1185-1186م، وهي الفترة التي صادفت بداية حكم السلطان الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور. وفي التاسعة من عمره غادر مسقط رأسه من أجل التلقي العلمي بمدينة فاس. وفي هذه الأخيرة حفظ القرآن الكريم، وتعلم فن القراءات والتجويد على أيدي عدد من العلماء الأفذاذ. وبعد عودته من فاس إلى مراكش ظل يتردد بين المدينتين بين الفينة والأخرى.[1]
وفي سن الرابعة عشر من عمره، وقبل انتقاله إلى الأندلس في 603هـ/1207م، التقي المراكشي بالطبيب الشهير أبو بكر ابن زهر بمدينة فاس عام 595هـ/1199م عندما جاء هذا الأخير لتجديد بيعة الخليفة الموحدي، وكان بينهما حديث ومسامرة، وابن زهر يومئذ في الثمانين من عمره. كما لقي العلامة الأديب أبي بكر ابن طفيل مستهل عام 603هـ/1207م. وفي الأندلس أخذ عن عدد من علمائها كأحمد بن محمد بن يحيى الحميري. وقد كانت فترة تواجده بالأندلس فرصة سجل خلالها جل المعلومات المتصلة بتراجم أعلام الأندلس التي وظفها في تحرير كتابه “المعجب في تلخيص أخبار المغرب”، كما خدم مدة الوالي إبراهيم بن أبي يعقوب المنصور حاكم اشبيلية، وهو أخ الخليفة الموحدي الناصر الموحدي.[2]
وفي عام 610هـ/1214م عاد إلى مدينة مراكش واتصل بالخليفة الموحدي وصار من مقربيه، كما شهد بيعته في الرابع عشر من شعبان 610هـ، فسمح له ذلك بربط صلات مع عدد من رجالات الدولة، منهم الوزير أبو عبد الله الحسني، والأمراء أبو زكرياء وأبو عبد الله وأبو إبراهيم أحد أبناء يوسف بن عبد المؤمن. وفي عام 612هـ/1216م غادر مرة أخرى إلى الأندلس، حيث ظل مقيما بها ضيفا على الأمير أبي إسحاق حاكم إشبيلية إلى متم عام 613هـ/1217م. ويبدو أنه زار خلال تلك الفترة عددا من مناطق المغرب، فزار بلاد سوس، ودخل مدينة تارودانت.[3]
رحلته المشرقية وتأليف “المُعْجِبْ”
في أواخر أيام سنة 613هـ، وعمره يومئذ اثنان وثلاثون سنة، ترك المراكشي الأندلس والمغرب لأسباب غير معلومة وأبحر إلى المشرق انطلاقا من مدينة بلنسية، كما مر بتونس وصعيد مصر، وأدى فريضة الحج عام 620هـ/1223م. وبالإضافة إلى الإقامة لفترة بمصر تجول في عدد من بلدان المشرق كالحجاز والشام والعراق. وقد انقطع بذلك عن المغرب بشكل نهائي، لأنه أنشأ لنفسه حياة جديدة في المشرق؛ لكنها حياة قلقة مضطربة، كلها حنين وشكوى وضيق و”هموم تزدحم على الخاطر، وغموم تستغرق الفكر”.[4] وإذا كنا لا نعرف الأسباب الحقيقية التي دفعت المراكشي إلى الهجرة بشكل مفاجئ للمشرق، فإن الدكتور محمد سعيد العريان في مقدمة تحقيق كتاب “المعجب” حاول استخلاص سبب ذلك من بين سطور الكتاب، وأرجع الأمر إلى المواقف السياسية للمراكشي من الأحداث السياسية بالبلد بعد وفاة الناصر الموحدي ومبايعة السلطان الجديد أبو يعقوب يوسف الثاني، فخلص إلى أن مغادرته مراكش وبعدها الأندلس بشكل مفاجئ لم يكن اختياريا بل كان اضطراريا.[5]
وخلال مرحلة المنفى بالمشرق أملى كتابه “المعجب” استجابة لطلب وزير من خاصة الناصر لدين الله العباسي. وقد فرغ من إملائه يوم السبت لِستٍّ بَقينَ من جمادى الآخرة عام 621هـ/1224م. ورجح بعض الباحثين أن تأليف الكتاب كان ببلاد العراق.[6] والكتاب يشتمل على بعض أخبار المغرب وهيئته وحدوده وأقطاره، وشيء من سير ملوكه، وخصوصا ملوك المصامدة من بني عبد المؤمن، من لدن ابتداء دولتهم، إلى حدود سنة 621هـ/1225 من مع نبذة من سير الذين لقيهم أو روى عنهم من الشعراء، وأهل الفضل والرواية والأدب.[7] وقد نشر الكتاب من طرف المستشرق دوزي عام 1240هـ/1847م، وثم أعاد طبعه عام 1298هـ/1881م، وترجمه فانيان إلى الفرنسية، ثم نشر الترجمة في الجزائر عام 1310هـ/1893م. وهذا الكتاب هو الكتاب الوحيد الذي خلفه المراكشي.
وكانت وفاة عب الواحد المراكشي ببغداد في بلاد العراق سنة 1228م/625هـ كما ذهب إلى ذلك العلامة محمد المنوني، وقيل أيضا انه توفي عام 647هـ.
المراجع
[1] المراكشي عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تقديم وتحقيق وتعليق الدكتور محمد زينهم محمدعزب، دار الفرجاني للنشر والتوزيع، ط1، 1994، القاهرة، ص 05.[2] عمالك أحمد، معلمة المغرب، ج 21ن الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا، 1426/2005، ص 7083.
[3] عمالك أحمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7083.
[4] المراكشي عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب (مقدمة محمد سعيد العريان)، تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، مطبعة الإستقامة، ط1، 1949، القاهرة.
[5] المراكشي عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب (مقدمة محمد سعيد العريان)، مرجع سابق.
[6] عمالك أحمد، معلمة المغرب، مرجع سابق، ص 7083.
[7] المراكشي عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، شرحه واعتنى به الدكتور صلاح الدين الهواري، المكتبة العصرية، ط1، 2006، بيروت-صيدا، ص 11.