سبعة رجال مراكش.. رحلة طواف من السياسة إلى الدين

مقدمة

تعبر ظاهرة سبعة رجال بمدينة مراكش من الظواهر الطريفة والعجيبة والمثيرة في تاريخ المغرب منذ عصر الدولة السعدية (الزيدانية)، والتي تحولت مع توالي السنوات إلى ظاهرة كانت لها انعاكسات شاملة على المجتمع المراكشي خاصة، والمجتمع المغربي عامة، نتائج شملت كل النواحي السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية. كما أن الطواف المسمى بطواف سبعة رجال بمراكش تميز بطابعه الممتد في الزمان ابتدأ من أواسط القرن الحادي عشر في عهد الدولة السعدية إلى عهد الدولة العلوية. وقد كانت انطلاقة طواف سبعة رجال مراكش انطلاقة سياسية، كما ارتبط ظهورها بالتصوف وانتعاشه في المغرب وفي مراكش على وجه التحديد، حتى أنها أعطت مراكش إسما آخر ضمن أسماء متعددة أطلقت على مدينة مراكش، وهو إسم “مدينة سبعة رجال”. يشار إلى أن هناك مزارات أخرى لسبعة رجال في عدد من مناطق: كسبعة رجال ركَراكَة (رجراجة)، وسبعة رجال بني عروس، وسبعة رجال فاس بحي المصلى، وسبعة رجال الفنيدق وغيرهم.

من سبعة رجال ركَراكَة إلى سبعة رجال مراكش

ارتبط تنظيم طواف سبعة رجال بأحداث تاريخية كانت مناطق حاحا والشياظمة وسوس مسرحا لها منذ أواخر الدولة المرينية، حيث ضعفت الدولة المركزية وبدأ الغزاة الأجانب –البرتغال أساسا- يطرقون أبواب السواحل المغربية، الأمر الذي جعل السكان يلجأون إلى الزعامات المحلية وخاصة زعماء القبائل وشيوخ الزوايا والرباطات من أجل إنقاذ البلاد ودفع الغزاة عنها.

وقد كان لرجال ركَراكَة (رجراجة) دور كبير في ظهور ظاهرة طواف سبعة رجال بمراكش، حيث كان السكان يحترمون رجال “رجراجة” بشكل كبير ويطيعون توجيهاتهم باعتبارهم “أشرف” قبائل مصمودة، حيث تذكر بعض المصادر التاريخية أن الطبقة الأولى منهم كانوا من حواريي عيسى عليه السلام، وعندما سمعوا ببعثة محمد (ص) سافر سبعة منهم إلى المدينة المنورة واتصلوا به، فخطابهم بلسانهم وحملهم رسالة الإسلام إلى بلادهم، وبعد عودتهم موحدين مجتهدين في الدين فبني لهم مسجد بساحل حربلة (رتنانة) بإقليم آسفي.[1]

وقد خلد رجراجة حدث قراءة الرسالة النبوية والتفرق في البلاد لنشر تعاليمها باجتماع الطوائف في نفس المكان (قرب جبل الحديد)، فتطور بعد ذلك إلى زيارة الأولياء والصلحاء بعد الإجتماع الذي ينعقد في ربيع كل سنة، وهي الزيارة التي تنطلق من ضريح الولي أبو بكر الشماس ثم باقي الأولياء، ويستغرق الطواف عند ركراكة أربعين يوما، يجوب خلاله السكان مناطق شاسعة تمتد من أطرف الشياظمة وحاحا إلى سواحل المحيط الأطلسي حيث رباط أكَوز (كَوز).[2] أما أسماء رجال ركراكة فهي: وسمين الياس (يعتقد انه من تسلم الرسالة من الرسول-ص-)، وعبد الله أدناس، وعيسى بوخابية، ويعلى بن واطيل، وسعيد بن يبقى (السابق)، وأبو بكر الشماس، وابنه صالح بن أبي بكر.

وقد كانت معركة جبل الحديد (بين آسفي والصويرة) بين محمد الشيخ بن زيدان السعدي والشياظمة سنة 1050ه/1640م الصدى الكبير في أنحاء المغرب، ذلك أن السلطان السعدي حاول إعادة الأمن إلى البلاد بإخضاع المناطق الثائرة، بما فيها الشياظمة، الذين هزموه شر هزيمة، فكانوا يشيعون بين الناس أنهم انتصروا بفضل سبعة رجال رجراجة.[3] ولما بلغ ذلك محمد الشيخ السعدي قال له بعض علماء مراكش أن عندنا بمراكش سبعة رجال فلو قصدهم السلطان ووقف على بابهم سيكون له الانتصار على الشياظمة، فرد السلطان بالموافقة على اقتراح العلماء فسأل عن هؤلاء الرجال السبعة.[4] وقد أخذ السلطان بهذا الرأي فنظم طواف سبعة رجال مراكش، وجعلوه منطلقا من شرق المدينة إلى غربها، وقد نجحت خطته إذ أنه بعد هذا التنظيم وجمع شتات جيشه المهزوم واعادة تنظيمه، تمكن من الانتصار على ركراكة ووضع منطقتهم تحت سلطته المركزية.

المولى إسماعيل وإحياء طواف سبعة رجال

وبسبب تجدد أحداث الثورة في مناطق المحيطة بمراكش، ولمواجهة الثورات ولجوء الساكنة كل مرة إلى الأولياء من أجل الإحتماء بهم وقيادة الثورات، وخاصة في منطقة سوس التي كانت ملجأ دائما للثوار ضد حكمه كما هو الشن مع ابن أخيه ابن محرز، حاول المولى إسماعيل تجريد هؤلاء الأولياء من شرعيتهم، وخاصة الرجال السبعة لرجراجة من خلال استفتاء العلماء في أمر صحبتهم، كما قام بإحياء وبتنظيم زيارة مضادة لسبعة رجال مراكش “العرب” مقابل زيارة رجال رجراجة “البربر“، ووفر للزيارة كل وسائل النجاح لتجلب إليها الأنظار وتأخذ مكانة الزيارة السابقة وصيتها، وقد كان ذلك حوالي سنة 1100ه. وكان غرض المولى إسماعيل من خطته أيضا أن يصالح أهل مراكش بعدما نكل بهم جيشه في حربه مع ابن أخيه ابن محرز والذي احتمى بالمدينة وساعده سكانها، فقام بإحياء هذا التقليد المحبب لنفوس الناس.[5]

من هم الرجال السبعة؟

هم صلحاء أٌقبروا بمدينة مراكش في أزمنة متباينة، فأول الرجال ينتمي للعصر المرابطي، وآخرهم ينتمي لبداية العصر السعدي، كما أن بعضهم ولدوا بمراكش وبعضم الآخر من مناطق أخرى بعيدة شمالا وجنوبا، كما أن لكل واحد مميزات تميزه وتميز فكره الديني أو الصوفي، كما اختلفت إسهامات كل واحد منهم في المجتمع؛ حيث منهم من انغمس في السياسة، ومنهم من انخرط أساسا في ميدان التربية والتعليم، من كانت له أدوار اجتماعية محضة[6]. وفيما يلي الرجال السبعة بمراكش:

1- القاضي عياض (توفي 544ه/1149) وهو من أشهر علماء المغرب، حتى قيل “لولا عياض لما ذكر المغرب”، وهو إمام المذهب المالكي في المغرب، وقد عاش في العصر المرابطي، حيث توفي قبل دخول المرابطين إلى مدينة مراكش بثلاث سنوات. وسبق له الإشتغال بالتدريس في مدينة سبتة وبعض مدن الأندلس. ورغم أنه أصبح من رجالات مراكش المرموقين، فإنه في حقيقة الأمر دخل المدينة مغربا ومنفيا إثر الأحداث التي واجه فيها سكان سبتة الحركة الموحدية ما بين 536ه و543ه. وقد اشتهر بالزهد والورع.[7]

2- أبو القاسم عبد الرحمن السيهلي (توفي 581ه/1185م)، ولد ونشأ بسهيل في الأندلس، وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة. وقد اشتهر بمعرفته الواسعة باللغة والتفسير وصناعة الحديث ورجاله وأنسابه وعلم الكلام والأصول. وهو كالقاضي عياض غريب عن مراكش قدم إليها بدعوة من يوسف بن عبد المومن بعدما ذاع صيته وشهرته، وقيل بل سار إليه بمحض إرادته بسبب الحاجة وضيق الحال، وخاصة وأنه كان ضريرا. وقد قضى بمراكش ثلاث سنوات فقط. وعرف بالزهد في الدنيا والصبر على عاهة العمى، وضيق سبل العيش والحاجة.[8]

3- يوسف بن علي الصنهاجي (توفي593ه/1196م)، ولد ونشأ في مراكش، ودرس بها على الشيخ أبي عصفور أحد تلامذة الشيخ أبي يعزى. ولم يعرف له مشاركة في الحركة العلمية بالمغرب، وهو الشخصيات الصوفية التي عرفت بصبرها لأنه كان مصابا بالجذام.[9] فكان يقيم في غار خارج باب أغمات وفيه دفن بعد وفاته.[10]

4- أبو العباس السبتي (توفي سنة 601ه/1204م)، من مواليد مدينة سبتة، وانتقل إلى مراكش لطلب العلم، ولأنه صادف محاصرة عبد بن علي لمدينة مراكش فإنه نزل بجبل كيليز المشرف على المدينة، وفيه بقي مدة أربعين سنة دون أن يتقدم لأخذ العلم عن علمائها، وذلك قبل قطع خلوته والدخول إلى المدينة فتصدر للتدريس والتأليف، وقد تميز بمذهب خاص في الصدقة.[11]

5- محمد بن سليمان الجزولي (توفي 870ه/1465م)، أخذ عن الشيخ أبي عبد الله أمغار برباط تيط فسلك على يديه. وبعد خلوة طويلة اشتهر أمره وكثر أتباعه ومريدوه،، وقد تميز أسلوبه التربوي والصوفي بدمج بعد الجهاد في عمله. أما علاقته بمراكش فلم تكن وطيدة، وقيل فيها التقى بتلميذه التباع، وبعد وفاته نقل السعديون جثمانه إلى المدينة ليصبح أحد رجالاتها. والجزولي هو الذي أسس لخط جديد في التصوف المغربي فحلت طريقته محل الشاذلية وتفرعت عنها طرق عدة طرق، كما اشتهر بكتابه “دلائل الخيرات” في الصلاة على النبي (ص) والذي نال شهرة لا تضاهى في البلاد وخارجها، حتى أصبح يطل عليه الناس “صاحب الدليل” أو “مول الدليل”.[12]

6- عبد العزيز بن عبد الحق التباع (توفي 914ه/1508م)، وهو من مواليد مراكش، وعرف عنه أميته في فترة شبابه وذلك قبل السفر إلى فاس للتعلم، ولا يعرف نسبه بالضبط ولا تسعف المصادر في معرفة أصله. ورغم إسهاماته في المجال التربوي الصوفي، إلا أنه لم يكن معدودا من المؤلفين والعلماء. وتعود شهرته إلى انه من تلامذة الجزولي والسهلي، فاعتبر وارث سر الجزولي ومؤسس فرع نشيط من فروع الطريقة وهي الطريقة التباعية.[13]

7- عبد الله بن عجال الغزواني (توفي سنة 935ه/1528م)، وينتسب إلى قبيلة غزوان في منطقة الشاوية، حل بمراكش بعد دراسته بفاس وبحثه عن شيخ الطريقة، وبها أخذ عن التباع ثم فتح زوايا له في مناطق عدة. عرف عنه نبوغه في التأليف في مجال التصوف. وهو مؤسس الفرع الغزواني للطريقة الجزولية، وعرف باتجاهه الإجتماعي المتمثل في شق السواقي وإحياء الأراضي والإهتمام بالفلاحة.[14]

يشار إلى أن بعض الكتابات ذهبت إلى أن كل الرجال السبعة من أصل عربي، وخاصة من اليمن، رغم أن ذلك لا يستند على دلائل قوية، خاصة بالنسبة للجزولي المنتمي إلى قبيلة جزولة من صنهاجة، ونفس الأمر بالنسبة ليوسف بن علي الصنهاجي، وهو صنهاجي النسب أيضا، وذلك دون ذكر التباع الذي لا يعرف أصلا نسبه بالضبط، ولا تسعف المصادر في معرفة أصله.

مسار طواف سبعة رجال

يبدأ مسار طواف سبعة رجال بمراكش من ضريح يوسف ابن علي الصنهاجي شرق المدينة وبالقرب من القصر السلطاني في القصبة، ثم الإنطلاقة إلى باقي الأضرحة مرورا عبر عدد مهم من الأحياء والمزارات والمعالم الدينية المهمة في المدينة، وهكذا ينتقل إلطواف إلى محطته الثانية ضريح القاضي عياض، ثم ضريح أبو العباس السبتي، فمحطة ضريح محمد بن سليمان الجزولي، فضريح عبد العزيز التباع، ليتبعه ضريح الغزواني، ومنه إلى المحطة السابعة والأخيرة بضريح الإمام السهيلي ومقبرته الكبيرة، ثم ينتهي الموكب السلطاني بدخول القصبة. وبين كل محطة ومحطة أساسية تتم زيارة عدد مهم من الزوايا والأولياء والمقابر والمساجد.[15] وهذا الترتيب لا يراعي العامل الزمني ولا أفضلية الولي وعمله وإنما له اعتبار جغرافي محض لتسهيل الزيارة والمرور عبر أكبر عدد من المعالم الدينية والصوفية في المدينة.[16]

وخلافا لطواف رجراجة السنوي، تتم زيارة سبعة رجال مراكش بالترتيب المعروف كل أسبوع، فإن كان له متسع من الوقت ورغب في أن يؤدي الزيارة على وجهها الأكمل يخصص يوما لكل ولي، فإن لم يكن لديه الوقت الكافي فيمكن للزائر أن يقوم بذلك في يوم واحد مع الحفاظ على الترتيب المذكور.[17]