المحتويات
مقدمة
جسدت حركة “اللطيف” البداية الفعلية للتحدي السياسي العلني للحكم الاستعماري في المغرب[1]، وقد تمثلت كحركة اجتماعية ثقافية[2] مصاغة في قالب ديني[3] على إثر إصدار “الظهير البربري” في 16 مايو سنة 1930، هذا الأخير الذي شكل نواة الأسطورة المؤسسة للوطنية المغربية والتي جعلت من هذا المرسوم وتبعاته السياسية مستندا لشرعيتها وبروزها السياسي[4].
ذكر اسم الله اللطيف في مواجهة مخطط التقسيم
لقد شكل “الظهير البربري” فرصة تاريخية لتكثيف الشعور الوطني ضمن حراك سياسي استثمر المشاعر الدينية السائدة لمناهضة الاستعمار الفرنسي، حيث عملت الخلايا الأولى للحركة الوطنية على تعبئة الجماهير المغربية للاحتجاج على مخططات السلطات الاستعمارية بعد انكشاف خطورة عناصر “السياسة البربرية” وذلك من خلال عدة مستويات؛ كانت الانطلاقة عبر قراءة اللطيف في أعقاب الصلوات في كبريات المساجد، وقد كانت العبارة الشهيرة التي شكلت شعارا خلال هذه المظاهر الاحتجاجية “اللهم يا لطيف ألطف بنا فيما جرت به المقادير ولا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر” لها طاقة تعبوية خاصة، نظرا لحمولتها الدينية كونها تجلت أساسا في صيغة دعاء، ثم لطبيعة إيقاعها الذي يسهل معه ترديدها كشعار للتعبئة والتحشيد، ثم لكون العبارة شكلت خلاصة وجيزة لطبيعة المضامين التي أعطتها الحركة الوطنية لظهير 16 مايو 1930.
من “الجامع” إلى الحزب السياسي
وقد تحولت هذه الحلقات الأولية إلى مظاهرات في الفضاء العام وشوارع مدن فاس وسلا والرباط ومراكش، للمطالبة بإلغاء هذا الظهير، لتشكل دفعة قوية لانطلاق حركة وطنية منظمة بزعامة علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني وأحمد بلافريج والمكي الناصري في المنطقة الفرنسية، وبزعامة عبد السلام بنونة وعبد الخالق طريس ومحمد داود في المنطقة الإسبانية، حيث أسهمت الاحتجاجات الشعبية اتجاه “الظهير البربري” أرضية ملائمة لبناء جهاز حزبي عصري لمناهضة الاستعمار، على الرغم من محاولات الاحتواء سواء من قبل السلطان أو من قبل الإدارية الاستعمارية لإيقاف حالة الاحتجاج التي انطلقت صيف سنة 1930. فقد عملت الإقامة العامة بفعل تطور الحراك السياسي إلى توزيع منشور باسم الوزير المفوض للإقامة العامة يعلن فيه أن الحماية تقبل خروج كل قبيلة تطالب بالقضاء الشرعي من جملة القبائل التي يشملها الظهير، وهو الأمر الذي ظل محض تمويه بحيث كان يتم اعتقال أي وفد أرسلته القبيلة طلبا لتحقيق مضمون المنشور من قبل ولاة المراقبة.[5] كما قرئت رسالة سلطانية يوم 11 غشت سنة 1930 بالمساجد تذكر بحرمة بيوت الصلاة وبأن الظهير قد أسيء فهمه، كما استقبل السلطان محمد بن يوسف وفدا من شباب فاس ليؤكد لهم بأنه لم يتنازل أبدا عن أدنى حق من حقوق الوطن. كما أن رئيس فرنسا آنذاك قرر زيارة المغرب بدعوى تهدئة الأوضاع، كما أصدر نشرة دورية لبعض الأوساط المسيحية المهووسة بالتبشير يحثها على شيء من الاعتدال.[6]
وهكذا سيتم تأسيس “كتلة العمل الوطني”، باعتباره أول تنظيم سياسي تأسس في عهد الحماية والتي بدأ نشاطه السياسي باستثمار الوجدان الديني للمغاربة الذي انضاف إلى أجواء السخط الاجتماعي اتجاه أهداف “ظهير 16 مايو”، وقد لعبت جريدة ومجلة “الشعب” داخل المغرب ومجلة “المغرب” التي تم إحداثها بمساعدة “روبير جان لونكي-Robert Jean Longuet” (حفيد كارل ماركس) بباريس دورا حيويا في التعبئة وتأطير الوعي السياسي الناشئ بتناقضات القضية الوطنية وطبيعة المخططات الاستعمارية.[7]
تضامن دولي ضد السياسة البربرية
وقد واكب هذه الحركة الاحتجاجية والحراك السياسي الداخلي، حراكا على المستوى الخارجي عملت الحركة الوطنية من خلاله على الترافع ضد “السياسة البربرية” التي نهجتها الإدارة الاستعمارية عبر بعث برقيات التنديد إلى عصبة الأمم والتواصل مع زعماء ومفكرين في العالم العربي والإسلامي. وقد جاء تفاعل شكيب أرسلان الذي زار المغرب في تلك الفترة كثمرة للجهود الخارجية التي قامت بها الحركة الوطنية، والذي دعا عبر نداء إلى مقاطعة البضائع الفرنسية. وبهذا نكون إزاء طور جديد من الفعل الاحتجاجي عبر وسائل أكثر تأثيرا تمثلت في ضرب المصالح الاقتصادية الفرنسية من خلال الدعوة إلى المقاطعة الشاملة للبضائع الفرنسية كالامتناع عن التدخين وعدم اقتناء السكر الفرنسي وغيرها من المنتوجات[8]. كما سخر صحيفته “الأمة العربية” الصادرة بالفرنسية في جنيف لخدمة هذه القضية. وهكذا لقيت الجهود التعريفية بالأهداف الاستعمارية الكامنة وراء إصدار ظهير 16 مايو 1930 استجابات عديدة مثل تفاعل صحيفة “فتح” لصاحبها محيي الدين الخطيب، كما تباحث المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في القدس في دجنبر 1931 بعد مناقشة التقرير الذي تقدم به المكي الناصري والحاج محمد بنونة ممثلان عن المغرب واتخذت الملتمسات المناسبة بهذا الخصوص. بالإضافة إلى جهود جمعيات الشبان المسلمين وجمعية الهداية الإسلامية التي شكلت لجنة للحفاظ على إسلام “البربر”، وعريضة علماء الأزهر للملك فؤاد الأول، الشيء الذي خلق ارتباكا واضحا لفرنسا.[9] كما تجدر الإشارة أيضا لإسهامات الأحزاب التقدمية بفرنسا وإسبانيا في دعم النضال السياسي للحركة الوطنية بهذا الشأن، فبفضل جهود “جون كيران-Jean Guérin” استطاع الوطنيون المغاربة إصدار كتيب بالفرنسية بعنوان “مسلم بربري” يشرح ملابسات إصدار الظهير وأهدافه الاستعمارية.[10]
لقد توجت ردة الفعل الشعبية والحراك السياسي للحركة الوطنية بإرغام السلطات الاستعمارية على التراجع عن أخطر بنود الظهير بإصدار ظهير في 8 أبريل من سنة 1934 أرجع القبائل الأمازيغية إلى المحاكم الشرعية[11].
المراجع
[1]إيكلمان، ديل.(2009). المعرفة والسلطة في المغرب: صورة من حياة مثقف من البادية في القرن العشرين. (أعفيف، محمد. الوجاني، مصطفى. المترجمان). طنجة: دار النشر ملابطا. ص: 214.[2] بوعزيز، مصطفى. (2013).الحركات الاجتماعية في مغرب القرن العشرين محاولة تركيب. في القبلي، محمد. (تحت إشراف). المغرب والزمن الراهن: معطيات ومقاربات. الرباط: منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب.. ص: 105.
[3]إيكلمان، ديل.(2009). المعرفة والسلطة في المغرب: صورة من حياة مثقف من البادية في القرن العشرين.مرجع سابق. ص: 214.
[4] El Qadéry, Mustapha. (2007). La justice coloniale des «berbères» et l’État national au Maroc. L’Année du Maghreb. Tome III. PP. 17-37. DOI:10.4000/anneemaghreb.349
[5] الفاسي، علال. (2003). الحركات الاستقلالية في المغرب العربي. (الطبعة السادسة مصححة). الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة.. ص: 166.
[6] بوطالب. إبراهيم. (2003).مادة الظهير البربري. في معلمة المغرب. (الجزء 17). سلا: الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ومطابع سلا.. ص: 5825.
[7] بوطالب. إبراهيم. (2003).مادة الظهير البربري. في معلمة المغرب. نفس المرجع.
[8] Lafuente, Gilles. (1984).Dossier marocain sur le dahir berbère de 1930. Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée, n°38. P. 101. DOI:10.3406/remmm.1984.2047
[9] الفاسي، علال. (2003). الحركات الاستقلالية في المغرب العربي. مرجع سابق. ص: 168.
[10]بوطالب، إبراهيم. (2003).مادة الظهير البربري. في معلمة المغرب. مرجع سابق. ص: 5825.
[11] أنظر الظهير الشريف لـ8 أبريل 1934، الجريدة الرسمية بتاريخ 13 أبريل 1934، عدد 1120.