المحتويات
مقدمة
نُشر الظهير الملكي رقم 1.22 .64 في 27 من ربيع الأول 1444 (24 أكتوبر 2022) المتعلق بتنظيم الطائفة اليهودية المغربية وإحداث مؤسسة الديانة اليهودية المغربية في الجريدة الرسمية[1]، وقد استند إصدار الظهير على مرجعيتين دستوريتين، الأولى هي: مرجعية إمارة المؤمنين في ضمان ممارسة الشؤون الدينية (الفصل 41 من الدستور) و الثانية هي: مرجعية ديباجة الدستور التي اعتبرها الظهير “أحكاما” ملزمة، والتي نصت على حضور المكون العبري ضمن روافد الهوية المغربية المتنوعة.
وقد أحدث الظهير الجديد خمس مؤسسات لتنظيم الحياة الدينية والثقافية لليهود المغاربة وهي: المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية، والحاخام الأكبر للمملكة، واللجن الجهوية، ولجنة اليهود المغاربة بالخارج، ومؤسسة الديانة اليهودية المغربية.
المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية
يتميز هذا المجلس بطبيعة تدبيرية تنفيذية، وجعلته المادة الأولى من الظهير شخصا اعتباريا من أشخاص القانون العام المغربي، وحددت مقره بالعاصمة الرباط.
اختصاصات المجلس:
يتولى هذا المجلس تدبير شؤون الطائفة اليهودية المغربية وتنسيقها على المستوى الوطني، ويعمل على تقوية أواصر ارتباط المواطنات والمواطنين المغاربة من الديانة اليهودية المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وصيانة وتثمين التراث والإشعاع الشعائري والثقافي للديانة اليهودية المغربية، في ثرائها وتنوعها، داخل أرض الوطن وخارجه.
وأنيطت بالمجلس عدة مهام منها الإسهام في حمل رسالة الاندماج في المجتمع والترويج والدفاع عن قيم التضامن والتربية، في احترام لثوابت الأمة المغربية والتعددية التي تميز مختلف مكوناتها، وفقا مبادئ الدستور، وإبداء الرأي للملك بشأن القضايا التي تهم الطائفة اليهودية بالمغرب واليهود المغاربة بالخارج.
كما يتكلف المجلس بدراسة القضايا التي تهم أفراد الطائفة اليهودية بالمغرب واليهود المغاربة بالخارج، إلى جانب تحديد التوجهات العامة المؤطرة للمبادرات والأنشطة الهادفة إلى تعزيز وتقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي وإلى التعريف على المستوى الدولي بالتراث والإشعاع الشعائري والثقافي للديانة اليهودية المغربي.
وبمقتضى الظهير، يشرف المجلس على إدارة الشؤون الدينية والتعليم الديني اليهودي والسهر على تنفيذ التعاليم العقائدية للديانة اليهودية المغربية، وإدارة الأوقاف الدينية، المعروفة بـ (هقدش)، والمزارات وتسيير ومراقبة إدارة المعابد والمقابر والأضرحة التابعة للطائفة اليهودية، و خدمة الجنائز وجميع المباني الدينية وضمان صيانتها، وتدبير ممتلكات الطائفة اليهودية وتنميتها والمحافظة عليها، وتأطير تدبير الخدمات الموجهة للطائفة اليهودية والإشراف عليها، ولا سيما إحداث المؤسسات والخدمات المصنفة حلال (الكاشير)، في احترام للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل.
كما منح الظهير للمجلس الحق في مساعدة المعوزين من أفراد الطائفة اليهودية في إطار واجب التضامن الديني وتنظيم الأعمال الخيرية والإغاثة والإحسان لفائدة أفراد الطائفة اليهودية، والترخيص للمؤسسات اليهودية العاملة في مجالات التربية والتعليم والتكوين، وتقديم المساعدة لها عند الاقتضاء، علاوة على الإسهام في تنظيم فعاليات الأنشطة المتعلقة بالشباب والثقافة والترفيه لفائدة أفراد الطائفة اليهودية، والتنسيق بين أنشطة اللجان الجهوية والجمعيات والمؤسسات اليهودية، ونهج المساطر الإدارية أو القضائية للمحافظة على الممتلكات اليهودية التي لا وارث لها، وذلك تحت مراقبة الغرف العبرية لدى محاكم المملكة.
وألزم الظهير الملكي المجلس برفع إلى علم الملك جميع الاقتراحات التي من شأنها تحسين وضعية الطائفة اليهودية. كما أتاح للحكومة أن تحيل على المجلس القضايا التي تندرج ضمن اختصاصاته.
هيكلة المجلس:
تتميز الهيكلة التنظيمية للمجلس بجمعها بين الانتخاب والتعيين، إذ يتألف من رئيس ومكتب، وحدّدت المادة 4 من الظهير على أن رئيس المجلس يعين بظهير شريف، ومن مكتب يتألف من الرئيس وثمانية أعضاء منهم الكاتب العام بحسب المادة 13 من الظهير، يختارون من 24 عضوا الذين يشكلون كل أعضاء المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية، منهم 12 عضوا يعينون من لدن الملك، باقتراح من وزير الداخلية، من بين الشخصيات المغربية من الديانة اليهودية المشهود لها بالخبرة والعطاء المتميز، وطنيا ودوليا، في مجال إشعاع الديانة اليهودية المغربية وتعزيز الثقافة المغربية في تنوعها، فيما ينتخب الـ12 المتبقين من طرف أفراد الطائفة اليهودية على مستوى دوائر انتخابية جهوية، بالاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية، كما يعد الحاخام الأكبر للمملكة وممثل وزير الداخلية عضوين بالمجلس بحكم القانون.
وحول الهيئة الناخبة المشاركة في انتخاب أعضاء المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية، أوضح الظهير بأن الأمر يتعلق بـ”لأشخاص البالغين سن الرشد من الديانة اليهودية، رجالا ونساء، من أصل مغربي، الحاملين للجنسية المغربية والمتوفرين على البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية، سارية المفعول، مسلمة من لدن السلطات المغربية”.[2]
واشترط الظهير على أن تتم الانتخابات بالمغرب، وتباشر في دورة واحدة، ويكون التصويت سريا وشخصيا، ويمارس بكيفية مباشرة من طرف كل فرد من أفراد الطائفة اليهودية مسجل بكيفية قانونية في لائحة الناخبين، مع إمكانية التصويت بالوكالة لعذري العجز البدني أو للوجود خارج التراب الوطني يوم الاقتراع.
مالية المجلس:
وبخصوص ميزانية المجلس، فقد حدّدها الظهير في عائدات الهبات والوصايا والصدقات، وعائدات الرسوم اليهودية، وهبات “ندابوت”، وعند الاقتضاء، من إيرادات الأوقاف الدينية (هقدش)، وكذا عائدات كراء أو استغلال الأموال والممتلكات العقارية أو التجارية للطائفة اليهودية، فضلا عن عائدات الخدمات المصنفة حلال (الكاشير).
ومنح الظهير للمجلس الحق من الاستفادة من منحة مالية تسجل في الميزانية السنوية لوزارة الداخلية برسم قانون المالية، إلى جانب استفادته من أي تمويل مالي آخر أو منحة من أية هيئة عمومية أو خاصة، وطنية أو أجنبية، أو منظمة دولية حكومية أو غير حكومية.
الحاخام الأكبر للمملكة
أحدث الظهير الشريف، منصب الحاخام الأكبر للمملكة، يُعيّن من قبل الملك باقتراح من مكتب المجلس، وهو الاقتراح الذي يُقدّم بعد استشارة الغرف العبرية لدى محاكم المملك. ويعتبر الحاخام الأكبر للمملكة بحسب نص الظهير: المسؤول الديني والقائد الروحي للطائفة اليهودية المغربية على اختلاف مشاربها، ويتمتع الحاخام بسلطات واسعة في المجال الديني اليهودي، إذ يتولى مهام تمثيل الديانة اليهودية المغربية لدى السلطات العمومية، و يشرف على معالجة القضايا الدينية والمذهبية لليهود المغاربة وتقديم الدعم الروحي والمادي لأفراد الطائفة اليهودية، والإشراف بتنسيق مع المجلس على تكوين الحاخامات وإبداء الرأي للمجلس حول تنظيم الشأن الديني اليهودي، كما يقوم بمهام الوعظ والإرشاد الديني، في البيع التابعة للطائفة اليهودية.
اللجن الجهوية
تُحدث بقرار لوزير الداخلية، الذي يحدد عدد الأعضاء الواجب انتخابهم في كل لجنة جهوية ونفوذها الترابي الذي يمكن أن يضم أكثر من جهة، وأنيطت بهذه اللجن مساعدة المجلس في تنفيذ اختصاصاته على مستوى المدن الكبرى كالدارالبضاء ومراكش وطنجة والرباط حيث تتمركز تجمعات ذوات عدد من الجماعة اليهودية المغربية.
لجنة اليهود المغاربة بالخارج
تتألف هذه اللجنة من رئيس وتسعة أعضاء، و تعدّ بمثابة لوبي رسمي للمغرب على المستوى الدولي وبالأخص في تدعيم توجهات السياسة الخارجية المغربية في مرحلة ما بعد التطبيع، وقد كُلفت اللجنة بحسب المادة 34 من الظهير بعدة مهام من أبرزها: تعزيز أواصر ارتباط اليهود المغاربة بالخارج ببلدهم والترويج لصورة المملكة بالخارج والدفاع عن مصالح العليا للأمة. وهذه المهمة في نظري غارقة في المثالية الحالمة، إذ كيف سيدافع أعضاء اللجنة عن مصالح المغرب الحقيقية؟ وأغلب اليهود المغاربة في الخارج حاملين للجنسية الإسرائيلية ولهم ارتباطات عسكرية وأمنية واستخبارتية بها ولا يخفون انضباطهم لخدمة أجندتها الإحتلالية العنصرية ضد الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين ومقدساتهم وفي مقدمتها الحرم القدسي.
مؤسسة الديانة اليهودية المغربية
وهي مؤسسة مستقلة عن المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية وتحظى بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وقد كُلفت المؤسسة وفق مقتضيات الفرع الثالث من الظهير بالمجال الثقافي والفني وحفظ الذاكرة والتراث اللامادي اليهودي المغربي، ويُسيّر المؤسسة مكتب يتألف من رئيس يعين من لدن الملك وسبعة أعضاء يعينون كذلك من طرف الملك كذلك باقتراح من رئيس المؤسسة من بين الشخصيات المغربية اليهودية أو المسلمة بحسب المادة 40 من الظهير، وعلاوة على ميزانيتها الخاصة المتعددة الموارد على الصعيد الوطني والدولي يمكن للمؤسسة أن تستفيد من منحة مالية من الميزانية السنوية لوزارة الداخلية.[3]
خاتمة
بالإطلاع الفاحص على متن الظهير، نسجل وجود إشكال قانوني في قضية اختصاص المجلس في المحافظة على الممتلكات اليهودية التي لا وارث لها في انسجام ذلك مع مقتضيات الدستور و قانون المسطرة المدنية، إذ منحت الفقرة الأخيرة من المادة 2 من الظهير،للمجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية الحق في “القيام، عند الاقتضاء، وفقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، بتحريك مسطرة إدارية أو قضائية، تهدف إلى المحافظة على الممتلكات اليهودية التي لا وارث لها، وذلك تحت مراقبة الغرف العبرية لدى محاكم المملكة”، فوجه الإشكال يتأسس على مخالفة هذه الفقرة من المادة 2 من الظهير للفصل 267 من قانون المسطرة المدنية الذي يمنح الدولة أهلية إرث من لا وارث له، وقد يعترض معترض بحجة أن الأمر له ارتباط بالقانون العبري لليهود المغاربة أو بالأوقاف اليهودية (هقدش)، فنؤكد أن هذه الأخيرة ذكرت بالاسم وكلف المجلس بإدارتها وفقا للفقرة الثامنة من المادة 2 كذلك، كما أن قانون المسطرة المدنية يؤطر هذه القضية (أي أهلية الدولة لإرث من لا وارث له) وهو يسري على جميع المواطنين المغاربة على اختلاف عقائدهم بما فيهم الأغلبية المسلمة التي تخضع لنظام الإرث الإسلامي المنصوص عليه في مدونة الأسرة، كما أن هذه الفقرة تخالف مبدأ مساواة الجميع أمام القانون سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، والمنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل السادس من دستور 2011.
المراجع
[1] الجريدة الرسمية عدد 7140- 8 ربيع الآخر 1444 ( 3 نوفمبر 2022): أنظر الرابط: https://tinyurl.com/mrybe7f4 .[2] المادة 9 من الظهير المتعلق بتنظيم الطائفة اليهودية المغربية وإحداث مؤسسة الديانة اليهودية المغربية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7140- 8 ربيع الآخر 1444 ( 3 نوفمبر 2022)، أنظر الرابط: https://tinyurl.com/mrybe7f4 .
[3] الفقرة الأخيرة من المادة 44 من الظهير رقم 1.22.64 المتعلق بتنظيم الطائفة اليهودية المغربية وإحداث مؤسسة الديانة اليهودية المغربية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7140 بتاريخ 3 نوفمبر 2022، أنظر الرابط: https://tinyurl.com/mrybe7f4 .