توطئة

الحركة الوطنية المغربية حركة اجتماعية سياسية حضرية ولدت في ثلاثينيات القرن العشرين، لمناهضة الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب، واستمرت هذه المقاومة السياسية المطالبة بالإصلاحات والمساواة مع الفرنسيين المقيمين بالمغرب، لكن رفض سلطات الحماية لهذه المطالب أدى إلى إصدار وثيقة المطالبة الاستقلال واندلاع المقاومة المسلحة.

لقد اختارت حركة المقاومة المغربية الكفاح المسلح والسياسي لمواجهة الغاشم المحتل، واتخذت كل سبل المواجهة لطرده. وقد تعددت أشكال المقاومة بدءا بالمقاومة المسلحة المباشرة، مرورا بالمقاومة السياسية والتنظيمية، وانتهاء بجيش التحرير المغربي، والتحام إرادة السلطان مع الشعب التي تمخض عنها ثورة الملك والشعب.

ونورد ذكر شيخ جليل من شيوخ المقاومة المغربية، إنه الحاج عبد الهادي الديوري، رجل ضحى بوقته وماله، وأبلى البلاء الحسن في سبيل نصرة الدين وفداء الوطن بكل غال ونفيس، متصديا مثل العديد من أبناء المغرب البررة لأطماع المستعمرين… فهو من ذلك الرعيل من الرجال الذين وضعوا اللبنات الأولى لتحرير المغرب وإسماع كلمته في المحافل الدولية، بالإضافة إلى كونه كان غيورا على مصلحة المغرب والمغاربة. 

مضامين الكتاب

الحاج عبد الهادي الديورى، رأى النور بمدينة فاس، في الخامس من شهر مارس 1914. اسم والده عبد النبي بن عبد السلام بن المدني الديورى. والمدني الديوري هذا هو الذي سبق للسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، والد السلطان مولاي الحسن الأول أن عينه قيما على شؤون دار المخزن بمدينة مراكش. واسم والدته الشريفة لالة عويش، وهو تصغير الاسم عائشة بنت أحمد الشريف، الذي كان وليا من أولياء الله الصالحين. ومما هو ثابت أن جده لأمه الذي كان على درجة أعلى من التقوى والورع والزهد والولاية هو الذي سهر على انتقال ولي الله الصالح سيدي أحمد التيجاني من عين ماضي إلى مدينة فاس. وبالجملة، فإن الديوريين اشتهروا بتعاطيهم للتجارة في منتجات الصناعات التقليدية، حيث كانت لهم مراكز ونقط تجارية في شرق دار الإسلام كمصر وتونس وطرابلس وغيرها. وفي الدول الغربية كفرنسا وانجلترا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا. (مقدمة الكتاب، ص: 9\10)

وفى هذا الوسط، من المؤهلات الخلقية والأخلاقية الرفيعة، نشأ صاحبنا وترعرع وانتهج سلوكا ذكيا مكنه من الاطلاع عن كثب على نوايا الاستعمار لنسفها من الأساس في صمت وبطول أناة. إن الحاج عبد الهادي وطني مخلص من نوع خاص، له أياد بيضاء عديدة عادت على الوطن بكل خير، فهو من ذلك الرعيل من الرجال الذين وضعوا اللبنات الأولى لتحرير المغرب وإسماع كلمته في المحافل الدولية، بالإضافة إلى كونه كان كما لا يزال غيورا على مصلحة المغرب والمغاربة، كائنا ما كان الميدان المتحدث منه. فقد كان الأب الرؤوف لطلبة المغرب بسائر التراب الفرنسي أيام المحنة، وهذه لوحدها مهمة المهمات، عز من يدرك كنهها، فضلا عن أن يكون لها العقل المفكر، خصوصا في الظروف الحالكة التي كان الاستعمار الفرنسي يعد العدة لا لمجرد الاستيلاء على البلاد لاستنزاف خيراتها المادية فحسب، بل لسلبها عقيدتها الإيمانية الراسخة وتنصيرها، كما وقع للعديد من الأقطار الإفريقية بالأمس القريب.

نعم، من هذه الزاوية، نطل على هذا المجاهد الكبير الذي أبى الله تعالى إلا أن ينصر به وبأمثاله دينه الحنيف، ويجعله بمثابة الصخرة الصلدة التي كتب للأطماع الاستعمارية أن تتكسر عليها وتفشل لتبقى كلمة الله هي العليا. وكعلامة مميزة على نبوغه وصدق عزمه، يؤكد أنه لم يؤد القسم الذي أداه غيره في حزب الاستقلال ولم يتسلم قط بطاقة انخراط فيه، طالما أنه في غنى عن ذلك، مع أنه كان من الأوائل الذين نصبوا أنفسهم قيمين على تسيير شؤون حزب الاستقلال بفرنسا، في عقر دار المستعمرين المتغطرسين، الذين كانوا يعتبرون أنهم فوق الحكومة الفرنسية المركزية. كانت الأحداث السياسية الكبرى الخاصة بالمغرب إنما يقع التنسيق لها في داره بباريس 2 زنقة بيكال، ثم الفيلا التي كان يسكنها بجونيفليي، تلك الدار التي حولها إلى مقر للاجتماعات السياسية والطلابية المغربية. كما أنه شارك في عملية تهريب الزعيم علال الفاسي سنة 1936، وكان من بين من تشرفوا باستقبال محمد  الخامس سنة 1936، حيث أقيمت وليمة عشاء حضرها كل من علال الفاسي الذي كان نزيلا بفندق راسياي، وعبد الرحيم بوعبيد، ومولاي أحمد العلوي، وأبو بكر بومهدي، وأحمد السنوسي، وعبد الحفيظ القادري، وعبد الكبير الفاسي، ومحمد بناني.

لقد اضطلع الحاج عبد الهادي الديورى بأدوار سياسية ذات الصلة ليس بالمغرب فقط، بل بتونس والجزائر وفلسطين كذلك، إذ كان ممن يجمعون الأموال ويوصلونها بأمانة وتجرد إلى المسؤولين عن الحركات التحريرية بعدد من الأقطار الإسلامية كتونس والجزائر وفلسطين. وفي الحقل الاجتماعي والديني، عرفت له مواقف جد مشرفة، سواء تعلق الأمر بتدبير شؤون الطلبة المغاربة بفرنسا أو إنشاء الجمعية الخيرية الإسلامية بها. (مقدمة الكتاب، ص: 11)

كما عمل على إحباط المؤامرات التي كانت تحاك في الخفاء من طرف المستعمرين الفرنسيين للقضاء على الصناعة التقليدية المغربية الأصيلة. وفى هذا الصدد يؤكد الحاج عبد الهادي أنه أسس “دار المغرب” بباريس -زنقة سيربانت- التي كانت تحمل في السابق اسم نادي فيكتور هيكو، وجعل منها قلعة شغلها الشاغل هو الدفاع عن الصناعة الأصيلة المغربية والحيلولة دون تركها عرضة للضياع. لقد تحمل أذى المستعمرين وصبر واصطبر على ذلك وحاكوا له الدسائس المحكمة وتآمروا عليه، وكانت النتيجة أن حكم عليه بالسجن ببلجيكا بإيعاز من الفرنسيين وأفلت من تنفيذ قرار الإعدام الذي حكم عليه به جراء ذلك.

“مذكرات الحاح عبد الهادي الديوري” أعدها للنشر جعفر الكنسوسي ومحمد العدناني، وأعد الشهادات عن صاحب الكتاب عبد العزيز تيلاتي. وتقع في 309 صفحة، عن سلسلة أعلام، دار القبة الزرقاء. وقد جاءت المذكرات بعد التقديم في 23 فصلا، الفصل الأول حمل عنوان: معالم نشأة، الفصل الثاني: الأحابيل الاستعمارية ونواة المقاومة، الفصل الثالث: النشر وفضله في الذود عن العقيدة والانتماء، الفصل الرابع: كرامات، الفصل الخامس: ذكر الزعيم علال الفاسي، الفصل السادس: تهريب الزعيم علال الفاسي من باريس إلى القاهرة، الفصل السابع: ذكر الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، الفصل الثامن: شذرات فاسية ومراكشية، الفصل التاسع: التجارة: أصل وتاريخ، الفصل العاشر: دار زنیبر، الفصل الحادي عشر: الجواز والنزول بباريس، الفصل الثاني عشر بلجيكا، فرنسا، وهولندا: حرب ومعاملات تجارية وحكايات، الفصل الثالث عشر: اللقاء بالمغفور له محمد الخامس و انطلاق الحركة الوطنية، الفصل الرابع عشر: الحج، الفصل الخامس عشر: عن المقري، الفصل السادس عشر: الجمعية الخيرية دار السلطان بين البر والتنوير والكفاح، الفصل السابع عشر: القائد العيادي ورحلة فرنسا، الفصل الثامن عشر: مقاومة وتعقب فرنسي،  الفصل التاسع عشر: بين كمد المنفى والعودة منه وبهجة الاستقلال، الفصل العشرون: الحاج أحمد بلافريج، الفصل الواحد والعشرون: حول الظهير البربري، الفصل الثاني والعشرون: أصل تأسيس حزب الاستقلال، الفصل الثالث والعشرون: شهادات في حق الحاج عبد الهادي الديوري.

خاتمة

يعد الحاج عبد الهادي الديوري أحد رجالات المقاومة الذين قدموا الغالي والنفيس إلى جانب أحرار هذا الوطن من أجل طرد المستعمر وضمان الحياة الكريمة للمغاربة، وقد بذل كل ما في وسعه لتحقيق هدف حيش التحرير والمقاومة المغربية. هو أحد شيوخ المقاومة الذين لم تصرفهم الدنيا والأهواء والأطماع عن الجهاد المستميت في سبيل الله كي يبقى المغرب مسلما مرفوع الرأس. وتأتي هاته المذكرات لتربية الأجيال على الأنفة والعزة والمجاهدة والمصابرة ومقاومة الاستعمار والاقتداء بالرعيل الأول من المجاهدين المخلصين الذين أرادوا للمغرب أن يكون حرا عصيا على المستعمر.