المحتويات
توطئة
لفلسطين حضور مميز وواعٍ يضاهي في قوته كثيرا، فهي قلب الوطن العربي. عندما يتحدثون عن القدس وكأنهم يتحدثون عن الأمل والرجاء والتسامح والفداء. فهي في أجندة الملايين من المغربيين وملتقى الديانات الثلاث، فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية لإنجاز المصالحة والوحدة. فالمغرب قدم الكثير للدفاع عن القدس ومواجهة الصهينة. يدعمون فلسطين كواجب ديني وحضاري تفرضه العقيدة والحضارة والتاريخ والرؤية الإستراتيجية، وكأولوية وطنية ضمن أجندات المغرب. ونفس الاهتمام قام به المبدعون في مجالات عدة المسرح، السينما، الشعر، الزجل، التشكيل والكتابة الأدبية…
وقد ارتبط التفكير في إنجاز كتاب “فلسطين… قصة مأساتي” للأستاذ بوسلهام عميمر بالأحداث الأليمة التي ألمت بالأمة الإسلامية إبان الاعتداء الصهيوني الغاشم على غزة رمز العزة (2008)، لما اعتقد بعد الحصار الظالم على أهلها، أن الوقت حان بإيعاز من خصوم حماس السياسيين، للإجهاز على شريان المقاومة الفلسطينية؛ أمل الفلسطينيين بعدما تبين لهم عبثية المفاوضات والقمم والاتفاقيات التي لم تحرر ولا شبرا واحدا، ولا أرجعت لاجئا إلى بيته المغتصب، ولا فتحت معبرا، رغم مرور قرابة عقدان على تدشينها. فكان التفاعل والتضامن العربي والإسلامي، مع أهل غزة منقطع النظير، عبر عنه بأشكال مختلفة، أبرزها المهرجانات والمظاهرات؛ شارك فيها النساء والرجال الكبار والصغار.
الكتاب كأنه يربط الماضي بالحاضر، وما تشهده الساحة الفلسطينية اليوم من عدوان عالمي على غزة العزة لم تعرف له مثيلا من قبل، حيث تكالبت الأمم على قطاع معزول ومحاصر منذ أكثر من 16 سنة، وأخضعته بعد طوفان الأقصى في 7 من أكتوبر 2023 إلى التنكيل بالمدنيين العزل، وتهجيرهم وتخريب بيوتهم وتجويعهم بدعم أمريكا وحلفائها، وصمت عربي مريب.
الكتاب موجه للشباب يفتح لهم نافذة للتعرف عن فلسطين وتاريخها، وجغرافيتها، ومخططات الكيان الصهيوني، وجماعات الانتداب، والاقتداء برجالاتها الأشاوس الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على أرض فلسطين ومقدساتها وقدسيتها، ومواجهة عدوان الكيان الغاصب المدعوم من “وحيد القرن” أمريكا، وفضح الخذلان العربي الرسمي خاصة على عهد الطغاة، الذين طوح الربيع العربي المبارك ببعضهم ولا تزال اللائحة مفتوحة على كل الاحتمالات.
مضامين الكتاب
تضمن الكتاب التالي: بين يدي المأساة، فلسطين قبل الفتح الإسلامي، فلسطين في ظل الفتح الإسلامي، فلسطين إبان انهيار الحكم العثماني.. فلسطين في ظل الانتداب البريطاني، فلسطين في ظل الاستيطان الصهيوني.المقاومة.
هذا الكتيب، كما سماه صاحبه، موجه أساسا للشباب، حاول خلاله الاختصار ما أمكن، و التبسيط ما أمكن، أمله أن لا يكون جنح للاختصار المخل، ولا للتبسيط المستهل، ولا للإطناب الممل في بعض جوانب قضينا المقدسة. فالغاية الأساس أن يخرج هذا العمل، في مستوى الجرح الدامي في قلب كل مسلم، مع الإقرار بالصعوبة التي وجدها أمام تاريخ فلسطين الممتد في الزمان وفي المكان، وتشابك أحداثها، وارتباطها العربي الإسلامي من جهة، وبالتاريخ العالمي بصفة عامة، إن في الماضي أو الحاضر، ولا تزال الأحداث تتناسل يوما بعد يوم، إن لم نقل ثانية بثانية. (الكتاب ص 8/9)
وقد اعتبر المؤلف أن قصة الكتاب قصة من المفروض أن تكتب ليس بمداد الأقلام الجافة ولكن بدماء شهداء فلسطين الطاهرة، وبدموع الأمهات العامة، وبتأوهاتهن الشجاعة في صمت… قصة، تتوفر فيها كل خصائص الحبكة القصصية، وتتضمن كل عناصر الإثارة، قصة أعلن المؤلف منذ البداية، أن خيوطها مع توالي العقود، أصبحت أعقد من خيوط بيت العنكبوت ما إن تمسك بأحد أطرافها، حتى تتشعب بك السبل. يتداخل فيها التاريخ السحيق بالتاريخ القريب والحديث، يتداخل فيها ما هو وطني، بما هو قومي عربي، وبما هو إسلامي بمشارق الأرض وبمغاربها. يتداخل فيها ما هو عالمي، بما هو إقليمي… أيادي كثيرة مختلفة الألوان والأشكال والأحجام، تدلو بدلوها في قضيتها المقدسة. وللأسف الأيادي الغادرة اليوم، هي الأكثر طولا وعرضا، والأشد تأثيرا، بحكم تماهي مصالحها، وإن كان اليوم غير الأمس مع الحراك العربي المبارك، فالمنحنى بكل تأكيد في الاتجاه الصحيح حيال فلسطين السليبة، قضية الأمة الإسلامية. (الكتاب ص 11)
قصة فيها القوة والسلاح، من أبسط أنواعه كالحجارة والمقلاع، إلى أعقدها كالميركافا، والغواصات الحربية، والأسلحة النووية، والعنقودية، والفسفورية. قصة فيها الإغراء، و المكر والخديعة، والعمالة، والتضليل والبيع والشراء، بيعت فيها قناطير المبادئ ولا تزال تباع، بحفنة دولارات معدودة. قصة فيها الشرف في أسمى تجلياتهن وفيها الخيانة في أحط صورها وأخسها. فيها تضحية الشرفاء بالغالي والنفيس في سبيل حياة الوطن المقدس. وفيها تباع الذمم ويرهن مستقبل الوطن في سبيل مناصب زائلة، تنتهي عادة بأصحابها مهما طال الزمن، في مزبلة التاريخ. قصة بقدر ما فيها من مآس، ومن دماء، و من دموع، بقدر ما فيها من أمل مشرق منبعث من بهيم لي الأمة الإسلامية الحالك. (الكتاب ص 12)
قصة شعب تعداد سكانه بالملايين كان إلى عهد قريب، آمنا مطمئنا في أرضه منذ آلاف السنين تحول إلى شعب شتات في الملاجئ والمخيمات. وحتى من بقي صامدا، لم يرضخ لكيد التهجير، رغم الحصار والدمار، وكيد الأعداء، وصمت الأصدقاء، فهو في سجن كبير للأسف، يقف على أبوابه الظالمة، الحراس الصهاينة جنبا لجنب مع الحراس من بني جلدتنا، أسلحتهم مصوبة، نحو صدر الفلسطيني الأعزل، يرصدون حرکات شهیقه وزفيره. وشعب لا وطن له عاش حياة شتات دائم، أصبح بين عشية وضحاها، يملك أرضاً، ينعم بخيراتها، يلقى كل الدعم من قبل دول الاستكبار العالمي، حتى أضحى قوة نووية وحيدة في المنطقة، متغولا على أصحاب الأرض الحقيقيين، ومتحكما في مشربهم ومأكلهم و في حركاتهم وسكناتهم .قصة شخوصها، ليسوا أبطالا كرتونية من ورق، وإنما من لحم ورم، هم خيرة أبناء فلسطين البررة. قصة يصعب التمييز فيها بين من هو بطلها الرئيسي، وبطلها الثانوي، وبطلها الثالث والرابع. هل هم الشباب البواسل المرابطون في الجبهات الدفاعية على خط النار ؟ أم هم الذين على أهبة الاستعداد؛ شبانا وشابات في ريعان شبابهم، أرواحهم في أكفهم يتحينون الفرصة لاستهداف العدو الغاصب في عمق قلاعه المحصنة، موثرين حياة وطنهم، على حيواتهم الخاصة… (الكتاب ص 13)
وما قصة عز الدين القسام، وأمين الحسيني، وأحمد ياسين، وأبي جهاد، والرنتيسي، وفتحي الشقاقي، ومحمد الدرة، وإيمان حجو، وفارس العودة، ويحيى عياش، وسعيد صيام، وندار بيان، وفؤاد حجازي، وعطا الزير ، ومحمد جمجوى… وغيرهم كثير سوى قصة شعب يضرب أبناؤه أروع الأمثلة في الجهاد والصمود والمقاومة وتسطير حروف التضحية بدمائهم الزكية. ما من يوم، منذ الاحتلال الصهيوني الغاشم، إلا ويسجل ميلاد شهید فلسطيني، أو شهيدة فلسطينية. (الكتاب ص 15)
خاتمة
لا بد من التأكيد على أن الكتاب هو قصة ليست من ضرب الخيال، بقدر ما هي قصة شعب عريق، لم يبرح أرضه أبدا منذ قرون خلت، فجأة وجد نفسه في الشتات والمنافي، مجردا من كل حقوقه، إثر مخطط جهنمي محبوك، تولت دول الاستكبار العالمي نسج خيوطه بدقة، حتى تأتى لها غرس الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي. وللأسف ساهمت في غزل شباكه، بشكل أو بآخر، أنظمة عربية استرزقت بالقضية، هي اليوم في مزبلة التاريخ، بفعل الحراك العربي المبارك بكل أطيافه.
لقد ارتبط ميلاد هذا الكتيب عن فلسطين المغتصبة، بالاعتداء الصهيوني الغاشم على قطاع غرة، بعدما ظهر أن الوقت حان الإجهاز على شريان المقامة بعد سنوات من الحصار، فكان التعاطف منقطع النظيرة فتساءل الكاتب عن هذه الحناجر المبحوحة في المسيرات الشعبية والمهرجانات الخطابية. والكتاب يعيد السؤال من جديد ليعرف الشباب عن فلسطين ونضالها وصمودها، وكأن اليوم يعيد ما حدث بالأمس وإن بظلم أكبر وتخاذل بين، وصمت رهيب أمام الإبادة الجماعية التي يتعرض لها القطاع.
الكتاب كتب بلغة سلسة ومبسطة، ولخص المؤلف أحداثا تاريخية، وترافع عن القضية الفلسطينية وشرعيتها، وكشف المخطط الجهنمي للكيان الصهيوني الغاصب، وهو من أهم ما يفيد الشباب في فهم القضية الفلسطينية.