
المحتويات
تقديم
أسال مفهوم السلفية الكثير من المداد، وأصبحنا أمام سلفيات، وأغلبها يدعي ارتباطه بالسلف وأنه يمثلهم ويتبع نهجهم، ونشأ عن هذا في مسار الأمة الإسلامية أهل السنة والجماعة. ووضعت تيارات سلفية اشتراطات لمفهوم السلفية وضيقت بذلك الفضاء السني ووسعت فضاء التصنيف والاتهام بالبدعة، بل تجرأت على العلماء وتطاولت عليهم وأخرجتهم من السنة والجماعة.
ويعتبر كتاب “السلفية الجامعة؛ من سلفية الفئة إلى سلفية الأمة” للشيخ مصطفى بن حمزة محاولة جادة في ضبط مفهوم السلفية ابتداء ورسم حدوده، وعرضها للسلفية من زمن الإمام أحمد بن حنبل مرورا بابن تيمية، والوهابية، وتيارات سلفية بعد الألباني، والسلفية المدخلية، وانتهاء بسلفية المغاربة والاختيارات الدينية التي ارتضوها واعتمدوها وبين تجلياتها.
مضامين الكتاب
ليس من اهتمامات العلامة بن حمزة القيام بسجال علمي ومعرفي حول الفهم الذي قدمه تيار من السلفية لمفهوم السلفية، والتأريخ لها وإنما تدقيق المفهوم، ونقد للضوابط والخصائص والمعايير التي اشترطتها فئة من المسلمين على كل من يريد أن ينتسب لأهل السلف، نازعة صفة السلفية عن غير من لم يلتزم بها. فقد حاول مصطفى بن حمزة العالم المغربي وعضو المجلس الأعلى العلمي بالمغرب أن يدقق في هذه الشرائط، ويرفع عنها الطابع اليقيني القطعي الذي ألبسته إياه هذه الفئة.
كما حرص في مقدمة كتابه أن يبين مقصده من الكتاب، وأنه لا ينوي محاكمة اتجاه من الاتجاهات السلفية، بقدر ما يقف عند حدود البيان، وإبراز مواقع الخلل في فكر التجزئة التي يحدثها الداعون إلى الاستئثار بالسلفية مع الدعوة إلى تفعيل ثقافة المراجعة والتأمل والتفكير بقصد إعادة النظر في مشروع التجزئة والإقصاء الذي تحدثه مثل هذه الأفهام.
تكمن أهمية الكتاب في كونه يحاول أن يناقش نمطا من الفكر السلفي يحاول أن يحتكر مفهوم السلف، ويضيقه بفرض جملة اشتراطات تقوي نزعات التجزئة وإخراج طوائف من الأمة من الدائرة السنية. يقول العلامة بن حمزة: “هذا البحث الذي أضعه أمام نظر القارئ الكريم، ليس من مقاصده تقصي الحديث عن تعاريف السلفية، ولا التوسع في التاريخ لها أو في رصد مساراتها، ولا الإبعاد في إحصاء تياراتها ومدارسها، وإن كان البحث قد ألم فعلا بشيء من ذلك ولامسه، بقدر ما دعت إليه الحاجة المنهجية التي تفرض عرض مدخل يفضي إلى صلب الموضوع، وإلى بناء إطار شامل له”. ويضيف: “ليس من أهداف هذا البحث كل ما سبق، وإنما الهدف منه هو دراسة صيغة خاصة من صيغ السلفية، بعدما غدت هذه الصيغة حمى مسيجا احتمت به فئة من المسلمين، وضربت حولها طوقا من الاشتراطات والمعايير، فأشبهت أن تكون سرادقا سميكا يبقي جماهير الأمة خارجه، وقد كان التشدد في فرض هذه الاشتراطات سببا مباشرا في توزيع المسلمين من أهل السنة إلى فئتين: فئة هي على قدم السلف، وأخرى ليس أفرادها من أهل السنة، أو هم (من أهل القبلة فقط في أحسن التوصيفات من أهل القبلة لا غير)، على الرغم من أن هؤلاء قد بذلوا الكثير في خدمة المعرفة الشرعية، وفي الدفاع عن الإسلام وفي حماية شريعته حتى صار ما كتبوه مكونا قويا من مكونات المعرفة الإسلامية. (مقدمة الكتاب، ص: 5).
لقد وقف البحث مطولا مع تلك الشروط التي هي عند أصحابها قطعية يقينية لا يتطرق إليها الاحتمال أو الشك، فناقشها وعرضها على الشواهد العلمية، فتبين أنها مدخولة، وأنها تفتقد إلى القوة التفسيرية التي تحيط بالموضوعات المدروسة، وأثبت البحث من خلال استعراض بعض الأمثلة والنماذج أن الواقع العلمي لا يساند تلك الاشتراطات، وأبرز في المحصلة أن تلك الشروط ليست لها قوة تصبح بها مرجعا وسندا للقول في عقائد الناس، وفي صحة انتمائهم إلى السلف.
إن الدراسة لا تحاكم اتجاها معينا، ولا تقع في الخطأ الذي تنتقده على الآخرين، ولا تقصي غيرها عن رحاب السلفية، إلا من كان من أهل البدع العقدية التي أصبحت فعلا تصوغ مجتمعاتها المناوئة علنا للاتجاه السني.
إن الدراسة التي قدمها بن حمزة تقف عند حدود البيان، وعند مستوى إبراز مواقع الخلل في فكر التجزئة التي يحدثها الداعون إلى الاستئثار بالسلفية. وهي تنبه إلى أن مشروع الاستئثار هذا له انعكاسات خطيرة أصبحت نذرها تعلن عن نفسها، بعدما أدخل العالم الإسلامي في حروب بينية طائفية لم يكن يتوقعها أو يحسب لها أي حساب.
وهكذا فقد واجه العالم السني محاولات التجزئة والاستقطاع على أساس طائفي، ووجد الصف السني نفسه أخيرا مدعوا إلى التكتل السياسي، وإلى عقد أخلاف عسكرية لمواجهة الخطر الداهم. معرضا عن كل تلك الفروق التفكيكية التي اشتغل عليها بعض الناس. زمنا طويلا، وبذلت من أجل استنباتها جهود وطاقات، وأهدرت فيها أموال وثروات.
وعلى الرغم من هذا الواقع المؤسف الذي يبعث على الحسرة.فإن بوارق الأمل تلوح في الأفق من خلال بروز بعض المراجعات الفكرية التي أصبح أصحابها ينشرونها، ويلقون بها حجرا في ماء راكد، ويخلخلون بها الاستقرار على أفكار استمدت قوتها من مساندة كبيرة بذلت لها، ومن تلك الدراسات على الأخص ما نشره أحمد سالم وعمرو بسيوني وهما من رجال سلفية الفئة في أطروحتهما التي عنوناها بعنوان صادم هو ما بعد السلفية. وقد جاء البحث داعيا إلى المراجعة والتأمل، وإلى توقع كل البدائل والعواقب التي يمكن أن تفرض نفسها أخيرا إذا لم يقع التنسيق بين أفراد الصف السني.
ويأمل الباحث أن تكون هذه المساهمة في منتهاها دعوة إلى التفكير والمراجعة، وإلى إعادة النظر في مشروع التجزئة على ضوء الوقائع الحاضرة، وعلى ضوء ما يتوقع حدوثه مستقبلا، حينما يستفحل فكر التجزئة والإقصاء في الصف السني.
وقد تضمن الكتاب المباحث التالية: سلفية الأمة وسلفية الفئة-1- الاشتراط الأول لاستحقاق الانتساب للسلف وهو عدم الاشتغال بعلم الكلام، 2- الاشتراط الثاني لاستحقاق الانتساب للسلف وهو عدم القول بالمجاز، 3- مناقشة قول ابن تيمية بعدم وجود القول بالمجاز في القرون الثلاثة الأولى، 4-اشتراط عدم الابتداع لاستحقاق الانتساب إلى السلفية، مظاهر سلفية المغرب، تمثلات السلفية المغربية، اختيارات المغرب التدينية وتجلياتها السلفية، مقومات نموذج التدين المغربي، صيغة التدين المغربي، التدين المغربي في مواجهة تهمة الابتداع، نماذج من الممارسات التدينية المغربية التي قيل ببدعتيها.