المحتويات
مقدمة
هو الجيلالي بن أحمد بن المختار بن إبراهيم بن اعبيد (جد فخدة العبيدات)، يُعرَفُ عندَ المشارقة والفرنسيين بـ”الجيلاني”[1] أو “الكيلاني”[2]، والأصل في اسمه “الجيلالي بن أحمد” نسبة لوالده، وتكتب أيضا اختصارا “الجيلالي بن المختار” نسبةً لجده. وهو شاعرٌ ومقاوم مغربي حظي بذيوعِ صيتٍ واسعٍ في المشرق العربي عقب دورهِ البارز في صد الحملة الفرنسية على مصر عام 1799م. يشار إلى أنه يُسمى عند بعض المشارقة بأحمد، ويُعرف عند المصريين بمحمد؛ لكن الصواب في اسمه “الجيلالي” كما هو مدون في مستهل رسالته إلى فقهاء فاس “سيدي الجيلالي السباعي”.[3] كما أن مدينة سيدي المختار بإقليم شيشاوة يشتق اسمها من اسم سيدي المختار السباعي الذي أقام زاويته بوسط تغسريت.
النشأة والتعليم
ازداد الجيلالي في منتصف القرن الثامن عشر بمدينة مراكش في أسرةٍ علميةٍ ملمةٍ بعلوم الدين ذائعة الصيت بأحواز مراكش، تنحدر من قبيلة أولاد أبي السباع. واستهلَّ حياته بحفظ القرآن وضبط علومه بالمدينةِ الحمراء، فبعثه والده إلى مداشر الحوز وسوس قصد توسيع مداركه ومعارفه بعلوم الشريعة واللغة، وبعد سنين من رحلته العلمية في أرجاء بلاد المغرب رحل إلى بلاد شنقيط لطلب العلم والتدريس فلم يلبث فيها طويلا فولَّى لبلاده مكتسبا شهرة واسعة في الساحة العلمية بفضل قوة حفظه ومعرفته الفقهية ودل على ذلك رسالته إلى فقهاء فاس مستهلها: “الحمد لله وحده… رسالة سيدي الجيلالي السباعي لفقهاء فاس فباسم الله الرحمن الرحيم… من الجيلالي بن أحمد السباعي إلى أخينا في الله سيدي العربي بنيس وسيدي محمد الشرايبي وسيدي محمد السنوسي وسيدي حمدون ابن الحاج والحاج محمد…”. [4]، وقيل في قوة حفظه ورحابة علمه: “له من الحفظ ما تحار فيه الأفكار ويلتبس بشبهة الأنكار”[5]، وقال صالح الفلاني: “ورد علينا من المغرب حافظان محمد المجيدري من آل بارك الله، والسباعي، يعني وسيدي الجيلالي بن المختار، أحدهما يبقى ما في حفظه ستة أشهر، والآخر يبقى ما في حفظه عاما”[6].
رحلته إلى المشرق
في سنة 1202هـ توجه الجيلالي السباعي إلى المشرقِ حاجا[7]، فلمَّا أتمَّ مناسك الحج استقر بالحجاز؛ إذ اختلف المدوِّنُونَ والمؤرخونَ عن موضع استقراره، فمنهم من أكد أنه استقر في مكة، كما جاء ذلك عند لطف الله جحاف (ت 1224هـ)[8]، أو أنه كان في مجاورة بمكة والمدينة والطائف، كما ورد عند الجبرتي (ت 1240هـ)[9]. فقد أخبرنا الرحالة أحمد بن عبد السلام الناصري (ت 1239هـ) أنه أثناء زيارته لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم خلال حجته الثانية سنة 1311هـ، أنزله “الأفضل العالم الزاهد الورع الشيخ الجيلاني السباعي المغربي ببيته، وكان ذلك بوعد مني له تجاه الكعبة، إذ طلبه أيام اجتماعي به بمكة”[10]، وعليه نستخلص أن الجيلالي كان مستقرا بمكة طبقا لرواية الناصري الذي كان في عين موضع استقراره، وذلك بعد مرور تسع سنوات من حج الجيلالي.
إن وجود الجيلالي بن أحمد السباعي بالمشرق لم يكن بغرض الجهاد ومقاومة الحملة الفرنسية على مصر التي لم تدخل مصر إلا بعض مرور أكثر من عشر سنوات من استقراره بالديار المقدسة، وإنما غرضه حج بيت الله الحرام والمجاورة بالمدينتين المقدستين وهذا ما ذهب إليه المؤرخ محمد حواش[11].
تأسيس جيش الحجازيين ومقاومة الحملة الفرنسية على مصر
فبعدما ذاعت أخبار بتوغل الفرنسيون بمصر، خرج الجيلالي بن المختار السباعي يتنقل بين المداشر والحواضر بالحجاز يحرض الناس على مساندة وتمكين المصريين في كبح توغل الفرنسيين بسواحل مصر الشمالية، ودليل ذلك قول المؤرخ لطف الله جحاف، سنة 1798م: «قام بالبلدة الحرام، بوظيفة الدعاء إلى سنام الإسلام، محمد المغربي الهاشمي، لما وردت الأعلام، من الهجوم على ساحات مصر، وتصدر الحرام الشريف، فالتف عليه خلائق واستمعوا إلى إرشاده إلى أنهج الطرائق […] وتسامع بأخباره فوفدوا إليه وبذلوا أموالهم وأنفسهم بين يديه[…] فاجتمعت عنده أموال واسعة، ووردت عليه المتطوعة من البلاد الشاسعة فسار بهن لمناجزة أعداء الله الفرانسة»[12].
وفي ضوء ذلك، نجح الجيلالي بن المختار السباعي في جمع عدد من المتطوعين بالحجاز حتى سُمي بـ “جيش الحجازيين”، وعين على قيادته ابن أخته حسن الذي حاز شهرة واسعة عند الفرنسيين، وشقيقه الطاهر، وكلاهما ينحدران من إقليم شيشاوة بالمغرب موطن القبيلة السباعية؛ اللذين بعثهما الجيلالي إلى بلاد الصعيد بمصر[13]، وبقي في الحجاز يحرض الناس على النزول إلى مصر ومد المتطوعة بالسلاح والعتاد، فلم يلتحق بميدان المعركة إلا في وقت متأخر نسبيا قبيل منيته.
غير أن عدد المتطوعين الذين جمعهم الجيلالي يلفه الغموض والاختلاف؛ لأن في بحثنا وقفنا على أربعة أرقام متنافرة، لكننا نميل في الاعتقاد إلى هذين المصدرين: الأول: رسالة أمير مكة ساعد بن مغالب إلى إمام اليمن المنصور بن علي: وردَ فيهل «وهرع إلى جهادهم […] من أقطارنا الحرمية […] سبعة آلاف»[14]. والثاني: تقرير نقولا الترك: «فتحرك من الأشراف السيد محمد الجيلاني، وقد جمع سبعة آلاف أماجيد».[15]
وذكر الجبرتي أن قوام الجيش عشرة آلاف متكونا من أهل الصعيد، وبعض الأتراك والمغاربة. وعلى النقيض من ذلك، فإن جيش الجيلالي في مارس 1799م شهد غلبة المغاربة على الحجازيين كما ذكر القبطان الفرنسي غاربي، وذكر أيضا أن القائد حسن السباعي -ابن أخت الجيلالي- توجه إلى الصحراء (منطقة قنا) بمعية 300-400 مقاتل أغلبهم مغاربة، أو حجاج من شمال إفريقيا عائدين من مكة، وسبب ذلك في رأيي، هو تزامن سنة 1799م مع استشهاد القائد الروحي الجيلالي الذي كان مصدر قوة الحجازيين، مما تسبب في عودتهم إلى ديارهم واستمرار سكان شمال إفريقيا في المقاومة خاصة المغاربة والجزائريين كما ذكر بعض القادة الفرنسيين الميدانيين.[16]
وفاته
توفي في 6 فبراير 1799م بقرية تُدعى حجازة بمدينة قوص في قنا حيث يقع مقامه بجوار مقام صديقة الشيخ المجاهد القاضي علي عبيد، قاضي الصعيد؛ ولا زال بعض أحفاده في هذه المنطقة.
المراجع
[1] Caire. Dugua à Napoléon. 30 ventose an 7 (20 mars 1799) dans: (19 La Jonquière). L'Expédition d'Egypte, vol. 5. p. 26.[2] الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج 1، ص 250.
[3] مؤسسة الملك عبد العزيز، رقم المخطوط 553 / 9، أنظر: http://www.fondati on.org.ma/web/affichage_numerics/2318/17/en)
[4] مؤسسة الملك عبد العزيز، الدار البيضاء، رقم المخطوط 553 / 9، مرجع سابق.
[5] عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، ص 297.
[6] عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، مرجع سابق.
[7] محمد الضعيف، تاريخ الضعيف: تاريخ الدولة السعدية، تحقيق وتعليق وتقديم أحمد العماري، ص 389.
[8] نصوص يمنية عن الحملة الفرنسية على مصر، نشر تحقيق سيد مصطفى سالم، مركز الدراسات اليمنية، صنعاء، ص 96.
[9] نصوص يمنية عن الحملة الفرنسية على مصر، مرجع سابق، ص 96.
[10] محمد بن عبد السلام الناصري، الرحلة الصغرى، ص 12.
[11] أنظر: محمد حواش، خطاب التضامن الإسلامي في ضوء حملة نابليون على مصر والشام وموقف المغرب منها، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2013، بيروت.
[12] نصوص يمنية عن الحملة الفرنسية على مصر، مرجع سابق، ص 99.
[13] محمد حواش، خطاب التضامن الإسلامي في ضوء حملة نابليون على مصر والشام وموقف المغرب منها، مرجع سابق، ص 337.
[14] نصوص يمنية عن الحملة الفرنسية على مصر، مرجع سابق، ص 97.
[15] حملة بونابرت إلى الشرق: مخطوطة نقولا الترك، دراسة وتحقيق أمل بشور، جروس برس، لبنان، 1993، ص 128.
[16] Dominique di Pietro, Voyage historique en Égypte pendant les campagnes: محمد الجيلاني، انظر des généraux Bonaparte, Kléber et Menow (Paris: L'Huillier, 1818), et Denon, Voyage dans la Basse et la Haute Egypte.