توطئة

إن نحث مصطلح “تمغربيت” في الثقافة المغربية أخذ اهتمام العديد من الباحثين، وإن اختلفت تعريفاتهم له، فإن غالبية المغاربة يحسون باعتزاز وافتخار بهذه الكلمة “تمغربيت” وقد عبر المغاربة سواء خلال أفراحهم أو أتراحهم عن ما يميزهم عن غيرهم في الحالتين هو تضامنهم الخرافي في السراء والضراء، وأضحت الكلمة تغطي عدة موضوعات، وفي مختلف المجالات، وشكلت عنوانا عريضا حمالا لمضامين متعددة، تجعله يتحول إلى استعارة لمعنى الانتماء إلى الهوية المغربية حينا، أو يكثف دلالات مناهضة الانتماءات فوق الوطنية – ذات الحساسية الإسلامية أساسا – حينا آخر، أو يحيل إلى مظاهر العيش المشترك في الطبخ والغناء والأمثال والمشاعر والرموز… في غالبية الأحيان[1].

وكم كان المغاربة سعداء وهم يفتخرون بكلمة “تمغربيت” وهي تؤسس مرة أخرى لشعار «صنع بالمغرب» لكن في المجالين المجتمعي والفكري، لتنبني بدورها على خاصية أساسية، وهي الاعتزاز والزهو بالمنجزات، والافتخار بالمواقف المشرفة المتسمة بالشهامة وعزة النفس، وهي سمات تنبثق من هويتين أبرزهما الدستور وهما: الهوية المغربية، والهوية الوطنية.

تقديم المؤلف

ذ. محمد سعيد بناني، حاصل على الإجازة في القانون سنة 1967 من كلية العلوم القانونية والاقتصادية بالرباط. تحمل عدة مسؤوليات إدارية وعلمية وتأطيرية:

  • قاض منذ سنة 1969 بمحكمة السدد بالدار البيضاء، المحكمة الاجتماعية، المحكمة الإبتدائية، محكمة الاستئناف، محكمة النقض.
  • أستاذ بالمعهد الوطني للدراسات القضائية أو “المعهد العالي للقضاء حاليا”، ابتداء من سنة 1979، أستاذ قار به 1980ــ 1981م.
  • ملحق بالمركز العربي للدراسات والبحوث القانونية والقضائية، التابع لمجلس وزراء العدل العرب، ثم بأمانته العامة 1986ــ 1990م.
  • مسؤول بالأمانة العامة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان 1990-1994م.
  • مدير ديوان وزير العدل الأسبق الأستاذ محمد الإدريسي العلمي المشيشي 1994 1995م.
  • مستشار السادة وزراء التشغيل 1995ــ 2002م.
  • كتابة الملحمة الوطنية لمواكبة الانتخابات 1992ــ 1997م.
  • عضو لجنة المراقبة لدى منظمة العمل العربية لمدة 9 سنوات ابتداء من 1990م.
  • رئيس اللجنة المكلفة بإعداد “قانون الشغل العربي الموحد” لدى المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية ببيروت، وكذلك اللجنة المكلفة بإعداد “قانون الضمان الاجتماعي العربي” بالقاهرة.
  • عضو هيئة التحكيم المستقلة للتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي 1999ــ 2004م.
  • مدير عام المعهد العالي للقضاء منذ سنة 2001ــ 2013م.
  • عضو باللجنة  الاستشارية لمراجعة الدستور 2011.
  • عضو بالهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة 2012ــ 2013م.

له موسوعة فقهية من 5 أجزاء (7 مجلدات) في قانون الشغل بالمغرب، عقد العمل بالدول العربية، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ولغته، دستور 2011 : قراءة تركيبية من خلال بعـض الصحف 9 مارس 2011 م، العدالة الانتقالية بالمغرب في ضوء مبادئ العدل والإنصاف،  جولة ذات وذاكرة في ثنايا سيرة ذاتية، التوفيق بين الهوية المغربية وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا؟ علاوة على العشرات من الدراسات والأبحاث والمقالات.

مضامين الكتاب

إن ما دفع المؤلف إلى محاولة سبر أغوار كلمة “تمغربيت”، هو السعي إلى تطوير هذه الكلمة إلى مفهوم، بل إلى نظرية، تنطلق من المغرب، كثورة فكرية لا تقتصر على ذكر مفاخر الماضي، بل تعمل على الإسهام في حل الإشكالات المتعددة، وفي حقول معرفية مختلفة، من خلال نقاشات هادئة اتسم بها المغاربة لحل إشكالاتهم، وبين بأن موضوع الكتاب يختصر من خلال تمغربيت على الإسهام في إبراز العناصر الميسرة لعملية التوفيق بين مرجعية الهوية المغربية يتبوأها الدين الإسلامي مكانة الصدارة، وبين مرجعية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.

وقد أثار عدة تساؤلات في مجال الخلافيات النابعة عن تعارض مرجعيتين دينية وحقوقية كما هي متعارف عليها عالميا، لا تخلو من نقاشات وطنية، قد تمتد إلى نقاشات مع الأخبار، مبرزا أن الأمر يتعلق بمعالجة الموضوعات الخلافية التي تتداخل فيها المرجعيات، وتتشابك فيها المفاهيم، وتتعلق أساسا بالدفاع عن الحرية الشخصية من منطلق التعارضات القائمة بين المرجعيتين: الدينية والكونية؛ مثل الجهر بالإفطار في يوم رمضان، بل الجهر بالمثلية، الحرية في شرب الخمر، الإجهاض، العلاقات “الرضائية” خارج إطار المؤسسة الزوجية، المساواة في الإرث، إلغاء مبدأ تعدد الزوجات، عقوبة الإعدام، الربا، الردة؛ وهي موضوعات ذات ارتباط بالحريات وبالحقوق بصفة عامة.

ويؤكد سعيد بناني أن الاعتزاز بتمغربيت كانتماء عاطفي، لا ينبغي أن يجعلنا قابعين في الأحاسيس العاطفية فقط، وإن كانت تجسد لدينا محفزا قويا لتحقيق المنجزات؛ إذ ينبغي أن نروم من خلالها، علاوة على مجالات متعددة، تعميق الفكر في سياق التراكمات المجتمعية وما تفرزه من قيم في موضوعات تستأثر بالانتباه. فعندما أصدر مؤلفه التوفيق بين الهوية المغربية وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا؟ لم يكن يتوقع بأنه سينفد خلال أشهر معدودات وصلته أثناءها وبعدها عدة أصداء بشأنه، كونه تطرق من جهة أولى، أساسا إلى الجدل المثار أحيانا بين المرجعيتين، الإسلامية والكونية، عندما تنظمان المضمون نفسه، لكن بجزاءات مختلفة وتساءل من جهة أخرى، عن كيفية معالجة الموضوعات الخلافية التي تتداخل فيها المرجعيات، وتتشابك فيها المفاهيم، وهي ذات ارتباط بالحريات وبالحقوق بصفة عامة، وعن الجهة أو الجهات المخولة لتوحيد الرأي بشأن مفاهيم هذه الحريات والحقوق، وذلك في خضم تعارض المرجعيتين، الإسلامية والحقوقية كما هي متعارف عليها عالميا. (الكتاب، ص: 19)

ولقد كانت نيته بعد نفاد الطبعة الأولى، أن يكتب طبعة ثانية مزيدة ومنقحة؛ لكن صادفت هذه النية الحديث في العديد من المناسبات عن “تمغربيت”، وصدور كتابات حولها، حيث انسابت الكلمة إلى أحاديث المغاربة اليومية، بمختلف شرائحهم ومشاربهم، وذلك في كل مرة يعتزون فيها بما حققوه من إنجازات فيفتخرون بها بشعور يمتزج بإحساس الانتماء إلى مغرب يعشقونه، ولينمو التعبير عن بيت كوعاء يستجمع موضوعات في مختلف المجالات، أو كبوتقة تقوم بمزج الآراء والتصورات في قالب يضفي على الفكر المغربي نكهة الافتخار الاعتزاز، التآزر التضامن التسامح، قبول الآخر، وغير ذلك من الأوصاف الإيجابية التي برز للملأ والتي تقود الإنسان أحيانا من حيث يدري أو لا يدري إلى اختبار قدراته الشخصية فى مواجهة الموضوعات المدرجة في بوتقة قد لا تستوعب بسهولة ويسر كل الموضوعات ذات المفاهيم المتعارضة. (الكتاب، ص: 19/ 20)

وإن كان، المؤلف، يرى بأنه قد حان الوقت لرسم حصيلة أولية لآثار كلمة ” تمغربيت”، بشأن الموضوع الفني الذي اعتمده، وهو التوفيق بين مبدأي الهوية المغربية يتبوأها الدين الإسلامي مكانة الصدارة، ومن حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، فإنه لا يخفي بأن فرز الموضوعات ضمن هذين المبدأين والتوفيق بينها أمر صعب المراس، فالتوفيق بين ثنائية المراجع من منطلق المبدأين تقتضي دعم النقاش الهادئ، الذي يرغب دائما ألا يقود إلى الفشل، بل يساهم في تقوية الحريات والحقوق من خلال التوفيق بين الهويتين الدينية والحقوقية. (الكتاب، ص: 23)

وقد تطرق البحث إلى ثلاثة أبواب رئيسية: الأول، ينصب على كلمة “تمغربيت”، وما تثيره من جدل، وموجهاتها نحو التوفيق بين المرجعيتين، الدينية والحقوقية، مع محاولة الإحاطة بالعناصر المساهمة في التوفيق بين المرجعيتين، والثاني، يتطرق إلى تمغربيت كلغة تواصل وفكر، من خلال حوار يريده هادئا وطنيا ودوليا، في سياق الوحدة الثقافية وتطورها، والثالث، إلى ما قد يصادف المحكمة الدستورية من جدالات هادفة إلى التقريب بين مختلف المفاهيم المرسخة للمرجعيتين الدينية، والحقوقية، من خلال تأويل دستوري عند تعارض المرجعيتين، والسعي إلى وضع مبادئ تسهم في إبراز فرادة النموذج المغربي.

وهكذا جاءت أبواب الكتاب على الشكل التالي: بعد المقدمة،  الباب الأول: تمغربيت، بداية جدل، الفصل الأول: بروز كلمة تمغربيت، الفصل الثاني: عناصر مساهمة في التوفيق بين المرجعيتين من خلال تمغربيت. الباب الثاني: تمغربيت، لغة تواصل وفكر، الفصل الأول: الحوار الهادئ وطنيا ودوليا، الفصل الثاني: تمغربيت والوحدة الثقافية وتطورها. الباب الثالث: المحكمة الدستورية والجدالات الهادفة إلى التقريب بين مختلف المفاهيم المرسخة للمرجعتين، الفصل الأول: الفصلان 133 و 134 من الدستور، البت في الحريات والحقوق، الفصل الثاني: من أجل تقريب مختلف المفاهيم بين المرجعيتين، الفصل الرابع: هل يقود وضع المبادئ المتعارضة في الدستور إلى فرادة النموذج المغربي، ثم خاتمة.

خاتمة

لقد أكد المؤلف على أنه كلما كانت الموضوعات دقيقة وصعبة كلما كانت مجابهتها تقتضي الشجاعة والجرأة، بل المجازفة، إذ يقتضي الأمر آنذاك ترجيح الإبداع والابتكار، الذي يروم المرونة على طريقة «تمغربيت»، كشعار لإبراز أشعة الصحوة المثمرة بالنسبة للمستقبل، وبالتالي التخلي عن بعض الوضعيات غير السليمة. ولا يخفي رغبته أن تكون كلمة “تمغربيت” علامة فارقة ومتميزة في حل الإشكالات النابعة عن تعارض المرجعيتين، وأن تصبح في ذات الوقت سمة وشعارا يغرد داخل الوطن وخارجه.

المراجع
[1] حسن طارق، الوطنية المغربية، تحولات الأمة والهوية، المركز الثقافي للكتاب، الطبعة الأولى، 2023، ص 214.