بين يدي الكتاب

عُرف عن المغاربة شغفهم بنظم العلوم، وقد أنتج هذا الشغف تراثا هائلا تشهد عليه المكتبة مطبوعها ومخطوطها. ومنذ القديم، أبدع المغاربة والأندلسيون أراجيز سهلوا بها الدرس والحفظ، فكانت هذه المنظومات أول ما يتلقاه الصبيان في رحلة الطلب، وتكون إما في اللغة أو النحو والصرف أو الفقه، وتلقن مع بداية تلقي القرآن الكريم في الكتاتيب. ثم ما تفتأ العلاقة مع المنظومات في تزايد كلما تقدم السن بطالب العلم، إلى أن يتخرج من معهده أو جامعته.

وقد اعتنى بالنظم أعلام كثيرون، إذ لم يخل منه عصر من العصور، يلخصون مسائل علم من العلوم، أو فن من الفنون، وييسرون به دلائله، ويرسون قواعده، ويجمعون شوارده، فلا تكاد تجد مجالا إلا كان لهم فيه نظم، قل أو كثر، طال أو قصر، حتى إنهم نظموا في تعليم اللغات الأجنبية وبعض الرياضات وفوائد بعض الأطعمة…

وقد بلغ بعض العلماء شأوا كبيرا في هذا المجال، فكثر نظمهم وعلا فيه كعبهم، حتى إن بعضهم وإلى اليوم ينظم مضمون درسه نهاية الحصة، فيكون إقبال طلبته على النظم أعظم، وحرصهم عليه أكبر، لما في النظم من تقريب للمادة المدروسة وتيسير لفهمها. وقد قال العلامة السفاريني في هذا المعنى:

وصار من عادة أهل العلم *** أن يعتنوا في سبر ذا بالنظم

لأنه يسهل للحفظ كما *** يروق للسمع ويشفي من ظما

وقال فيه السيوطي: النظم أيسر للحفظ، وأسير للفظ.

وقد تفاوتت هذه المنظومات قصرا وطولا وموضوعا وجودة وإتقانا، وتوافق – منذ القدم – عدد من الناظمين على أن تكون منظوماتهم في ألف بيت، فسميت منظوماتهم تلك بـ (الألفية) ولقي بعضها قبولا، وكتب لها الخلود عند طلبة العلم ومدرسيهم، وصار بعضها مقررا رئيسا في معاهد وكليات، ومن هذه الألفيات نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ألفية ابن مالك في النحو والصرف– ألفية السيوطي في علم الحديث– ألفية السيرة لزين الدين العراقي –  ألفية العلل في مصطلح الحديث لمحمد علي الأثيوبي، وألفية شعبان الآثاري في العروض والقوافي…

وقد اهتم عدد من الباحثين باستجلاء عدد من المنظومات إما في علوم متفرقة أو في علم مخصوص، ولعل آخر ما صدر حسب علمي في هذا المجال كتاب: “منظومات السيرة النبوية في الغرب الإسلامي” للدكتور ‎‎مصطفى بن مبارك عكلي التمكروتي وهو موضوع هذا التقديم.

تقديم الكاتب

الدكتور مصطفى بن مبارك عكلي التمكروتي، من مواليد03 يونيو 1978 بتمكروت – إقليم زاكورة – المملكة المغربية، حصل على شهادة الباكالوريا، الآداب العصرية، أكاديمية مراكش سنة 1999م، وعلى الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب جامعة ابن زهر –أكادير سنة 2003، وعلى دبلوم الدراسات العليا المعمقة من كلية الآداب جامعة ابن زهر- أكادير سنة 2006. وحصل على دكتوراه الدولة من جامعة ابن زهر، تخصص: مناهج الدراسات العليمة للسيرة النبوية، سنة 2012، ودكتوراه من جامعة عبد المالك السعدي، تخصص: النص الأدبي العربي القديم، سنة 2019، عمل أستاذا مشاركا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي، وعميدا لكلية الدراسات الإسلامية بالإنابة، له أعمال علمية محكمة منشورة، ومشاركات في مؤتمرات وندوات دولية وتأطير الدورات العلمية في مناهج البحث وعلوم الحديث وتحقيق التراث. عمل -سابقا- باحثا متفرغا بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، المملكة المغربية، من ماي 2007 إلى شتنبر 2016، ونائبا لرئيس تحرير مجلة مرآة التراث التي يصدرها المركز.

من أعماله المنشورة:

  1. “فتح الفتاح، شرح مختصر الشيخ خليل، الجزء 64″، مركز الإمام مالك للبحوث والدراسات، التابع للرابطة المحمدية للعلماءـ، 2020.
  2. “تقريب تنقيح الوصول في علم الأصول، للطف الله الأرضرومي”، تحقيق بالمشاركة، منشور بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، سنة2019.
  3. “مرآة التعريف في فضل العلم الشريف لأبي العباس أحمد بابا التنبكتي (ت1036هـ)”، تقديم وتحقيق، منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، 2016.
  4. “منظومات السيرة النبوية في الغرب الإسلامي”، منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، سنة 2015.
  5. “نتيجة الخير ومزيلة الغير في نظم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والسير، لأبي إسحاق التلمساني (ت697هـ)”، تحقيق مصطفى عكلي، منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، سنة 2015.
  6. “رسالتان في السيرة النبوية والمولد الشريف لأبي جعفر الرعيني ورفيقه ابن جابر الأندلسي، دراسة وتحقيق”، منشورات مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في السنة الشريفة والسيرة العطرة التابع للرابطة المحمدية للعلماء، الطبعة الأولى 2011.
  7. كتاب “الفصول في أركان الإسلام” للإمام ناصر الدين محمد بن الحسن اللّقاني المالكي (ت 958هـ)، منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، 2010.

وأعد للنشر أعمالا أخرى منها:

  1. “شيخ الجماعة بفاس أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحجرتي (ت1275هـ): حياته وأثره في نشره في المذهب المالكي”.
  2. “الهدية الصالحة والنصيحة الواضحة”، لأحمد ابن صحصاح الفيومي: دراسة.
  3. مقدمات وفصول في فصول في فضل العلم وآداب طالبه.
  4. “كتاب الروضات البهية الوسيمة في إيراد الغزوات النبوية الكريمة”، لأبي محمد ابن القطان الفاسي، دراسة وتحقيق.

تقديم الكتاب

صدر كتاب”منظومات السيرة النبوية في الغرب الإسلامي”‏ في طبعته الأولى سنة 1436هـ/2015م، ضمن منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية ‏للعلماء – الرباط، سلسلة دراسات وأبحاث (15)، ‏في مجلدين من الحجم المتوسط (795 صفحة).‏ وهو في الأصل رسالة لنيل الدكتوراه بإشراف الدكتور عبد اللطيف الجيلاني. وهو كتاب فريد في مجاله، جمع المنظومات والقصائد والأراجيز التي تناولت سيرة رسول الله (ص) العطرة كاملة، أو تلك التي اقتصرت على ‏بعض الأبواب كالنسب الشريف، والمولد، والمعجزات، والشمائل… وما يزيد من هذا العمل فرادة، أنه تتبع هذا الشكل من الاهتمام بالسيرة النبوية بدءا بالقرن ‏الخامس الهجري إلى يوم الناس هذا. لتكون الحصيلة ثلاثا وخمسين وثلاثمائة منظومة وقصيدة وأرجوزة، مع ذكر اسم الناظم، ومكان وجودها ورقمها، وما طبع منها وما ‏لم يطبع، وما حُقق وما لم يحقّق…

والكتاب من مقدمة وسبعة فصول.

  • في المقدمة: أشار الدكتور عكلي إلى اهتمام العلماء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم حفظا وتدريسا وتأليفا ونظما، وتتبع هذا الاهتمام بدءا بعهد الصحابة مرورا بطبقات الأجيال من بعدهم. مبرزا البدايات الأولى لنظم السيرة النبوية والحاجات الداعية إلى ذلك منذ مراحل متقدمة زمنيا، ومع تبيين التنوع الذي ميز هذا النظم. ثم عرج على جهود الدارسين والباحثين في الكشف عن إنتاج علماء الأمة في السيرة النبوية، معرفا ببعض هذه الدراسات مع التعليق عليها، ولفْت الانتباه إلى ضعف العناية بقسم النظم. ثم عاد ليذكّر بحدود بحثه الزمانية والمكانية، ويقدم منهجه المعتمد، والتذكير بالتمهيد وعناوين الفصول مع مضمونٍ مركز لكل واحد منها.
  • التمهيد: وخصه للتعريف بمصطلحات البحث، كالمنظومة والسيرة النبوية والشعر والقصيدة والأرجوزة …
  • الفصل الأول: ( نظم العلوم عند علماء الغرب الإسلامي) وعرف فيه بجهود علماء هذه الرقعة في نظم مختلف العلوم.
  • الفصل الثاني: (لمحة عن عناية علماء الغرب الإسلامي بالسيرة النبوية) وفيه وقف على جهودهم في خذمة السيرة النبوية من أربعة وجوه: الرواية والحفظ والتدريس والتأليف.
  • الفصل الثالث: (منظومات السيرة النبوية في الغرب الإسلامي) وهو أطول الفصول، رصد فيه عناوين وأسامي ما نظموه في هذا المجال، وعرضها في ثبت بيبليوغرافي مرتب من بداية القرن الرابع الهجري إلى القرن الخامس عشر، مع الإحالة على من ذَكَر كل منظومة لصاحبها، وهل هي مطبوعة أم مخطوطة مع ذكر مكان وجود نسخها الخطية.
  • الفصل الرابع: (أهم كتب السيرة التي نظمها علماء الغرب الإسلامي) وفيه رصد ثلاثة عشر كتابا مبرزا قيمتها العلمية.
  • الفصل الخامس: (نماذج من المنظومات العلمية العامة في السيرة النبوية: دراسة وتحليل) وفي هذا الفصل تناول الباحث سبع منظومات بالدرس والتحليل، وهي أعمال عمد فيها أصحابها إلى نظم أحداث السيرة كلها أو جلّها.
  • الفصل السادس: (نماذج من المنظومات العلمية الخاصة في السيرة النبوية: دراسة وتحليل) وتناول فيه بالدرس والتحليل أربع منظومات نظم فيها أصحابها بعض أبواب السيرة.
  • الفصل السابع: (خلاصات ونتائج) وفيه قدم ما انتهى إليه من خلاصات ونتائج مستخلصة من البحث ومنها: نشأة نظم السيرة النبوية في الغرب الإسلامي، الموضوعات التي تناولتها المنظومات، أنماط النظم…
  • الخاتمة: وضمّنها أهم النتائج والخلاصات مع بعض الاقتراحات أو (التوصيات).

على سبيل الختم

إن نظم سيرة رسول الله (ص) وجه من وجوه التعلق بهذا النبي العظيم، وشكل من أشكال العناية بسيرته، أما التعريف بهذا النوع من النظم فهو عمل رائد من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة في مجال البحث في السيرة النبوية، والتعامل مع كنوز هذا التراث الذي ما زال معظمه مخطوطا. ولعل كتاب الدكتور مصطفى عكلي “منظومات السيرة النبوية في الغرب الإسلامي” فاتحة خير في هذا المجال البحثيّ الذي لا حدود لغناه، ولا منتهى لجواهره ودرره ولآلئه.‏