بين يدي التقديم

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة، وهي من أوائل ما فُرض على نبينا صلى الله عليه وسلم من الأحكام، فرضها ربنا دون غيرها من الفرائض في أشرف مقام، وأرفع مكان، حيث عرج بعبده ليلا في أعظم رحلة، فأكرمه وأمته بفرضها، وجعلها خمس صلوات أداءً، وخمسين أجرا وثوابا، والحسنة بعشر أمثالها، وتبوأت مكانة سامية في قلوب المسلمين، تحضر بانتظام في جدولهم اليومي، فيقيمونها شطرا من نهارهم وطرفا من ليلهم قربى إلى الله وزلفى إليه.

وفضلا عن كون الصلاة بابا ثابتا في كتب الفقه، وحاضرة بقوة في مصنفات التربية والتزكية والخطب والمواعظ، فقد تعددت مناهج الكتابة عنها منذ القرون الأولى، وتنوعت طرق عرضها وأساليب تقديمها، إذ عرض عدد من الكتّاب هذه الشعيرة في قوالب مختلفة اعتمد بعضها لغة شفيفة رقيقة تتناغم ومقتضى المقام، لغة توقظ المشاعر، وتحيي الأحاسيس، وتؤجج العاطفة. ومن أشهر من كتبوا عن الصلاة من القدماء: ابن رجب الحنبلي وابن القيم والمروزي، ومن المحدثين: خالد أبو شادي وأحمد خيري العمري وفريد الأنصاري صاحب “قناديل الصلاة” موضوع هذا التقديم.

تقديم الكاتب

الفقيه الأصولي،الخطيب المربي، الأديب الشاعر فريد الأنصاري، ولدبالجرف (إقليم الرشيديةجنوب شرق المغرب) سنة 1380هـ / 1960م. حصل الأنصاري على الإجازة في الدراسات الإسلامية من جامعة محمد بن عبد الله بكلية الآداب بفاس، ودبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه من جامعة محمد الخامس بالرباط، ثم دكتوراه الدولة في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه من جامعة الحسن الثاني بكلية الآداب المحمدية. شغل رحمه الله مناصب عدة منها: – أستاذ كرسي التفسير بالجامع العتيق بمدينة مكناس – أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية الآداب جامعة المولى إسماعيل -رئيس وحدة الفتوى والمجتمع ومقاصد الشريعة لقسم الدراسات العليا بجامعة المولى إسماعيل -أستاذ زائر بدار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا بالرباط  – رئيس وحدة الدراسات العليا: الاجتهاد المقاصدي: التاريخ والمنهج، بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس – عضو المجلس العلمي الأعلى بالمغرب – رئيس المجلس العلمي لمدينة مكناس- أستاذ بمركز تكوين الأئمة والمرشدات بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط – خطيب جمعة وواعظ بعدد من جوامع مكناس. توفي رحمه الله بأسطنبول، تركيا بعد صراع مع المرض دام سنوات عدة، ونقل جثمانه إلى مدينة مكناس حيث دفن بمقبرة الزيتون. عرف رحمه الله بغزارة إنتاجه العلمي وتنوعه نذكر هنا بعض عناوينه: – التوحيد والوساطة في التربية الدعوية (في جزأين) – المصطلح الأصولي عند الشاطبي (أطروحة الدكتوراه) – قناديل الصلاة: مشاهدات في منازل الجمال – الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب: دراسة في التدافع الاجتماعي – ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله – جمالية الدين: كتاب في المقاصد الجمالية للدين – بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق – سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة – البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي: نحو بيان قرآني للدعوة الإسلامية – مجالس القرآن من التلقي إلى التزكية – مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية – الفطرية – بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام – الدين هو الصلاة والسجود لله باب الفرج – مجالس القرآن من التلقي إلى البلاغ – مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ. وفي الشعر والأدب نذكر:  – ديوان القصائد – الوعد – جداول الروح (عمل مشترك) – ديوان الإشارات – ديوان المقامات – ديوان المواجيد – من يحب فرنسا – كشف المحجوب – مشاهدات بديع الزمان النورسي – آخر الفرسان. فضلا عن كمّ هائل من المحاضرات والدروس المرئية والمسموعة.

تقديم الكتاب

صدر كتاب “قناديل الصلاة” في طبعته الأولى سنة 2001م، ثم ما لبثت طبعاته تترى، تتفاوت حجما وإخراجا، وهذا الكتاب يعرض فيه صاحبه شعيرة الصلاة بشكل مخالف لما اعتاد عليه الناس، في كتب الفقه والرقائق والترغيب والترهيب، وهو من مقدمة للكاتب وأربعة فصول.

وطّأ فريد الأنصاري لقناديله بـ “بارقة” جعلها محل المدخل، واختار رحمه الله أن يستصحب فيها صحبة الشيخ والمريد، حيث يُقبِل المريد على شيخه حاملا همّا وغمّا، يشكو حيرته بعد أن أزمنتْ أدواؤه، وأصبح أسير بلوائه، وكاد ييأس من دوائه، ثم جاء يطرق باب “الشيخ” يسأل دواء شافيا أو بيانا كافيا.

ثم يأتي الجواب دفقة نورانية يسائل من خلالها هذا المريد الحائر: “هل دخلت أقواس النور مرة في حياتك؟ هل شهدت كوثر السلام المتدفق في ملكوت الله؟ هل ذقت من كؤوس التحيات المقدمة في جلسات التكريم؟” … ثم تأتي أولى معالم الوصفة العلاجية بنداء رقيق شفيف: “هنا يا صاح! تحت شلالات الصلاة تستطيع أن تتخلص من أدوائك”، ولتكونهذه العبارة، الخطوةَ الأولى في رحلة نورانية حيث جمال الرجاء، ولذة العبادة.

نستأنس بإطلاق فريد الأنصاري– وهو يكتب إهداءه – اسم ” قناديل”، ونستصحب هذا (الإطلاق) لنستعمله تسمية للعناوين المتضمنة في الفصول الأربعة، وعليه، تكون قناديل الفصل الأول ثلاثة، والفصل الثاني قنديلان، والفصل الثالث ستة قناديل، والفصل الرابع عشرة قناديل. ثم خاتمة الكتاب.

بهذا التقسيم سلك فريد الأنصاري مسلكا عجيبا قدّم من خلاله حديثا رائقا عن التوبة والإقبال على الله عند سماع الأذان قائلا: “فليس لك الساعة يا صاح، إلا أن تفر من أشيائك وأغلالك… فهذا الأذان الصادح في الأفق الجميل، يدعوك لتتطلع إلى السماء”. ثم يأخذنا بسلاسة إلى الخطوة الموالية (الوضوء) / الوسام النوراني الذي يرِد به المؤمن الحوضَ غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم تأتي تكبيرة الإحرام التي تقطع الزمان نصفين: الأول إلى خلف، والثاني إلى أمام، لتبدأ رحلة الصلاة الفعلية بحركاتها وسكناتها، مجليا أسرارها وفضائلها، بدءا بالقيام وقراءة الفاتحة، مرورا بالسجود والركوع، وانتهاء بالسلام.

ولأن إيراد دلالات اثنين وعشرين قنديلا كلا على حدة لا يسمح به المقام، فإنه لا تفوتنا الإشارة إلى أن الجميل الرائع في هذه الرحلة أنها ممتعة بلغتها الإيحائية، مترعة بعباراتها، شفيفة في سبكها، يحضر فيها الفقه دونما سرف، وتحضر فيها شذرات قرآنية وهدايات نبوية دونما إغراق، بل هو الإيحاء الجميل، والإشارة الرقيقة، والفهم العميق.

على سبيل الختم

“قناديل الصلاة” في نظرنا زينة ما كتب فريد الأنصاري، لم يُسبق إلى هذا النهج في عرض أمر الصلاة، وقد ساعده على هذا الإنجاز الرائع الفريد، تكوينه الشرعي المتين، وسعة اطلاعه، وقدرته الهائلة على التعبير الرصين والشفيف في آن واحد. ولأدل على النجاح الذي لقيه هذا الكتاب عدد طبعاته، التي تسارعت المطابع ودور النشر إلى طبعه ونشره، ليكون دون مبالغة كتابا يخطف البصر، ويعلق بالقلب، ولا يملك المسلم إلا أن يقرأه ويدعو من حوله إلى قراءته.

رحم الله صاحب القناديل وأجزل له الأجر والمثوبة. آمين.