مقدمة

عباس الجراري، العالم والعلامة والأديب الموسوعي المغربي، بزغ نبوغه مبكرا في حقول علمية وأدبية متعددة، وهو من الشخصيات العلمية التي أخذت على عاتقها الدفاع والتعريف بالنبوغ المغربي في مجالات أدبية وثقافية وعلمية مختلفة، وذلك سيرا على نهج عددا من الشخصيات الفكرية والعلمية التي سبقته على نفس الدرب؛ كالعلامة عبد الله كنون، والأديب ابن تاويت الطنجي، والعلامة المختار السوسي وغيرهم من المثقفين. ويعتبر عباس الجراري من المثقفين المغاربة الذي جمعوا في تكوينهم الرصين بين مشارب علمية متنوعة، يضاف إلى ذلك تحمله مسؤوليات علمية وإدارية مختلفة، أثرت مساره العلمي والثقافي، فانعكس ذلك بشكل إيجابي على ما خلفه من كتابات وأبحاث علمية وثقافية وفكرية أغنت المكتبة المغربية في أصناف علمية متعددة، وخاصة في مجال الأدب والنقد الأدبي. وتعتبر كتابات وأعمال عباس الجري أعمالا مؤسسة خاصة في مجال دراسة الأدب المغربي بشقيه؛ الأدب المثقف والأدب الشعبي، محاولا من خلال اهتمامه هذا الغوص في خصائص الذات المغربية في نواحيها المختلفة، وقد انعكس اهتمامه في كتاباته المؤسسة خاصة في مجال التراث الشعبي المغربي: من ملحون، وزجل وموسيقى وغناء، والاحتفالات والعادات المغربية المختلفة.

النسب والنشأة والتكوين

ولد عباس الجراري بمدينة الرباط المغربية صباح يوم الإثنين 03 ذي الحجة 1355ه/ 15فبراير 1937 في كنف أسرة عرفت بأعمالها الوطنية والعلمية، فهو ابن الفقيه والمؤرخ عبد الله بن عباس الجراري (توفي 1983م)، أحد أعلام الحركة الثقافية المغربية. أما أمه فهي الزهراء بنت المكي اجديرة (توفيت 1991م). ويؤكد الجراري أن أسرته تنتسب إلى عرب بني جرَّار (أولا جرَّار) الذين يرجع نسبهم إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم. ولما وفدوا إلى المغرب استقروا أساسا في منطقة سوس والصحراء، ثم استقرت بعض فروع الأسرة في جهات كثيرة من المغرب وخاصة في مراكش وفاس ثم الرباط. وتنتمي أسرة عباس الجراري – حسب ما ذكر- إلى الفرع الشعيبي، نسبة إلى شعيب يحيى الجراري المعروف بأبي نخيلة والمدفون في دشر يسمى البوير أو البِّيَّر الذي هو تصغير بئر، نواحي مدينة تزنيت بالسوس[1]. وقد اشتهرت الأسرة بنبوغ أبنائها في ميدان العلم والصلاح تدريسا وتأليفا وسلوكا، كما برز رجالاتها في مجال السياسة والدفاع.[2]

بدأ تعليمه الأولي مبكرا في الكتاب القرآني (المسيد) على يد والده، وفي مسيد الفقيه المهدي المصباحي بالزاوية الرحمانية، وفي مسيد الفقيه المقرئ المكي بربيش، حيث شرع في حفظ القرآن الكريم، وتلقي المبادئ الأولى في اللغة العربية والعلوم الشرعية. وفي مرحلة لاحقة التحق بالتعليم النظامي في مدارس إدارة الحماية الفرنسية، فبدأ تعليمه الرسمي بمدرسة أبناء الأعيان بالرباط – مدرسة لعلو-  حتى الحصول على الشهادة الإبتدائية عام 1949، ثم التحق بثانوية الليمون (College des Orangers)، وبعدها بثانوية مولاي يوسف، التي نال منها الشهادة الثانوية عام 1956.[3] وفي سنة 1956م سافر إلى مصر من أجل استكمال تعليمه فحصل بداية على شهادة الثانوية العامة (الباكالوريا) من المدرسة الحسينية بالقاهرة عام 1957، ثم التحق بكلية الآداب التابعة لجامعة القاهرة، فتخصص في دراسة اللغة العربية وآدابها، فنال منها الإجازة سنة 1961م، ثم شهادة الماجستير عام 1965م بتقديم رسالة حول “الأمير الشاعر أبي الربيع سليمان الموحدي وتحقيق ديوانه”. وتوج مساره في القاهرة بنيل شهادة الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1969م بتقديم أطروحة حول “الزجل المغربي: القصيدة”[4]. وخلال الموسم الدراسي 1961م-1962م سجل الجراري أطروحة دكتوراه الدولة بجامعة السوربون بباريس الفرنسية تحت إشراف المستشرق الفرنسي ريجي بلاشير في موضوع “مسلمو إسبانيا ورحلاتهم إلى المشرق”.

وبموازاة هذه الدراسات الأساسية التي توجها بالحصول على الباكالوريا والإجازة والماجستير والدكتوراه، فإن عباس الجراري تردد أيضا على معهد الدروس العليا المغربية بالرباط الذي افتتح عام 1921م لتعليم اللغة العربية والدارجة المغربية واللغة الأمازيغية، حيث نال منه شهادتين في اللغة العربية والترجمة[5]. وتابع أيضا في باريس دروس ومحاضرات عدد من أعلام المستعربين الفرنسيين من أمثال: ريجيس بلاشير، وشارل بيلا، وروبير برنشفيك، وهنري لاووست، وجاك بيرك… وأخذ كذلك دروسا لتعلم اللغة الإسبانية فحصل منها على شهادتين، إحداهما من المركز الثقافي الإسباني بالرباط، والثانية من المركز الدولي بسانتندر Santander  في إسبانيا. وفي 1981 شارك في برنامج فولبرايت بالولايات المتحدة الأمريكية.[6]

الوظائف والمسؤوليات

تحمل العلامة عباس الجراري عددا غير يسير من المسؤوليات والوظائف العلمية والإدارية خلال مساره الحافل، وقد جمع في ذلك بين التدريس والتأطير العلمي، والتسيير الإداري، وكذا العمل الدبلوماسي. وكان الخيط الناظم في كل مساهماته تلك هو العمل بجد من أجل إحياء وبعث الثقافة المغربية والتراث المغربي في مختلف مظاهرهما، وخاصة الثقافة الشعبية منها. ففي عام 1962م التحق بالسلك الدبلوماسي المغربي من خلال العمل بسفارة المغرب في القاهرة التي اشتغل بها لمدة ثلاث سنوات. وفي عام 1965م التحق بهيئة التدريس بجامعة محمد الخامس في فاس ثم بالرباط، حيث ساهم بشكل حاسم في إنشاء شعبة الدراسات المغربية العليا بكلية الآداب بفاس 1971م، ثم شعبة اللغة العربية وآدابها بالرباط عام 1973-1974. وفي 1982م عين مديرا للدراسات الجامعية العليا لتكوين أطر التدريس في شعبة الأدب العربي، ورئيسا لوحدة أدب الغرب الإسلامي للدراسات العليا عام 1998م.

خلال مساره كأستاذ جامعي أشرف على عشرات الرسائل الجامعية، ومارس التدريس في عدد من الجامعات الأجنبية كأستاذ زائر، كما كان عضوا بالمجلس الإداري لجامعة الأخوين بمدينة إفران، وجامعة القرويين بفاس. كما عينه الراحل الملك الحسن الثاني أستاذا بالمدرسة المولوية. كما سبق له أن تحمل لفترة قصيرة مسؤولية عمادة كلية الآداب في جامعة القاضي عياض بمراكش عام 1980م. هذا بالإضافة إلى عضويته بأكاديمية المملكة المغربية، وعضوية اتحاد كتاب المغرب، وعضوية هيئات قيادية في النقابة الوطنية للتعليم العالي، وعضوية المجلس العلمي للرباط ورئيسا لنفس المجلس فيما بعد، وخطيبا للجمعة بمسجد للا سكينة بالرباط. وفي 1999م عين مكلفا بمهمة في الديوان الملكي، والذي استمر فيه إلى عينه الملك محمد السادس مستشارا له في 29 مارس 2000م.

الأوسمة والتكريمات

تلقى الأديب والعلامة عباس الجراري طيلة مساره عددا مهما في الأوسمة والتكريمات نظير جهوده المتنوعة في خدمة العلم والأدب وبلاده والمجتمع، وذلك من جهات وطنية وأجنبية متعددة. ونورد فيما يلي بعض هذه التكريمات والأوسمة[7]:

  • وسام الاستحقاق من مصر (1965.
  • وسام العرش من درجة فارس (المغرب 1980).
  • وسام المؤرخ العربي (1987.
  • ميدالية أكاديمية المملكة المغربية (1990.
  • جائزة الاستحقاق الكبرى (المغرب 1992).
  • وسام العرش من درجة ضابط (المغرب 1994).
  • وسام الكفاءة الوطنية من درجة قائد (المغرب 1996).
  • وسام الجمهورية من الطبقة الأولى من تونس  (2000.
  • وسام العرش من درجة قائد (المغرب 2000).
  • وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (جمهورية مصر العربية- 2004).
  • وسام الإيسيسكو من الدرجة الأولى (2006.
  • وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى (2010).
  • وسام العرش من درجة ضابط كبير (2016).
  • درع مؤسسة ىل البيت للفكر الإسلامي بالأردن (2009).
  • درع وزارة التعليم العالي في مصر (2010).
  • درع المدية (الجزائر) بمناسبة مهرجان ميلوديات مكناس (2015).
  • الوسام الذهبي من الدرجة الأولى من المنظمة العالمية لحوار الأديان والحضارات بلبنان (2018).

كتاباته الفكرية والعلمية

رغم تعدد مجالات النبوغ عند عباس الجراري، فإن المجال الذي استقطب اهتمامه بشكل لا تخطئه العين هو ميدان الأدب المغربي والأندلسي، والتراث الثقافي والفني المغربي بكل مكوناته؛ من فنون وعادات وآداب شعبية، حيث ألف في الموسيقى والغناء الأندلسي وفن الملحون وفي احتفالات وعادات المغاربة. وفيما يلي لائحة بمؤلفات العلامة:[8]

  • أثر الأندلس على أوربا في مجال النغم والإيقاع (1982).
  • الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه (1979).
  • الإسلام واللائكية: معرفة الإسلام (2003).
  • إشارات عابرة: حوارات 1 (2010).
  • الإصلاح المنشود (2005).
  • أضواء على الرباط: المدينة والجهة (2002).
  • الأمير الشاعر أبو الربيع سليمان الموحدي: عصره، حياته وشعره (1984).
  • الإنسان في الإسلام: ماهيته وحقيقة وجوده (1998).
  • أهمية الماء في منظور الإسلام (2000).
  • بحوث مغربية في الفكر الإسلامي (1988).
  • بقايا كلام في الثقافة (1999).
  • تطور الشعر العربي الحديث والمعاصر في المغرب من 1830م إلى 1990م (1997).
  • ثقافة الإصلاح وإصلاح الثقافة (2011).
  • ثقافة الصحراء (1972).
  • الثقافة في معركة التغيير (1972).
  • الثقافة، من الهوية إلى الحوار (1993).
  • ثلاثون يوما في الولايات المتحدة الأمريكية (2018).
  • حديث الخميس (2021).
  • الحرية والأدب: من مواقف الحرية في الأدب العربي القديم (1971).
  • خطاب المنهج (1995).
  • خطب منبرية (2012-2018).
  • دروس حسنية (2015).
  • دليل قصائد الزجل في المغرب (الملحون) (2017).
  • الدولة الإسلامية بين النظامين الديني والمدني (2014).
  • الدولة في الإسلام: رؤية عصرية (2004).
  • دين وسياسة (2017).
  • الذات والآخر (1998).
  • رحيق العمر: موجز سيرتي الذاتية ج1، النشأة والمشروع (2020).
  • الزجل في المغرب: القصيدة (1970).
  • الشاعر الناقد محمد البيضاوي الشنجيطي (2007).
  • شعر الصحراء (1997)
  • صبابة أندلسية: دراسات مهداة إلى يوسف ابن تاشفين (1995).
  • صفحات دراسية من القديم والحديث (1976).
  • طفولة قلم (2020).
  • عاشوراء عند المغاربة (1999).
  • العالم المجاهد عبد الله بن العباس الجراري (1985).
  • عبقرية اليوسي (1981).
  • الفكر الإسلامي والإختيار الصعب (1979).
  • الفكر والوحدة (1984).
  • فنية التعبير في شعر ابن زيدون (1977).
  • في الإبداع الشعبي (1988).
  • في الشعر السياسي (1982).
  • القدس الشريف: هوية إسلامية – تحدي الإحتلال والإعتداء – دور لجنة القدس (1998).
  • قضايا للتأمل برؤية إسلامية (2000).
  • كلمات تقديم (2006-2019).
  • لا تطرف ولا إرهاب في الإسلام (2004).
  • مساهمات جرارية في دورات وندوات أكاديمية المملكة المغربية (2021).
  • المسؤولية في الإسلام (1996).
  • مع المعاصرين: أسماء وآثار في الذاكرة والقلب (1995-2019).
  • معالم مغربية (1991).
  • معجم مصطلحات الملحون الفنية (1970).
  • معركة وادي المخازن في الأدب المغربي (1988).
  • مفهوم التعايش في الاسلام (1996).
  • مقالات في الحوار (2008).
  • مقدمات دواوين موسوعة الملحون الصادرة عن أكاديمية المملكة المغربية (2021).
  • من أدب الدعوة الإسلامية (1981).
  • من ديوان عباس الجراري (2017).
  • من قضايا اللغة العربية (2020).
  • من قضايا الهوية الوطنية (2013).
  • من وحي التراث (1971).
  • موشحات مغربية: دراسة ونصوص (1973).
  • النضال في الشعر العربي بالمغرب، من 1830 إلى 1912 (1978).
  • النغم المطرب بين الأندلس والمغرب (2002).
  • الهوية الوطنية والجهوية (2013).
  • الهوية الوطنية واللغة (2015).
  • هويتنا والعولمة (2000).
  • الوجود الإسلامي في أوروبا: كيف يكون رافدا لحضارتها المتجددة (2008).
  • وحدة المغرب المذهبية خلال التاريخ: درس حسني قدم في شهر رمضان 1975 (1976).
  • La literatura marroqui a través de sus manefestaciones y temas (2020)

كما شارك عباس الجراري في تأليف عدد كبير من المؤلفات الجماعية سواء بالتقديم والمراجعة والإشراف أو بالتأليف والتحقيق، في موضوعات متعددة وخاصة في مجال الملحون. ونشر العلامة أيضا عددا كبيرا من المقالات والدراسات في عدد من المجلات الوطنية والعربية، أو تم إلقاؤها في إطار ملتقيات وندوات ومحاضرات عامة، وقد بلغت هذه المقالات والعروض 181 مقالة وعرض[9]. يشار أيضا إلى أن أعمال عباس الجراري كانت موضوعا لعدد مهم من المؤلفات والدراسات بما يفوق 170 عملا بحثيا.[10]

وفاته

كانت وفاة العلامة والأديب عباس بن عبد الله الجراري –رحمة الله عليه- مساء يوم السيت 20 يناير  2024 بمدينة الرباط، ووري الثرى بمقبرة الشهداء بحضور أفراد أسرته وعدد كبير من الشخصيات الرسمية والشعبية وخاصة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق. يشار إلى أن الفقيد خلف من الأبناء والبنات ثلاث بنات وابن واحد من زوجته حميدة بنت الحاج عبد المالك الصائغ.

المراجع
[1] الجراري عباس، رحيق العمر؛ موجز سيرتي الذاتية، ج1، ط1، 2020، منشورات النادي الجراري رقم 101، ص 24-26.
[2] الجراري عباس، رحيق العمر؛ موجز سيرتي الذاتية، ج1، مرجع سابق، ص 26-30.
[3] الجراري عباس، رحيق العمر؛ موجز سيرتي الذاتية، ج1، مرجع سابق، ص 75-77.
[4] الجراري عباس، رحيق العمر؛ موجز سيرتي الذاتية، ج1، مرجع سابق، ص 79.
[5] الجراري عباس، رحيق العمر؛ موجز سيرتي الذاتية، ج1، مرجع سابق، ص 94.
[6] الموقع الإلكتروني الرسمي للمرحوم عباس الجراري على الرابط: https://www.abbesjirari.com/ .
[7] الموقع الإلكتروني الرسمي للمرحوم عباس الجراري على الرابط: https://www.abbesjirari.com/ .
[8] عباس الجراري (1937-2024): عميد الدراسات الأدبية المغربية ورائد التراث الشعبي المغربي؛ بيبلوغرافيا، مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود – الدار البيضاء، أنظر الرباط: https://tinyurl.com/43ttjf8f.
[9] عباس الجراري (1937-2024): عميد الدراسات الأدبية المغربية ورائد التراث الشعبي المغربي؛ بيبلوغرافيا، مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود – الدار البيضاء، ص 10-29. أنظر الرباط: https://tinyurl.com/43ttjf8f.
[10] عباس الجراري (1937-2024): عميد الدراسات الأدبية المغربية ورائد التراث الشعبي المغربي؛ بيبلوغرافيا، مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود – الدار البيضاء، ص 29-54. أنظر الرباط: https://tinyurl.com/43ttjf8f.