تقديم كتاب “مختصر كتاب شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي..” (اختصره ذ. مولاي أحمد صبير الإدريسي)

تقديم

أبو شعيب الدكالي الصديقي العلامة المحدث، من طينة العلماء الأماجد سليل أسرة مَاجدةٍ، حاز شرف الذب عن حِياض الشريعة، الخطيب المُفَوَّه، والقاضي العادل، والمحدِّث الحافظ، العالم بعلل الأسانيد، الداعي إلى التمسك بالسنة والكتاب، وإصلاح العقيدة، ترك خلفه عددًا كبيرًا من العلماء لا يكادون يُحصون كثرة، وعدّه الكثير مُجددًا لرسوم الدين بالمغرب الأقصى. وهو مشيخة الأجيال وصلة وصل بين المغرب والمشرق. ترك الشيخ تراثا علميا نفيسا يحتاج إلى دراسة متأنية وعميقة لتعريف الأجيال بجهابدة الفكر والنبوغ المغربي، ويستفيدوا من العلم الغزير الذي تركوه بين الرفوف ومسح الغبار عنه والاطلاع عليه. وإن كان الشيخ من المقلين في التأليف، ومع ذلك فقد حفظ له تلامذته عناوين تآليفه ومنها: شرح مقامات الحريري، وتأليف في القراءات، وترجمة بخط يده، وتدوين الحديث، وشرح على المختصر، وتأليف على قوله ”خير الأمور أوسطها“ والمسامرة الأدبية في الاتزان والأخلاق المرضية، واللغة العربية وتطوراتها.. كما ترك تلاميذ منهم القاضي عبد الحفيظ بن الطاهر الفاسي الفهري، والعلامة شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي، والزعيم علال لفاسي، ومحمد الباقر الكتاني، والحسن بن التاودي بن سودة، والقاضي محمد بن عبد السلام السائح الرباطي، والحافظ محمد المدني بن الغازي الحسيني العلمي، والعلامة عبد الله الجراري، والعلامة عبد الله كنون، والشيخ عبد الله بن الصديق الغماري، والشيخ محمد بن الحسن الحجوي. وممن اهتموا به وكتبوا عنه العلامة الدكتور محمد رياض رحمه الله، أحد علماء المغرب، اهتم بشيخه وأفرد له كتابا في جزأين عنونه ب “شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي الصديقي وجهوده في العلم والإصلاح والوطنية مع ذكر ثلة من تلامذته وآثاره” اختصره الأستاذ مولاي أحمد صبير الإدريسي.

دواعي تأليف الكتاب

مختصر كتاب “شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي الصديقي وجهوده في العلم والإصلاح والوطنية مع ذكر ثلة من تلامذته وآثاره” ترجمة تامة وافية، شاملة صافية -في جزأين اثنين- حول علم من أعلام المغرب المعاصرين، شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي الصديقي، محدث الديار المغربية وحافظها ومفسرها، الوطني المصلح المجدد، الذي أحيى الله به علوما كادت أن تندرس، ونشر به أخرى كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تندثر (علمي التفسير والحديث كما هو مبين في ثنايا الكتاب) ، يعلم القاصي والداني جهوده الإصلاحية، ودعوته لإحياء السنة وإماتة البدعة، وثورته على المناهج التعليمية العتيقة، والمعتقدات البالية المنحرفة، فكان حقا وصدقا عالما مجددا، ووطنيا مصلحا، أعد للمغرب جيلا من الرجال، أحدثوا نهضة إصلاحية، وبعثا إسلاميا لا زال المغرب يتفيأ ظلاله إلى اليوم.

واهتمام مولاي أحمد الإدريسي صبير بترجمة الأعلام ليس وليد اللحظة فهو من الكتاب المهتمين بتراجم الرجال العلماء الأعلام، لأن في ذلك إحياء لذكرهم، وبعثا لعطائهم وفخرا بهم وبإسهامهم. والأمة بعلمائها ما أنزلتهم منازلهم وخلدت آثارهم، فإن هي أهملتهم ضاعت وضيعت. قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله: “إن معرفة الإنسان بأحوال العلماء رفعة وزين، وإن جهل طلبة العلم وأهله بهم لوصمة وشين. ولقد علمت الأيقاظ أن العلم بذلك جمع المصالح والمراشد، وإن الجهل به إحدى جوالب الناقص والفاسد، وفي المعرفة بهم معرفة من هو أحق بالاقتداء، وأحرى بالاقتفاء[1]” (الكتاب ص 6). وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: “الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه، لأنها آداب القوم وأخلاقهم، وشاهده من كتاب الله قوله سبحانه: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده” [الأنعام 91] وقوله سبحانه: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)[2] [يوسف 111].

وقد شرف المؤلف لصلته بالكتاب مرتين:

• الأولى: بالثقة التي حظيت بها من لدن “مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات” ليكون ضمن لائحة الباحثين المتعاونين مع المؤسسة.
• الثانية: حيازة شرف تكليفه باختصار هذا المصنف الفريد في بابه، النادر في مجاله، بغية إعادة تقديم ترجمة شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي الصديقي في حلة جديدة، مختصرة مفيدة تمتح من مادة الكتاب الأصل ولا تلغيه، وتعيد “إنتاجه” دون أن تتجاوزه، ليصل إلى طلبة العلم عامة، والباحثين في تاريخ الرجال وتراجمهم خاصة، فيحصل النفع به وتعم الفائدة.

مضامين الكتاب

كتاب “شيخ الإسلام أبو شعيب الدكالي الصديقي وجهوده في العلم والإصلاح والوطنية، مع ذكر ثلة من تلامذته وآثاره” كتاب نفيس يوثق حياة هذا العالم المصلح المجدد، ويقرب القارئ من جهوده وآثاره، ويعرف بثلة من طلبته، وهو كتاب يخبر أيضا بهمة مؤلفه الأستاذ الدكتور محمد رياض -رحمه الله- الذي حاز روح الباحث، وإنصاف الأكاديمي، وغيرة الوطني، فجاء عمله إنجازا رائدا في مجاله، وعنوانا لا يمكن تجاوزه أو الاستغناء عنه في عالم الترجمة وكتابة سير أعلام النهضة مطلع القرن العشرين.

ويأتي هذا المختصر المهم، الصادر عن مؤسسة الإدريسي الفكرية للأبحاث والدراسات، ليفيد المهتمين والباحثين وطلبة العلم ويختصر لهم مسار عالم، لينهلوا من علمه، ويسيروا على نهجه في التحصيل، لا سيما في زمن قليل من يعكف على المصادر والمباحث المتينة، وبدأ الناس يميلون إلى المختصرات. وقد وسع المؤلف على نفسه في إنجاز هذا المختصر، واستصحب ما استفاده من أعماله السابقة: “نعمة العلام في اختصار سبل وهو مختصر لكتاب سبل السلام” شرح بلوغ المرام للأمير السلام الصنعاني[3]، و”تقريب زاد المسير لطالب التفسير” وهو مختصر لتفسير “زاد المسير في علم التفسير” للإمام ابن الجوزي (قيد الطبع)، و”اختصار نيل الأوطار للإمام الشوكاني (قيد الطبع). وهي كتب من الضخامة والطول والغنى والفائدة ما لا يخفى على أهل العلم وطلبته.

وقد استحضر الكاتب ما انتهى إليه من خلال ما رصده في أعماله السابقة، فقارب هذا الاختصار من خلال نقاط أربع وهي :

• الحفاظ على هيكل الكتاب بفصوله وأبوابه ومطالبه كما وردت في الأصل.
• الإبقاء على أسلوب الكاتب محمد رياض وصياغته وإنشائه.
• حذف كل إطناب أو تكرار، وتعويض ذلك بعبارات قصيرة من إنشائه، يقتضيها سياق الاختصار.
• الاستغناء عن إدراج الملاحق التي تضمنها الجزء الثاني من آثار الشيخ أبي شعيب الدكالي المكتوبة: خطبه وفتاواه وكلماته ومحاضراته وأسانيده وإجازاته وأحكامه وتقاريضه… فضلا عن (ألبوم) (صوره) والمرائي التي قيلت في حفل تأبينه إلخ، وهي وثائق لا يمكن تلخيصها ولا إدراجها، لكثرتها حيث استغرقت الجزء الثاني من الكتاب بكامله. (الكتاب ص 7- 8)

ويقع المختصر في 191 صفحة، تضمن بعد التقديم، بابا تمهيديا: عصر الشيخ أبي شعيب الدكالي وموطنه الأصلي، مبحثه الأول: نظرة عامة عن عصر أبي شعيب الدكالي، المبحث الثاني: التعريف بموطن الشيخ الأصلي. وعرض في الباب الأول: الشيخ أبو شعيب الدكالي وجهوده في العلم والإصلاح والوطنية، الفصل الأول: حياة الشيخ أبي شعيب الدكالي العامة، الفصل الثاني: جهود شيخ الإسلام في العلم والإصلاح والوطنية. وختم بملحق تعريفي بالجزء الثاني.

خلاصة

يتيح المختصر للقراء والمهتمين التعرف على علم من أعلام المغرب، وعملاق من عمالقة الفكر في الأعصر المتأخرة، وهو أحد خاتمة حفاظه، بل هو مدرسة رائدة في الحديث، والفقه، والتفسير، والقراءات، واللغة، والعلل، وفقه الحديث. وما قام به الدكتور محمد رياض الذي سطر بمداد الفخر كلمات في حق ابن شيخه: “نقف وقفة إجلال وإكبار وتقدير واعتبار، لعالم الأدباء وأديب العلماء، الفقيه المحدث، اللغوي الشاعر، السائر، الخطيب المصقع، السائر على أثر أبيه الهام صاحب المعالي سيدي عبد الرحمان الدكالي الذي كانت له أول مساهمة، والبادرة الطيبة المباركة في جمع وثائق ترجمة والده الأكرم رحمه الله…”، وإلى السيدة الفاضلة الحاجة لغزايل: “…حيث بقيت صانها الله وفية لذكريات وآثار زوجها المشمول بعفو الله إن شاء الله الأستاذ المبجل سيدي عبد الرحمان الدكالي، فأشرفت على طبع ديوان شعره الذي خرج إلى الوجود” (الكتاب ص 13)، كما اتصل بالأستاذ محمد الصديكي الادريسي الذي كان واسطة بينه وبين زوجة خاله التي أمدته بما كان جمعه زوجها من وثائق ورسائل.

وهذا المختصر عمل مميز ومتفرد ومفيد لكل قارئ شغوف مهتم، وننشد في  الختام مع  عالم سوس وأديبها الأستاذ محمد المختار السوسي رحمه الله في شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي ما يلي :

بأي لسان یا شعیب تترجم *** فعمرو بن بحر عند وصفك يبكم

فما مسهب إلا يقول برغمه *** أخيرا وإن طال المدى الله أعلم