المحتويات
توطئة
تأتي أهمية كتاب «في نظرية الإصلاح الثقافي، مدخل لدراسة عوامل الانحطاط وبواعث النهضة» للأستاذ محمد يتيم، نظرا للسياق الذي صدر فيه، حيث تزامن مع الحراك العربي، وما صاحبه من ثورة سلمية وحضارية على الاستبداد والأنظمة الفاسدة وأطاحت بأعتى الأنظمة الاستبدادية. وقد دشن العالم العربي بذلك مرحلة فارقة في تاريخه، تمثلت على الخصوص، في تدبير الانتقال من الأنظمة التسلطية والديكتاتورية إلى أنظمة توخى فيها المحتجون أن تكون ديمقراطية وتحقق العدالة والكرامة للمواطن العربي. وأيضا في سياق انبهار دولي أمام هذا المتمرد الذي اعتقد الغرب أنه خانع وخاضع لا يحرك ساكنا، نظرا لغياب النخبة والصفوة المثقفة المنتجة للفكر والقيم العاملة على تحويل الفكر والقيم إلى سلوك ونمط للعيش، وهذه الصفوة هي المعول عليها في إحداث ثورة ثقافية عميقة في كل أنظمة الحياة العامة والخاصة في الغرب خلال العصر الحديث، حسب تعبير محمد طلابي. (الكتاب ص 3).
يرتبط الكتاب أساسا باستئناف محاولة الإجابة عن سؤال النهضة، كيف ننهض؟ وما هي المداخل الممكنة لتحقيق التنمية السياسية ومن ثمة النهوض الحضاري؟. ويطرح رؤية إصلاحية ذات مكونات متداخلة، تنطلق في عمقها من تثوير الثقافة كبعد حيوي لتحقيق التنمية المنشودة.
مضامين الكتاب
إن الاهتمام بمداخل الإصلاح في الأمة وتشريح عوامل الصعود والهبوط في تاريخها وتطبيقات ذلك على وضعها الحالي، من أوكد الواجبات. وإذا كانت الكثير من محاولات الإصلاح السياسي والتربوي والدعوي والاقتصادي والاجتماعي قد تمت طيلة القرنين الأخيرين، فإن الواقع المرير للأمة اليوم يدل على بقاء أعطاب كثيرة في واقع الأمة.
وهكذا فبسبب واقع الأمة بالغ التعقيد، الذي تتداخل العوامل فيه والمؤثرات، فإن الجهود التي بذلت لحد الآن لم تكن كفيلة بإخراج الأمة من مرحلة الوهن والتخلف الحضاريين. وعلى الرغم من الجهود التجديدية التي قام بها أجيال من العلماء والمفكرين والمصلحين طيلة القرون الأخيرة، إلا أن إنتاجهم لم يتحول إلا في القليل إلى ثقافة لدى شرائح واسعة من المجتمعات المسلمة.(الكتاب ص 7)
يطرح الأستاذ محمد يتيم في هذا الكتاب إشكالية الإصلاح الثقافي معتبرا أن مجتمعاتنا لم تحقق نهضتها الثقافية باعتبارها المدخل إلى جميع المداخل المقترحة لحل إشكالية النهضة، مبينا أن الأمر يتعلق بأزمة ثقافية بالمعنى العميق لمفهوم الثقافة، أي بأزمة سلوك جمعي، وأزمة أسلوب عام مشترك في الاستجابات للمواقف التي تعرض لنا، يتميز بشموليته واختراقه لمختلف فئات المجتمع، ويزداد استعصاؤه يوما بعد يوم على الإصلاح، الأمر الذي يعقد أكثر فأكثر مهام الإصلاح على الواجهات السياسية والاجتماعية والقانونية وغيرها.(الكتاب ص 8)
ويؤكد يتيم أن “قضية الإصلاح الثقافي اليوم لم تعد أزمة معارف أو مناهج علمية أو أكاديمية أو حتى أزمة اختيارات سياسية أو اجتماعية، وإنما أصبحت أزمة قيم، وأزمة نخبة قادرة على حمل هذه القيم وإعطاء القدوة من نفسها كي تنسج على منوالها باقي الفئات الاجتماعية”، ومنبها إلى أن”الأعطاب الثقافية وهي أعطاب فكرية ومنهجية، وهي أعطاب وجدانية جماعية، وهي أعطاب سلوكية جماعية”. (الكتاب ص 9)
الكتاب امتداد لجهود رسم معالمها محمد يتيم عبر مسار طويل، ركز فيها على محورين أساسيين: الأول؛ مناقشة الأطروحات الفكرية غير المنطلقة من المرجعية الإسلامية، وخصوصا منها اليسارية. والثاني: تأسيس الاختيار الحضاري في الإصلاح على أرضية فكرية صلبة تدمج الدراسة التاريخية لمسلسل الانحطاط في تاريخ الأمة، بدراسة تفاعل هذه الأخيرة مع الوافد الغربي وتطورات ما بعد الاستقلال السياسي للأوطان.
وقد حاول صاحب الكتاب تلمس طرق الخروج من حالة العجز والتخلف التي تعيشها الأمة، للبحث عن آفاق النهضة والتطور والتنمية الحضارية، معتمدا على مركز البعد الثقافي في البناء الحضاري للأمة. ويقول محمد يتيم إن الإعلان عن مركزية مشكلة الثقافة ومركزية إصلاح نظام الثقافة لا يعني إهمالا للمداخل الأخرى، ولكن يعني أن الأولوية المنطقية تبقى دائما لإصلاح هذا النظام المتميز والخاص، بسبب أنه المجال الأقرب إلى الإنسان والأكثر استعصاء واستقلالا عن الأنظمة الاقتصادية والسياسية، وحتى على الأنظمة الاجتماعية في حالات متعددة كما هو ملاحظ داخل الأقليات الإثنية التي تستعصي على الذوبان الثقافي داخل أنظمة ثقافية مهيمنة، وكما هو الشأن بالنسبة لمقاومة الأنظمة الثقافية للشعوب المستضعفة في مواجهة الهيمنة الثقافية للعولمة في معظم الإصلاح الثقافي مختلف الأنظمة المشار إليها”.
يوضح الكاتب في مقدمة كتابه الزاوية التي اختار أن يعالج موضوع النهضة في ضوئها فيقول: “فإن من بين أهم المداخل لإحداث النهضة والإصلاح إذن مدخل الثقافة، فالنهضة الثقافية اليوم من أهم المداخل وأوكدها في تقريب المسافة بيننا وبين النهضة الشاملة”. فمشكل التخلف في تصور يتيم لا يرجع إلى عدم التحاكم إلى الإسلام والرجوع إليه، فوجود النص، والرجوع إليه لا يحل لوحده قضية تخلف المسلمين، بل إنه يمكن من داخل النص الواحد إنتاج ممارسات اجتماعية مختلفة تتراوح في درجات التحضر والتخلف. فالمشكلة ليست في وجود النص بل المشكلة في فهمه أولا، ثم في تحويل أحكامه إلى قوة مغيرة للفهوم والعادات والتقاليد، وصانعة لقيم اجتماعية وثقافية جديدة أي صالحة الشخصية جماعية جديدة واستجابات جماعية جديدة.
غذن فالإشكالية تكمن في القدرة على الانتفاع بالنص، والثقافة قد تكون مانعا أو محفزا على ذلك كما ورد في الحديث عن زياد بن لبيد قال: “ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، قال وذاك من ذهاب العلم: قال قلنا يا رسول الله: وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا وأبناؤنا يقولونه أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال ثكلتك أمك بابن أم لبيد: إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة. وليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا ينتفعون منها بشيء . رواه الإمام أحمد في مسنده”. (الكتاب ص 16)
وقد جاء الكتاب استجابة لقسم لطلب قسم الإنتاج الفكري (حركة التوحيد والإصلاح)، وتمت مناقشته من طرف باحثين، ومتابعة محمد طلابي لفصوله، مما فرض تنقيحه وتبويبه. وصدر ت طبعته الأولى سنة 2010 عن مطبعة طوب بريس. واشتمل بعد المدخل على ستة فصول على الشكل التالي: الفصل الأول عنونه ب: في تجليات مشكلة الثقافة ومسار التشكل، والفصل الثاني: في تعريف الثقافة وآليات اشتغالها، والفصل الثالث: في تكوين الثقافة المغربية ومصادرها، والفصل الرابع: في النقد الثقافي المزدوج، والفصل الخامس: مداخل الإصلاح الثقافي، الفصل السادس: في مفردات وبرنامج الإصلاح الثقافي.
خاتمة
إن هذا الكتاب إسهام جاد في محاولة تسليط الضوء على معيقات النهوض وإسهام نوعي يرجو أن يلقى من الاهتمام ما يستحق، وأن تستفيد منه الأجيال الصاعدة، وكيفيات تجاوزها للتخلف. وهو إضافة نوعية لما سبقه من دراسات في هذا المجال. كما أنه محاولة للإجابة على سؤال كبير ومحير للكثير منا وهو: لماذا مع وجود الوحي بين ظهراني المسلمين اليوم، كما وجد بين ظهراني المسلمين الأوائل، لم يستطيعوا أن يبقوا على نفس المستوى من التمثل لأحكامه وقيمه وحمل رسالته إلى العالمين وعلى نفس المستوى الذي كانت عليه الأجيال الأولي من الوعي والكفاءة والقوة والقدرة على أداء الشهادة على العالمين؟.
وهو محاولة لفهم مختلف مظاهر الفصام التاريخي والحالي بين واقع المسلمين وبين أحكام ومقاصد شريعتهم، ولماذا أنتج المسلمون عبر التاريخ أفهاما وممارسات مختلفة كلها تنسب إلى الإسلام، ولكنها رغم ذلك لا يمكن أن تدعي أي منها تمثيل الصورة النموذجية للإسلام، بل إن بعضها تقدم صورة عن المسلمين وكأنهم في غاية في التخلف بسبب دينهم وإسلامهم؟.