توطئة

يعد الإعلام عنصراً حيوياً في تطور المجتمعات، حيث يلعب دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام ونقل المعرفة والثقافة وتعزيز التواصل الاجتماعي، من خلال عرض المعلومات والأخبار والمحتوى الثقافي، ويساهم  في توجيه التفكير وتشكيل السلوكيات لدى الأفراد والمجتمعات. ويطال تأثير وسائل الإعلام العديد من جوانب الحياة البشرية.

ولا أحد يجادل اليوم في الأهمية القصوى التي يشغلها الإعلام، فهو من أقوى المعايير الدالة على مدى حداثة وديموقراطية نظام سياسي وثقافي ما. ذلك أن وسائل الإعلام اليوم، السمعية البصرية منها على وجه التحديد، هي فضاء التوعية وتغيير العقليات الأكثر قوة وتأثيرا على أنماط السلوك والتفكير والتدبير لدى الفئات الأكثر اتساعا، أو أنها تمثل فضاء المحافظة والتضليل وكبح التغيير الأكثر دهاء ومكرا، وذلك من خلال خلط الأوراق والتمييع والتوجيه على نحو يُغَلِّبُ تفجير الغريزة على حساب تحكيم العقل لكبحها. إن الإعلام الذي يعكس صورة نسبية وواقعية للدولة وللمجتمع بإيجابياتهما وسلبياتهما، وبإنجازاتهما وأوجه قصورهما، سواء على مستوى الطبقة السياسية أو على مستوى المجتمع المدني، بل وحتى على مستوى الأفراد، إنما هو إعلام شفاف وكاشف، تنويري وذو مصداقية بالنظر إلى الدور الذي ينهض به في مسيرة المجتمع وتطور أمة بأكملها، وذلك على خلفية بناء مجتمع حديث ودولة ديموقراطية. وفي هذا السياق يأتي كتاب “صورة المجتمع المغربي في وسائل الإعلام الوطنية ” لإدريس القري ليقدم تجربة مؤلفه في تعددها وتنوعها، وفي مختلف امتداداتها الزمكانية، والتطرق إلى الصورة من خلال دعامات متباينة، ومقاربات متفاوتة بالنظر إلى الظروف التي تؤطرها، وإلى الزوايا التي يحتكم إليها لمعالجة موضوع محدد. والكتاب من منشورات شركة النشر والتوزيع المدارس -الدار البيضاء.

مضامين الكتاب

إن الإعلام ذو المصداقية هو ذاك الذي يتجاوز رسم صورة صادقة نسبيا للمجتمع وللدولة، إلى الإسهام في تطوير وتحريك عجلة العصرنة والتحديث الدافعة إلى الأمام. وهو ما لن يتأتى له إلا من خلال نهوضه الملتزم احترافيا وأخلاقيا بوظائفه الثلاث الكبرى وهي: الإخبار والتثقيف والترفيه.

ويخضع قطاع وسائل الإعلام عموما، مثل العديد من القطاعات وإن باختلاف في الحدة والدرجة “لتسليع مادي” وتكييف مع متطلبات ” السوق” أكثر من أي وقت مضى. ويقصد المؤلف بذلك السوق السياسية والأمنية، وما يمثلانه من قوة تأثير على المخاطبة المباشرة وغير المباشرة للمصادر الواعية واللاواعية للسلوك، ولردود الفعل وتكوين المواقف لدى المتلقى.وقد أدى إخضاع الإعلام المنطق السوق ومتطلبات المنافسة في الإنتاج والانتشار ومسايرة القيم السائدة، إلى تكييفه مع مميزات وخصائص وحاجات القطاع الخاص ومنطقه. (مقدمة الكتاب، ص: 10)

إن الإعلام السمعي البصري، في كل تجلياته، سلاح ذو حدين: فإما أن يكون في خدمة البلاد للسير بها قدما نحو السلم والتعايش والتسامح على قاعدة سيادة الحرية والمسؤولية والالتزام بالمصلحة العليا للمجتمع. وتلك ثقافة ينبغي حمايتها وتقويتها بالتعليم والإعلام خاصة في بلد تقليدي الثقافة والعقلية كبلدنا، وإما أنه يغدو سلاحا خطيرا لتكريس القائم من أساليب التسيير والتدبير في كل مؤسسات المجتمع الصغرى والكبرى، كالإدارات والأحزاب والنقابات والمقاولات والجمعيات والأسر والمدارس والمستشفيات… محافظا -وإن في حلل ” ثوبية” وغرافيكية وتشكيلية وضوئية وصباغية إلكترونية من أجود الأنواع العالمية وآخر صيحاتها- على كل ثقافة التقليد وذرائعها ومبررات وجودها الفضفاضة. ولعمري فإن “زابينغ» سريع و لبيب بين أغنى وأكثر القنوات التلفزيونية الفضائية العربية تجهيزا “بالتقنية” و”بالوجوه المليحة” و ب”الأصوات الجهورية الرنانة” ، يبرهن بسهولة على ما قلناه يقول الكاتب. (مقدمة الكتاب، ص: 10\11)

وقد عد المؤلف كتابه مراهنة على نظرة شمولية للإعلام السمعي البصري بالمغرب من منطلق مبدأ هيكلة المجتمع وبنيوية التنمية المستدامة، بما يضمن الكرامة، كرامة الوعي والأخلاق كما أسس لذلك إيمانويل كانط، والتحديث التي أثبتت التجارب العلمية الكبرى أن لا محيد عنها لتحقيق تنمية متوازنة، قد تكون بطيئة و لكنها متينة بانخراط واندفاع أوسع النخب والجماهير الوطنية وراءها، وإن كانت هذه التجارب ناجحة في سياقات وظروف ذاتية جزئية واقتصادية/مالية تقنية بالأساس.

وقد جاءت فصول الكتاب بعد المقدمة على الشكل التالي:

  • الجزء الأول: السينما والمجتمع المغربي.. من مقاومة التقدم إلى المساهمة في بناء المستقبل. وقد تضمن الفصول الآتية: الفصل الأول: الصورة والترجمة والتأويل: ضد المعرفة العامية .النقد السينمائي – من التفكير البصري إلى النقد الإبداعى.الفصل الثاني : قضية الديموقراطية وحقوق الإنسان فى الفيلم السينمائي المغربي من الرقابة السياسية إلى الرقابة الذاتية. الفصل الثالث: صورة المرأة في الفيلم السينمائي المغربي
  • الجزء الثاني: التلفزيون مقاس التحولات الديموقراطية ومعيار نجاحها وصدقيتها.وقد تضمن الفصول الآتية: الفصل الأول: جمالية الصورة التلفزيونية بين عمق الحقيقة وسطحية الكذب. الفصل الثاني: التلفزيون والرأي العام بين مكر الصورة وضغط العولمة. الفصل الثالث: التقديم والتنشيط في التلفزيون – مقاومة الغرور وتواضع الكفاءة. الفصل الرابع: السيتكوم المغربي – بين التربوي الجمالي والشعبوي المبتذل. وكذا ملحقعن شاشة مغرب 2007 الصغيرة.
  • الجزء الثالث: الفوتغرافيا في البدء كانت الصورة – الفوتغرافيا الفنية ووسائل الاتصال الحديثة. وقد تضمن الفصول الآتية: الفصل الأول: من الفوتغرافيا إلى الإنترنت – معاكسة وفرة الزمن. الفصل الثاني: الصورة إحساس – عن إبداعية الصورة الفوتغرافية والجسد. الفصل الثالث الفوتغرافيا والمسرح – من التاريخ والنرجسية إلى إعادة التشكيل الإبداعي. الفصل الرابع: الكمبيوتر والهاتف المحمول والإنترنت – لعبة الزمان والمكان .

خاتمة

أثار الكاتب مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بحوامل إعلامية متعددة أهمها السينما والتلفزيون أساسا، وبشكل أقل أهمية الفوتوغرافيا والهاتف المحمول والإنترنت، وذلك باعتبار التأثير المباشر والقوي بل الخطير الذي تمارسه هذه الحوامل التواصلية على الأجيال الشابة الصاعدة بالدرجة الأولى، ونظرتها للحياة وقيمها الكبرى المؤطرة للانخراط الاجتماعي للفرد في الحياة المجتمعية.

وأكد المؤلف أن الإعلام الملتزم بقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، المروج لمعايير الكفاءة والعقلانية والتخصص والإنجاز، والملتزم بتعدد الآراء ووجهات النظر، والرافض للانسياق وراء ثقافة الإقصاء واحتكار الحقيقة، كان هذا الإعلام رافعة أساسية في خلق هذا التواطؤ الخلاق والديناميكي بين الدولة والمجتمع بأغلب شرائحه، ومنها تلك التي ليست الانسياق وراء ثقافة الإقصاء واحتكار الحقيقة، عاطلة عن التفكير بلغة غرامشي.