
المحتويات
توطئة
يعد المسرح المدرسي وسيلة لتعميق المدارك وصقل الموهبة لدى الطفل، قصد تمكينه من الاعتماد على النفس ومواجهة العوائق التي تواجهه في محيطه السوسيولوجي. ويعكس كذلك بشكل عام صورة المجتمع والواقع ويجسد درجة الوعي عند النخبة المثقفة المساهمة في حركية التكوين والتعليم؛ فهو يتناول عدة قضايا تصور مكانة الفرد داخل بيئته، ويكشف عن نوع المعاناة والقضايا الفكرية التي تشغل بال المجتمع.
وقد عمل سالم أكويندي من خلال كتابه “ديداكتيك المسرح المدرسي.. من البيداغوجيا إلى الديداكتيك” أن يؤسس لرؤية بيداغوجية وديداكتيكية مكنته من الاقتراب أكثر من نبض الإجابة عن أسئلة تطرح بهذا الخصوص؛ عن ماهية المسرح المدرسي، ودواعي البحث عن مبررات لوجوده والتي لا تجعله مسرحا منفصلا عن جوهره ومنحاه العام، ثم وفق أي تأمل بيداغوجي يمكن مقاربته ديداكتيكيا؟.
مضامين الكتاب
قبل الخوض في الحديث عن أهم القضايا التي عالجها الكاتب لا بد من التأكيد على أن المسرح المدرسي عرف مسارا واجهته عقبات ساهمت في وأده وجعلت من غيابه خسارة لكل الفاعلين، وذلك بالنظر إلى الأدوار الطلائعية التي قدمها للمتمدرسين. فللمسرح دور فعال في تكوين المتعلمين وتهذيب سلوكهم، واستيعاب طاقاتهم التي قد يتم تفريغها سلبيا على شكل «عنف مدرسي»، على اعتبار أن المسرح المدرسي نشاط تربويّ، مقصود بذاته، نمارسه من أجل المسرح ونتعلم المسرح ونعرف كل ما يلزمنا في معرفته، من حيث تقنياته ومن حيث أهدافه ومن حيث الوظائف التي يؤديها، إلا أنه وللأسف الشديد عرف بعد سنة 2007م أفولا و”انقراضا”.
وقد عملت وزارة التربية والتعليم على إدماج مادة المسرح ضمن الأنشطة الرسمية فنجدها مُدرَجة في استعمالات الزمن والحصص الدراسية، سواء في الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي. فالدليل البيداغوجي يُعمّم المسرح من السنة الأولى إلى غاية السنة السادسة ابتدائي، وهذا أمر حاصل، وتعميمه بحصة الغاية منها تدريس المسرح كمادة، وهذا فيه إشكال، وهنا نطرح السؤال: هل نعتبر المسرح مادة دراسية؟ وما هي مواصفاتها ومنهجية تدريسها؟. وفي هذا السياق يأتي كتاب سالم أكويندي الذي يقع في 256 صفحة، طبعته الأولى سنة 2001م، عن دار الثقافة، مطبعة النجاح الجديدة.
لقد انطلق الكاتب من صياغة السؤال التالي: لماذا المسرح المدرسي في مستهل فصول هذا الكتاب؟، لأنه لم يرد طرح سؤال المسرح المدرسي مرة ثانية، باعتبار أنه قد وضع كتابا بهذا العنوان سنة 1988م، ووضعه لم يكن يجيب إلا على سؤال تلك المرحلة والتي اتسمت بإدراج المسرح المدرسي كمادة دراسية لأول ضمن مقررات المنهاج الدراسي، ومن ثمة جاء كتاب “المسرح المدرسي” وكأنه احتفاء بهذا الإدراج، وبالتالي إبراز مدى أهميته. ولكن ماذا بعد هذه الاستجابة والاحتفاء؟ أليس الاستمرار، إذ لا يكفي أن يكون منهاجنا الدراسي متقدما بوجود هذه المادة الدراسية ضمن مقرراته، أم أن الأمر قد خلق تساؤلات جديدة تنطوي على كيفية التنفيذ ومدى قابلية المسرح المدرسي أن ينظر إليه كمادة دراسية، وهو الشيء الذي أصبح معه هذا السؤال متداولا وعلى نطاق واسع نظرا لوجود المسرح المدرسي كمادة دراسية ضمن وحدة من وحدات هذا المنهاج. كما أن البعد التنشيطي والترفيهي للمسرح المدرسي، ظل حاضرا وبقوة حتى كاد يخفي البعد الديداكتيكي للمسرح، وهنا كان لازما أن يعاد طرح سؤال المسرح المدرسي وبصيغة جديدة تتوخى إبراز هذا البعد الديداكتيكي، دون إغفال المنحى التنشيطي والترفيهي للمسرح المدرسي ما دام بعداً مندرجا في مفهوم المنهاج الدراسي ذاته (مقدمة الكتاب، ص: 7). بل إنه مكون من مكوناته على مستوى بيداغوجية الدعم والتقوية، ومن موقع المعطى الديداكتيكي وليس خارجه، وكأن إعادة طرح سؤال المسرح المدرسى هاته، تفرض النظر إلى مادة المسرح المدرسي نظرا مغايرا إن لم نقل نظراً تأسيسيا ومن منظور المادة الدراسية نفسها، الشيء الذي جعل الكاتب لا يقف عند هذا الحد، بل عمل على استجلاء مدى قابليتها لتحمل مفهوم الوحدة الدراسية لاعتبارات تتعلق بوجهة النظر الديداكتيكية وما تتطلبه من نقل على هذا المستوى. كما أن المنظور الديداكتيكي لا يمكنه أن يتم إلا من وجهة نظر تأملية منحه إياها السند البيداغوجي، وهنا انفتحت البيداغوجيا لتجيب عن تساؤلاته ومن مقاربات متعددة ومتنوعة فرضها المسرح بشكل عام والمسرح المدرسي بشكل خاص، حيث كانت وظيفة المسرح التربوية هاديا له في تعالقاته بكل ما هو إنساني وجميل، حيث جاءت هذه المقاربات في بناء هذا المنظور من حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية باعتبارها علوما للتربية من جهة وعلوما للمسرح. وهكذا وجد أن نحت المنظور الديداكتيكي نفسه جاءنا من الرياضيات كوحدة وليس كمادة دراسية ذات بعد واحد بل إنها في معناها العام كوحدة تعكس ضوابط المادة وتركيز الخبرة الإنسانية في هذا المجال، وهكذا كانت مفهوما ديداكتيكيا مخصوصا بالرياضيات لتصبح فيما بعد ذلك العلم الذي يضبط عملية التدريس ويعقلنها ويجعلها قابلية تدريسية لكل الوحدات المعرفية والمهارية والقيمية الحاملة لقوانينها الداخلية والمنطوية على عمق التجربة الإنسانية.
وقد أسعف سالم أكويندي كثيرا اجتهادات لوجاندر في هذا الموضوع وهو ما تمت صياغته كمقاربات للإجابة عن تساؤلات المسرح المدرسي في طرحه الديداكتيكي، معتمدا في ذلك على نماذج عملية في قابلية الإنجاز الديداكتيكي، وتنفيذه وفق ما يطمح إليه المنهاج الدراسي، حيث تبلورت القناعة أكثر مع روح الميثاق الوطني للتربية والتكوين والتي جاءت مركزة على المردودية والإيجابية والمبادرة والجدوى في نظامنا التربوي. إذ ظهر له ومن النتائج المتوصل إليها أن المسرح المدرسي يرقى لمصاف هذا الطموح والتطلع إلى تحسين المردودية التعليمية التعلمية وجعلها أكثر وضوحا في الإنجاز لقابليته على التطبيق. وهنا تأتي تنويعات مفهوم البيداغوجيا كفلسفة وفن التطبيق، إذ ينظر إليها في هذا المقام نظرة مزدوجة فلسفة / تطبيق (براكسيس)، وفي مختلف الظروف والمسرح يسعف أكثر على بلورة مثل هذا التصور. (مقدمة الكتاب، ص: 8\9).
وقد جاء الكتاب متضمنا لعناصر الإجابة عن الإشكالات المطروحة بدءا بتحديد الغاية من المسرح المدرسي، وسنده البيداغوجي أي الإطار المرجعي والسند المؤسساتي القانوني والرسمي، وبالتبع تحديد مفهوم المسرح المدرسي، وأهدافه، ووسائل العمل، وخصائصه، ومجالاته، وكذا مجالات الأنشطة المدرسية، ليطرح رؤيته لديداكتيك المسرح المدرسي، ويخلص إلى تقديم نماذج للمسرح المدرسي باعتبارها وحدة ديداكتيكية، وبسط دورة الوحدة الديداكتيكية للمسرح المدرسي، وبيان برنامج المسرح المدرسي بالأسلاك التعليمية، دون إغفال للتقنيات المسرحية المدرجة بالمنهاج الدراسي.
خاتمة
إن الخلاصات التي توصل إليها المؤلف هي التي شجعته على الإقدام على هذه الخطوة في انتظارات الإنجاز الديداكتيكي، باعتبار المسرح هنا غاية في حد ذاته ووسيلة حاملة لمثل هذه الاسعافات في مجال تدريسيته. وهو ما جعله يركز على مفهوم ديداكتيك المسرح المدرسي على قابليته للإسعاف على تدريسية مواد وحدات دراسية أخرى كحامل لها، إذ يصبح معها المسرح المدرسي دعامة أساسية في المنهاج الدراسي ليس كمادة أو وحدة دراسية فقط بل وكتقنية من التقنيات لبيداغوجية، وما يمكن أن يختم به إلى حين، هو تبيان ديداكتيك المسرح المدرسي في رحلة نقله من السند البيداغوجي الصرف والمتجلى في أدبيات التوجيهات الرسمية. وتتمثل الخلاصة الأساسية في ضرورة وجود مسرح مدرسي ليتطور إلى عروض مسرح الطفل إذ بغياب المسرح المدرسي سوف لن يكون هناك مسرح للطفل إلا بالشكل الإكراهي الذي بسطه في ثنايا الكتاب.