مقدمة

عرف ملف القضية الوطنية الأولى “الوحدة الترابية” العديد من الإشكالات أغلبها من مخلفات الاستعمار وتصفيته، وتصنف قضية الصحراء المغربية على أنها من أقدم النزاعات الأفريقية التي خلفها الاستعمار ومازالت تستنزف الموارد ومستعصية على الحلول التوافقية. وتعد انتفاضة “الزملة” سنة 1970 في مدينة العيون عاصمة الإقليم ضد “أسبنة” الصحراء الأبلغ في التعبير عن حق الشعب في طرد المستعمر، وكانت هذه الانتفاضة -التي رفع المشاركون فيها الشعارات المطالبة بالاستقلال، والتي انتهت بقتل واعتقال العديد من الصحراويين- إيذانا ببدء مرحلة جديدة من الكفاح ضد المستعمر الإسباني. وبعد تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء تحقق جزء كبير من ضم المغرب لأراضيه، إلا أن التطورات التي عرفتها  القضية الوطنية، وما يحاك من قبل أعداء المغرب لفك أواصر الأخوة والوحدة التي تجمع مختلف مكونات المجتمع المغربي، كل ذلك يفرض على جميع المغاربة – كل من موقعه – أن يبادر إلى تقديم مساهمته المواجهة هذه التحديات التي تعتبر خطيرة.

ويأتي كتاب “المغرب في مواجهة مشاريع التجزئة ونزعات الانفصال” لعبد الله أيت شعيب -والذي يقع  في 87 صفحة، من مطبوعات مطبعة طوب بريس، في فبراير 2012- ليقوم بالتحسيس والتنبيه على خطورة المؤامرات التي تستهدف التماسك الداخلي للمغاربة ووحدتهم الترابية، وتقديم رؤية تؤسس مجمل مكوناتها وعناصرها على تعزيز قيم الوحدة ومحاولة كشف الاستهدافات التي تواجهها بمشاريع التجزئة ونزعات الانفصال.

دواعي التأليف وغاياته

تتمثل غاية الكتاب في التعريف والتذكير بالقضية الوطنية، وجعل جميع المغاربة أمام مسؤولياتهم الوطنية والدينية والتاريخية. وقد ركز المؤلف على توضيح الوظيفة التي تقوم بها الثوابت الوطنية والدينية في توحيد ولم شمل المغاربة وتعبئتهم من أجل مواجهة كل المخططات التي تستهدف وحدتهم. على أن ناظم هذه الثوابت وجامعها وضامن انسجامها وتماسكها، هو التمسك بالملكية الدستورية القائمة على الشرعية الدينية، تلك الشرعية التي تقوي من جهة مستند المغرب القانونى لكسب معركة الوحدة الترابية، وتعزز وحدة النسيج المجتمعي المغربي وتضمن تماسكه وجاهزيته لمواجهة دعاة التفرقة وأعداء المغرب خارج وداخل الوطن. (الكتاب،  ص: 6)

وقد استثمر الكاتب هذا المنعطف النوعي الذي يمر منه ملف وحدتنا الترابية ليوجه النداء للجمعيات المغربية خارج الوطن وعموم أفراد جاليتنا بالخارج بالتحلي بأكبر قدر من روح المواطنة للدفاع عن مصالح المغرب أينما وجدت، والقيام بحملات تحسيسية للتعريف بمشروعية قضيتنا الوطنية في كل المناسبات وعلى كل المنابر وبكل الإمكانيات المشروعة المتاحة.

والقصد الأساس من الكتاب  أن يلفت الاهتمام إلى العلاقة القائمة بين التماسك المجتمعي أو ما يصطلح عليه بالجبهة الداخلية وبين مواجهة المؤامرات والمناورات التي تستهدف وحدتنا الترابية، وأن التماسك الداخلي بين مختلف مكونات المجتمع المغربي هو الضمانة الأولى والشرط الأساسي الضمان استقرار المغرب وتقدمه وازدهاره. ومن ثمة فرسالة الكتاب وقصده متجه إلى غرس هذه القناعة وتأكيدها وتعزيزها في وعي المغاربة لاسيما في هذا الظرف العصيب والمنعطف الحاسم الذي تمر منه وحدتنا الترابية، وهو ما يستوجب من المغاربة جميعا بمختلف أطيافهم وألوانهم السياسية والمدنية أن يكونوا في كامل الجاهزية الصيانة وحدتهم وتعزيز تماسكهم، وتفويت الفرصة على أعداء وحدتهم الترابية. (الكتاب، ص: 8).

مضامين الكتاب

لقد حبا الله المغرب الله بجملة من المميزات والخصائص التي تجعله مستهدفا، ومن أهمها أن المغرب يتمتع منذ فترة طويلة بالاستقرار السياسي والاجتماعي، كما أنه ومنذ  أربعة عشر قرنا تميز بخاصية التمازج والتعايش بين أبنائه ومكونات مجتمعه، وذلك بفضل وحدة الدين ووحدة المذهب وبالنظام الملكي. كما أنه يقع في موقع استراتيجي إذ يشرف على ممر استراتيجي مضيق جبل طارق الذي يفصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وعلى مرمى حجرة من الإتحاد الأوروبي… فهذه الخصائص والثوابت التي تضمن وحدة الشعب المغربي، تجعله في مرمى رمح خصومه الذين يسعون إلى استهدافه عبر إثارة النعرات والفتن العرقية واللغوية والقيمية بين مختلف مكوناته، وذلك على غرار ما يقع في كثير من الدول العربية والإسلامية، وفي كثير من الدول الإفريقية، لأن الرهان الاستراتيجي لدول الهيمنة الغربية أن تبقى هذه الدول- دول الجنوب- وفي عمقها الدول العربية الإسلامية دولا متخلفة وضعيفة وهشة، حتى تكون دائما خاضعة وتابعة لها ولشروط مؤسساتها البنكية وقرارات صناع قرارها السياسي. (الكتاب، ص: 8-9)

وتضمن بعد المقدمة المحاور الآتية:

  • أسباب تراجع التماسك الداخلي للمغاربة .
  • تحديات وعوائق في طريق تماسك الجبهة الداخلية.
  • التيار الأمازيغي المتطرف أكبر خطر يهدد التماسك الداخلي للمغاربة.
  • مغرب التسامح.. الصيغة المغربية للتنوع في إطار الوحدة.
  • الملكية والوحدة المذهبية للمغرب أساس التماسك المجتمعي.
  • استهداف المغرب في صحرائه البؤرة المستمرة.
  • الإرهاصات الأولى لاستهداف المغرب في شماله .
  • الجهوية غير القائمة على التقسيم العرقي ركيزة أساسية الصيانة التماسك المجتمعية.
  • طمأنة ودعوة لجيراننا الأوروبيين.

وفي الختام قدم لكتاب خلاصات وتوصيات.

خلاصات الكتاب

ختم المؤلف كتابه بمجموعة من التوصيات هدف من خلالها إلى صيانة التماسك الداخلي للمغاربة بناء على مرتكزات منها إصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي، والتحصين الروحي والفكري من الخطر الشيعي والتنصير والتطبيع والتطرف، والاستئصال. وحث على ضرورة التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها، والاعتزاز بوحدتنا التي يعتبر الدين الإسلامي بمذهبه المالكي السني والنظام الملكي الذي ورثناه عن أجدادنا لقرون اللحمتين الأساسيتين لها، ورد الاعتبار للغة الأمازيغية، والتحذير من تنامي التيار الأمازيغي المتطرف، والتذكير بأن الصحراء الممتدة جنوب المملكة المغربية، لم يُعرف عنها عبر التاريخ سوى أنها جزء من كيان الدولة المغربية. وأن  نتيقن نحن المغاربة والجزائريين أن القوى العظمى لن تجعل حلا لهذا الصراع المفتعل، وبالتالي يجب علينا أن نغلب العقل والحكمة وأن نقتنع بأنه لا حل لهذا النزاع إلا بالحوار بين المغرب والجزائر على أرضية بناء المغرب العربي الكبير…