
المحتويات
تقديم
الصكوك الإسلامية أوراق مالية متوافقة مع الشريعة تُستخدم لجمع الأموال، حيث تمثل حصصاً شائعة في أصول حقيقية بدلاً من الديون، ومن أمثلتها صكوك الإجارة التي تُمثّل ملكية أصول قابلة للتأجير أو حق منافعها. تقوم فكرة صكوك الإجارة على شراء الأصول وتأجيرها لمتلقيها، ويستمد حاملو الصكوك العائد من الفرق بين ثمن الشراء والبيع بعد انتهاء مدة التأجير. وهذه الأوراق المالية الشرعية تختلف عن الأوراق المالية التقليدية (مثل السندات) في أنها ترتكز على أصول حقيقية وليست ديونًا بفائدة. وتمكن من الحصول على حصص في أصول تمثل كل صك حصة شائعة في ملكية أصول مادية أو منافع أو حقوق، ويتم إصدارها لتلبية احتياجات تمويلية مختلفة.
وتُستخدم لتمويل مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية في مختلف القطاعات. ويطلق الباحثون في مجال الاقتصاد صكوك الإجارة على الصكوك التي تصدر على أساس عقد إجارة (تأجير) لأصول أو خدمات. وتُستخدم حصيلة الإصدار لتمويل شراء الأصول المادية، مثل العقارات أو المعدات، التي تكون قابلة للتأجير، وتهدف إلى تمليك الأصول للمستفيدين بعد انتهاء فترة التأجير وسداد ثمنها.
مضامين الكتاب
يناقش كتاب “الصكوك الاستثمارية في التمويل الإسلامي صكوك الإجارة أنموذجا” للأستاذ يوسف هاشم، صدر عن مركز معارف للدراسات والأبحاث وبشراكة مع دار النشر عقول الثقافة، والذي يقع في 228 صفحة، الطبعة الأولى 2023م، نموذجا مهما من نماذج المنتجات البديلة عن الاقتصاد التقليدي المتمثلة في الصكوك الاستثمارية التي عرفت انتشارا واسعا في العديد من بلدان العالم الغربي والإسلامي. حيث يتناول هذا الكتاب بالوصف والتحليل طرق وآليات التمويل من خلال الصكوك بشكل عام وصكوك الإجارة على وجه خاص باعتبارها تحتل الصدارة في عدد الإصدارات العالمية للصكوك لما تقدمه من امتيازات تمويلية محفزة للراغبين في الاستثمار. كما يتوقف العمل عند تجارب رائدة في إصدار هذا النوع من الصكوك، في محاولة لتحليلها وبيان نقاط ضعفها وقوتها، فضلا عن استحضار المخاطر التي تدور حولها هذه المنتجات مع تقديم حلول عملية لها. كما يطرح هذا الكتاب كل هذه القضايا برؤية تحليلية استشرافية، ويقدم للمهتمين والمتخصصين مادة لزيادة النظر والتحليل من أجل بناء نموذج للصكوك منضبط لما جاء في الشريعة من أحكام، ومحقق للاستفادة الاستثمارية للدول أساسا وللأفراد والشركات.
الكتاب إطلالة لمواكبة التحولات التي يعرفه العالم لاسيما في عالم الاقتصاد، وما يطبعه من سرعة. فكان من الضروري بروز منتجات تواكب عمق هذه التحولات وتتفاعل معها خصوصا ما يتعلق بالأوراق المالية. وقد شكلت السندات الإجابة العملية عن حاجة المصارف والشركات والدول إلى مصادر تمويلية. حيث كانت كورقة مالية الخيار الأمثل لهذه المؤسسات في ظل غياب منتج بديل يحقق الأغراض المرجوة ويساير التحولات المفروضة. وقد توصل الفقهاء المجتهدون حديثا إلى إيجاد بدائل مناسبة ومسايرة للعصر تغنيهم عن وسائل الاستثمار التقليدية (الربوية). حيث تقوم هذه البدائل على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة بإعمال قاعدتي “الغنم بالغرم” و”الخراج بالضمان”، وهذا ما نجده فيما يتعلق بالمعاملات الإسلامية أو التشاركية. والتي تعيش في هذه المرحلة وبعد مرور أزيد من نصف قرن على تشكلها بالصيغة الحالية انتعاشة كبيرة على مستوى ثقة الزبائن في المعاملات التي تقدمها لهم، وذلك لانسجام صيغها من مبادئ الشريعة الإسلامية وقدرتها على إبداع آليات تمويلية تستطيع توفير البديل الشرعي المكون الاستثمارية في التمويل الإسلامي. (مقدمة الكتاب، ص:11)
وقد شكلت التجربة المحلية في ميدان المعاملات التشاركية عموما محط أنظار العديد من الناقدين والمهتمين بالمجال الاقتصادي لاعتبارات عديدة، لاسيما في الشق المتعلق بمدى قدرة هذه المنتجات على تنزيل مختلف الصيغ والآليات المحققة لكفاية سيولتها، بالنظر للفشل الذي لحق تجربة إصدار المنتجات البديلة سنة 2007. وقد أجاب المشرع عن ذلك جزئيا بسماحه للتعامل بأول إصدار من نوعه للصكوك الإسلامية، بصيغة صكوك الإجارة. وهو ما تنبأ له العديد من المحللين الاقتصاديين بنجاح مقدر بالموازاة مع الثقة التي سيعمل المشرع على تحقيقها في علاقته بالزبائن من خلال سلامة المعاملة من الناحية الشرعية وكفاءتها من الناحية التنظيمية، وكذا التأخر في الالتحاق بركب المصدرين لهذا النوع من المنتجات. (مقدمة الكتاب، ص: 12\13)
وتتركز الإشكالية المركزية لهذا الكتاب في ما مدى قدرة صكوك الإجارة على توفير البديل الأمثل عن السندات التقليدية للمستثمر انطلاقا من رؤيتها الشرعية والاقتصادية؟. وتتفرع عن هذه الإشكالية المركزية مجموعة من الأسئلة الفرعية نجملها فيما يلي: ما هي الأحكام الفقهية والقانونية التي تحكم التعامل بصكوك الإجارة؟ كيف السبيل إلى تجاوز الشبهات المتعلقة بهذه الصيغة؟ ما مدى كفاءتها وقدرتها على تحقيق السيولة الكافية للبنوك الإسلامية؟ كيف يمكن تقييم تطبيقات صكوك الإجارة بالنسبة لتجربتي البحرين وماليزيا؟ كيف استطاعت التجربة الماليزية التقدم لأن تصبح أول مصدر للصكوك عالميا والتي تشكل صكوك الإجارة جزءا كبيرا منها؟ كيف يمكن للتجربة المغربية الاستفادة من أخطاء التجارب السابقة فيما يتعلق بصكوك الإجارة والعمل على تنزيلها على الوجه المطلوب شرعا؟
وقد عمد المؤلف إلى تقسيم كتابه إلى ثلاث فصول، حيث يمكن اعتبار الفصل الأول مدخلا عاما لتبسيط مشتملات الكتاب في عمومها، من خلال تحديد ما يتعلق بالتمويل الإسلامي من مفاهيم وخصائص وكذا ما يتعلق بمنتج الصكوك كمنتج من منتجات التمويل الإسلامي عموما من مفاهيم وأنواع وخصائص. أما في ما يتعلق بالفصل الثاني فقد خصص للحديث عن صكوك الإجارة وأنواعها مع إبراز الضوابط القانونية والشرعية لإصدارها وتداولها. ليختتم الكتاب بفصل ثالث شكل المحور التطبيقي للموضوع من خلال عرض تجربتي ماليزيا والأردن في الصكوك الإسلامية وتحليلهما، مع التطرق إلى مجمل المخاطر التي تتعلق بهذا النوع من المنتجات، والحلول المقترحة لها، ليختتم الكتاب بخاتمة تضمنت مختلف النتائج والتوصيات المتوصل إليها.
خلاصة
خلص الكتاب إلى مجموعة من النتائج جاءت أبرزها على النحو الآتي:
- تعتبر الصكوك الاستثمارية من أرقى ما أنتجته المصرفية الإسلامية في وقتنا التعامل بها، وانفتاحها على الاستثمارات الداخلية والخارجية.
- تعد صكوك الإجارة أوراق مالية متساوية القيمة قابلة للتداول يصدرها مالك عين مؤجرة أو موعود باستئجارها أو تصدر مقابل أداء خدمة معينة لمدة معينة، بغرض بيعها واستيفاء ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين أو الخدمة مملوكة لحملة الصكوك.
- تستقطب صكوك الإجارة الحكومات بشكل كبير للاستثمار فيها باعتبارها أداة ذات كفاءة عالية لتمويل عجز الموازنة العامة وتوفير فائض في السيولة لهذه الأخيرة.
- تتضمن صكوك الإجارة على مجموعة من الأحكام والضوابط الشرعية والقانونية، تهدف بشكل أساسي إلى توفير الغطاء التشريعي لضبط هذه المعاملة ومواكبة مدى التزامها بنصوص الشريعة الإسلامية.
- إن صكوك الإجارة كأداة تمويلية معاصرة لا تخرج على كونها عقدا من العقود المقررة شرعا بحيث يجب أن تتوفر في هذا العقد أركانا يقوم عليها وينعدم أثره بانعدامها، وهذه الأركان هي الصيغة والعاقدان والمعقود عليه.
- تعتري صكوك الإجارة مجموعة من المخاطر المالية كمخاطر السوق، ومخاطر الائتمان.
- كثرة الضمانات في صكوك الإجارة، تخلق لنا نوعا من السيولة فى الضمان.
- تعتبر دولة البحرين من أهم الدول المصدرة لصكوك الإجارة لكنها لا زالت لم تصل إلى الصورة الشرعية المتكاملة التي يجب أن تكون عليها هذه الصكوك.
- التجربة الماليزية تجربة متميزة في مجال صكوك الإجارة رغم ما يمكن أن يقال عليها، وذلك راجع إلى عدة عوامل، من بينها الرغبة السياسية الكبيرة في إنجاح هذا المنتج الإسلامي.
- أعطيت مسؤولية الرقابة الشرعية على الصكوك الإسلامية بالمغرب للمجلس العلمي الأعلى عبر اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، في حين لا نجد وظيفة التقيد الداخلي ضمن آليات الرقابة المعتمدة على الصكوك عموما. وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة على السلامة الشرعية لهذا النوع من المنتجات في التجربة المغربية أساسا. (انظر خاتمة الكتاب، ص: 193\195)