تقديم كتاب: “الذاكرة التاريخية الـمشتركة المغربية – الفلسطينية” (ج1)

توطئة

تعزيزاً للوشائج القديمة والروابط الـمتينة التي جَمعت _ وما تزال _ المغرب بفلسطين، مجتمعاً ودولةً وملوكاً؛ بادرت الـمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى إصدار كتابٍ متميّز جَمع بين دفَّـتيه مادةً غنية ومُفيدة عن تاريخ وراهن العلاقات بين المغرب الأقصى وفلسطين، وذلك في إطار مشروعها الرامي إلى صيانة الذاكرة التاريخية الـمُشترَكة[1] مع معظم الشعوب والدول العربية والإسلامية والأوربية والغربية[2] التي جَمعتها صداقات بالمغرب ومواقف على طول التاريخ.

من هنا كان واجِب استِصدار عمل توثيقي من جُزئين، حمَل عنوان “الذاكرة التاريخية الـمُشتَرَكة؛ المغربية – الفلسطينية”، في طبعته الأولى سنة 2018، نقدِّم في هذه المادة جُزئه الأوّل الواقع في 386 صفحة.

فلسطين في الكتاب

تمحوَرت أعمال هذا الكتاب على مجموعة من المساهمات البحثية التي تَقدَّم بها أساتذة جامعيون وباحثون وإعلاميون وساسة سابِقون من المغرب وفلسطين، فكان لزاماً الحديث عن أرض فلسطين، حَوْز الشام وسُّرة العالم الإسلامي حسب صاحِب “نزهة الـمُشتاق”[3]، بحيث تضمّنت كثيرٌ من مواد الكتابِ فصولاً تاريخية عن أرض فلسطين وجغرافيتها، حواضرها وقُراها، تجارَتها وسكّانها وعاداتهم الاجتماعية، وبيت المقدس مُلتقى الديانات ومهبِط الوحي ومُصلَّى الأنبياء، ومَسرى الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، وصورة فلسطين كما حَضرت في كتب الرحلات المغربية[4] والمشرقية، وتاريخ المقاومة زمن الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني، وإضاءات على انتفاضة الأقصى سنة 2000، وتفاصيل دقيقة عن أوقاف المغاربة بالقدس وحارة المغاربة[5]، غيرها من الأحداث.

الجزء الأول.. مواد وفوائد

تَوزّعَ الجزءَ الأولَ من هذا المرجع القيِّم؛ فصلان أساسيان، خُصِّص الفصل الأول للحديث عن “الـمُشتَرَك الديني والاجتماعي والثقافي والتاريخي في الذاكرة المغربية – الفلسطينية“، تضمّن ثلاثةَ بحوث لكتّاب فلسطينيين[6]، وستة بحوث لباحثين مغاربة، تطرَّق بعضها لــ:

• الحضور المغربي في فلسطين خلال العصر الوسيط[7]؛
• أبرز الرحلات المغربية إلى الأراضي الفلسطينية[8] التي شَكّلت مصدراً نفيسا للمؤرخين والباحثين؛
• ملامح من العلاقات الاجتماعية والعلمية بين المغرب وفلسطين[9]، ومكانة القُدس عند المغاربة[10] وما كان لها من أثَرٍ في تقوية عُرى التواصل والعلاقة بين الشعبين والبَلَدين.

وفي الفصل الثاني نُطالع جوانبَ من “النضال المشتَرَك المسلَّح والسلمي في الذاكرة المغربية – الفلسطينية”، تقدَّم باحثان من قطاع غزّة بدراسة وافية عن “الحركة الوطنية المغربية وانتفاضة الأقصى”،[11] وباحث آخر من العراق[12] بموضوع “الحركة الوطنية المغربية والقضية الفلسطينية 1930-1948″، فيما جاءت ثمانِي أوراق بحثية من صِياغة كُتّاب وباحثين مغاربة، نساءً ورجالاً، سَلَّطت الضوء على قضايا عديدة من قَبيل:

• ردود أفعال طنجة تُـجاه قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 اعتماداً على الأرشيف الفرنسي؛[13]
• حضور المغرب في جريدة الدفاع الفلسطينية خلال سنوات 1934 – 1938، التي “احتَوَت على مواد خَبرية غزيرة ومتنوِّعة (..) وكانت من أكثَر الجرائد الفلسطينية مُتابعةً وتغطيةً لمجريات الأحداث والقضايا بالمغرب”[14]؛
• رصْد أهمّ مواقف رجال الحركة الوطنية بالمنطقة السلطانية من القضية الفلسطينية خلال فترة الحماية[15]؛
• الحديث عن جهود الحاج أمين الحسيني[16] _ مُفتي القدس _ في الدفاع عن القضية المغربية فيما بين 1930 – 1943؛
• تِعداد أوْجه دَعم التَّقدميين المغاربة عن القضية الفلسطينية، ومكانة فلسطين في نضالات رموز الحركة الوطنية بشمال المغرب؛
• ذِكْر أسماء وسِيَر الشهداء المغاربة الذين ارتَقوا إلى الله دفاعاً عن فلسطين، من بينهم الشيخ الشهيد حبيب الشرقاني الفيلالي والشهيد عبد الرحمن اليزيد أمزغار والشهيد أحمد بوشيخي، والشهيد الحسين الطنجاوي والشهيد الركراكي النومري والشهيدة رقية الراضي[17].

ناهيك عن إيراد عشرات القصائد الشِّعرية والـمقولات والخطابات السياسية، والبرقيات والرسائل التي بَعث بها زعماء الحركة الوطنية احتجاجا على السياسات البريطانية وتنديداً بالجرائم الصهيونية، أو تلك التي تلقَّوها من لدُن قادة الثورة الفلسطينية، ومُقتَطفات من صُور الجرائد والمنشورات التي كانت تُنشَر في المغرب وفلسطين منذ عهد الاحتلال البريطاني الفرنسي والإسباني، والرسائل السلطانية لملوك المغرب.

كما تَضمّن الكتاب ملاحِقَ عديدة، بين مَقال وصورةٍ وبيانٍ حزبي، وأرشيف فلسطيني، وبلاغ تأسيسي لجرائد مغربية[18] ووثائق طلابية وصُور شخصيات سياسية وملوك دول.

خاتمة

لقد أبانَ الجزء الأول من هذا المرجع الـهام عن جوانب ناصعة من علاقات وطيدة وقضايا مُتشابِهة ومواقِف بطولية بين المغرب وفلسطين، تؤكِّد مدى حقيقة القضية الفلسطينية بالنسبة للمغاربة باعتبارها قضية وطنية.