
المحتويات
تقديم
تعالت أصوات من أجل حجب الحديث النبوي وعدم اعتماده والاكتفاء بالقرآن الكريم على أساس أنه قطعي الثبوت لأن كل آياته وسوره قد نقلت إلينا بالتواتر، واعتبر هؤلاء أن السنة ظنية فقط، وهذا من جهلهم، في حين أن السنة ليست كلها ظنية، بل تنقسم من حيث الثبوت إلى قطعية وظنية.
إن حاجة المسلمين اليوم إلى الحديث النبوي ماسة، فهو يبيّن لنا أقوال النبي ﷺ وأفعاله وتقريراته، ويوضح لنا تفاصيل العبادات والمعاملات، ويقدم لنا نموذجاً للحياة الكريمة، ويهدينا إلى طريق الخير والسعادة.
وتتجلى أهمية الحديث النبوي للمسلمين أنه مصدر للفهم والتطبيق يوضح ما جاء في القرآن الكريم ويبين طريقة التطبيق العملي لتعاليم الإسلام. وهو مصدر تشريعي رئيسي بجانب القرآن الكريم، ويشكل معهما أساس الشريعة الإسلامية. وهو للتعليم والتوجيه، وبناء القيم والأفراد والمجتمع، ووسيلة لفهم العبادات، والمعاملات، وبيان الحلال والحرام…
إن حاجة المسلمين للحديث النبوي هي حاجة أساسية لفهم دينهم وتطبيق تعاليمه، وبناء حياتهم على هدى النبي (ص)، وهي ضرورية أبدية، فيه يُفهم المراد من كلام الله عز وجل، ويُعرف جلال قدر هذا النبي المعظم وبه تفهم سنته، ويعم هديه…
مضامين الكتاب
لقد اقتدى المؤلف بمن سبقه من العلماء الذين ألفوا في هذا الفن بجمع الأحاديث وتصنيفها، وأولهم حسب المؤرخين الطبري رحمه الله (ت. 310 هـ) الذي فتح أبوابه بكتابه “تهذيب الآثار”، ثم ما لبثت قوافل المصنفين أن أقبلت على الحديث النبوي بغرض سبر أغواره وفهم مراده ، فكان لكل واحد من أئمة هذا الفنّ منهجه في فهم هذا المراد وتفهيمه، وكانت النتيجة مكتبة زاخرة تنوعت مصنفاتها ومناهجها وأدواتها أغنت فهم الإسلام، وبينت أحكامه وتوجيهاته في مجالات العقائد والعبادات والمعاملات.
وقد جمع بعض العلماء جموعا من الكلم النبوي الشريف، منهم الإمام ابن الصلاح الذي جمع ستة وعشرين حديثا، وبلغ بها الإمام النووي اثنين وأربعين حديثا، والإمام ابن رجب الحنبلي خمسين حديثا. وقد كتب الله تعالى لهذه الأعمال وغيرها القبول والخلود، فعم بها النفع، وبلغ صيتها البقاع والأصقاع، وحققوا بهذه الأعمال فوزهم بدعوته صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم”. وقد سار على دربهم كثير من المعاصرين منهم: عبد العزيز الراجحي، وموسى لاشين، وعبد الكريم الخضير، ومحمد علي الصابوني، وحبنكة الميداني وآخرون، دون أن تنضب معاني هذا الكلم أو تغور. (مقدمة الكتاب، ص: 6-7).
وهذا الكتاب “الدرر السنية في شرح مائة حديث نبوية” والذي يقع في 347 صفحة -الطبعة الثانية 2025م- ، الصدر عن عقول الثقافة للنشر والتوزيع بشراكة مع مركز معارف المستقبل للبحوث والدراسات، أضمومة من مائة صحيحة اتفق عليها الشيخان، اقتفى المؤلف مولاي أحمد صبير الإدريسي أثر علماء ممن جمعوا جموعا من الكلم النبوي اختلفت في العدد، وتباينت في مناهج التعاطي مع أحكامها ومضامينها، ولكنها -جميعا- عم بها النفع، وبلغ صيتها البقاع والأصقاع.
وقد ألزم المؤلف نفسه بالسهولة والاختصار، وتحرى العبارة الوجيزة والمعنى الواضح، وذلك وفق خطاطة وجد أنها كافية شافية للمتعلمين، فبدأ فيها بوضع عنوان للحديث، وتخريجه، وبسط ترجمة راويه، والوقوف عند غريب ألفاظه، وصياغة معناه الإجمالي، ثم الانتقال إلى شرحه وبيان معانيه وتوضيح المراد منه دون الإغراق في النقول عن الرواد الأولين، أو الخوض في اختلافات الشراح السابقين، لينهي الشرح بالوقوف عند فائدة من فوائد الحديث انتقاها في الغالب من أمهات شرح الحديث. (مقدمة الكتاب، ص: 7)
ويأتي كتاب “الدرر السنية في شرح مائة حديث نبوية” الذي يتمنى المؤلف أن يكون لبنة في صرح ما ألفه الرواد السابقون والخلف اللاحقون في مجال الشروح الحديثية، ويجزم أنه سيكون استراحة قارئ محب ولهان، في ظلال وارفة لمائة حديث صحيحة، استأنس في شرحها بما أنجزه بعض الأولين والمتأخرين في شروحهم، وبما وقف عليه في مناهج تعاطيهم مع الحديث النبوي الشريف ومقاربتهم موضوعاته الفقهية واللغوية…
ولا بد من التأكيد أن صلة مولاي أحمد صبير الإدريسي بالحديث النبوي الشريف، وكلمه صلى الله عليه وسلم قديمة فقد تفيأ منذ سنين ظلال هذا الكلم الشريف، حيث كانت البداية تلخيصه كتاب “بلوغ المرام في شرح سبل السلام” للإمام الصنعاني، ثم كتاب “نيل الأوطار” للإمام الشوكاني ثم ألف كتاب “الموجز” فى الفقه المالكي کتاب “الطهارة والصلاة”… (مقدمة الكتاب، ص: 8)
ويقر المؤلف أن أنفاسه كانت تتعطر بأريج هذه الباقة النبوية العطرة كلما أقبل عليها، فتسكن نفسه، وتشفّ روحه، ويرقى ذوقه. ولعل القارئ الكريم سيجد بدوره ما وجد وهو يقبل على هذا الشرح المختصر سواء على انفراد أو في مجالس أسرية أو تربوية أو علمية. وهو شرح مختصر سيكتب له القبول لأن المؤلف ما أراد به إلا وجه الله والدار الآخرة، وأن ينضر الله عز وجل به وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وأن يكتبه من أحباب نبيه وأتباعه، الذائدين عن سنته آمين. (مقدمة الكتاب، ص: 8)
خلاصة
تكمن ميزة وإضافة هذا المصنف في كون المؤلف سلك في شرح هذه المائة مسلك السهولة والاختصار، وتحرى العبارة الوجيزة وتلمس المعنى الواضح، ولعل في عمله هذا قيمة مضافة في مجاله، وخدمة جليلة لشريحة واسعة من المعلمين والمربين والآباء والأولياء ممن لا تسعفهم أوقاتهم أو انشغالاتهم في التنقيب في مظان الحديث، فالمائة متفق عليها، تعالج قضايا تربوية وقيمية وسلوكية متنوعة مما يحتاج المسلم إلى معرفتها، والعلم بأحكامها، والتملي في أسرارها.